مدينة البوعزيزي .. هكذا تُحيي "سيدي بوزيد" ذكرى الثورة التونسية

مدينة البوعزيزي .. هكذا تُحيي "سيدي بوزيد" ذكرى الثورة التونسية
مدينة البوعزيزي .. هكذا تُحيي "سيدي بوزيد" ذكرى الثورة التونسية

مرّت 8 سنوات على إشعال محمد البوعزيزي النار في جسده احتجاجاً على مصادرة عربة غلاله أمام مقرّ محافظة سيدي بوزيد، وسط غربي تونس، ليشعل بنار جسده ثورة في تونس، صدّرها إلى عدد من البلدان العربية.


وتلبس سيدي بوزيد، كل 17 ديسمبر، حليّها إحياء لهذا التاريخ منذ عام 2010؛ لكونه تاريخ التحرّر من الديكتاتورية والقمع والظلم والتهميش، التي دامت 23 سنة، حكم خلالها الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، تونس، قبل أن يفرّ في 14 يناير 2011، إلى السعودية.

وباتت رمزيّة هذا الحدث تسكن قلوب أهالي هذه المحافظة المنسيّة التي ثارت ضد حكم الدكتاتورية، دون أن تجني ثمار الثورة، وفق ما يرى مراقبون.

وتملأ عربات الغلال والخضر المدينة، كما أنها ما زالت تحوم حول مجسّم عربة محمد البوعزيزي، التي نُصبت بشارع سيدي بوزيد الرئيسي، وعُلّقت بالقرب منها صورة عملاقة له اعترافاً بدوره في اندلاع شرارة الثورة.

ويُحيي شباب الثورة ذكرى إحراق البوعزيزي نفسه، وسط عروض موسيقية ومسرحية، تستقبل فنانين وموسيقيين وسياسيين من عدد من دول العالم، يفتتحها مسؤولون كبار بالدولة تمجيداً لمكاسب ثورة الحرية والكرامة؛ في مقدمتها حرية التعبير، وحرية ممارسة النشاط السياسي والاجتماعي والثقافي.

ما بين 17 ديسمبر و14 يناير
وعلى خلاف محافظات تونس الثلاث والعشرين، تدخل محافظة سيدي بوزيد كلّ 17 ديسمبر في عطلة رسمية، تعلّق خلالها الدروس وتُغلق المؤسسات الحكومية والمتاجر والفضاءات العامة؛ لتستعيد صور ملحمة 2010، التي شهدت مواجهات بين المواطنين والأمن، سقط خلالها عشرات الشهداء والجرحى.

ولا يزال الكتّاب والمؤرّخون يختلفون حول تأريخ موعد الاحتفال بذكرى الثورة؛ بين من يعتبر أن شرارتها انطلقت من محافظة سيدي بوزيد يوم أحرق البوعزيزي نفسه، ومن يرى أن الاحتفال بالثورة يجب أن يكون يوم 14 يناير 2011، تاريخ هروب بن علي.

ويفسّر هذا التباين الخيبة لدى صالح البوعزيزي، خال محمد البوعزيزي، الذي أكّد في تصريحه لـ"الخليج أونلاين" أن الثورة سُرقت منهم غصباً عنهم، وأن سيدي بوزيد خسرت مرّتين، وهُمّشت بعد الثورة أكثر من قبلها، خاصّة أن جميع مطالب أهالي المحافظة لم تتحقّق، ومؤشرات التنمية تراجعت جميعها، باستثناء هامش من الحرية يستطيعون به التعبير عن آرائهم، وغضبهم ممّا آلت إليه أوضاع المحافظة، مشيراً إلى هروب عائلة البوعزيزي خارج تونس تجنّباً للضغوط التي مارسها ضدّهم أعداء الثورة.

ويضيف في نفس السياق الأسعد البوعزيزي، وهو ناشط في الحراك الثوري، وسجين سياسي سابق، أنّ الثورة بدأت من هذه المحافظة الفقيرة التي يجب أن يعترف البلد بفضلها عليها، وأنّ البوعزيزي زلزل عرش الطغاة، وأن ما تعيشه المنطقة اليوم هو "ظلّ 17 ديسمبر، الذي سافر لتحرير الشعوب في العالم"، مشيراً إلى أن هذا التاريخ هو الطريق لتحرير القدس.

"التنمية" هاجس المدينة المؤجّل
ولم تكن 8 سنوات كافية لتغيير وجهة المدينة، ولا منوالها التنموي، أو حتى حركة الاقتصاد فيها، فمُنشآتها الحيوية التي تعدّ على الأصابع ما زالت كما كانت، سوى بعض الإنجازات الصغيرة؛ كمعمل لتصنيع المنتجات اللبنية، وآخر للأسمنت، وبعض التحسينات في البنية التحتيّة.

وفي الذكرى الثامنة للثورة، ما زال العاطلون عن العمل يحتجّون ويرفعون الشعارات ذاتها التي رفعوها في 17 ديسمبر 2010، ويشير في هذا الشأن وسيم جدي، كاتب عام مساعد بالمكتب الجهوي لاتحاد العاطلين عن العمل بسيدي بوزيد، إلى أنّ أهداف الثورة ومطالبها لم تحقَّق إلى اليوم، وأنّ الدعوة إلى استكمال مسارها واجب وطني.

ويضيف أنهم يحتجّون ضدّ سياسية اللامبالاة وتجاهل الحكومات المتعاقبة لاستحقاقات الشعب في العدالة الاجتماعية، وحق العاطلين عن العمل، وإعادة فتح ملف الانتداب في الوظيفة العمومية، الذي أُغلق منذ سنتين.

واشتكى الأهالي في تصريحات مختلفة لـ"الخليج أونلاين" من تفشّي البطالة، والفقر، والمخدّرات، والإرهاب، والأمراض، وارتفاع الأسعار، وضعف المقدرة الشرائية، وتدهور الأخلاق، وتدنّي برامج التعليم، إضافة إلى فقدان الأدوية في الصيدليات، والمواد الغذائية اليومية؛ أهمها الحليب، وانعدام المراقبة الصحية والاقتصادية وغيرها.

كما ذكّروا بالمجالس الحكومية الخمسة التي انعقدت في آجال متباعدة خلال السنوات الـ8 حول تنمية جهة سيدي بوزيد، وعن المشاريع التي أقرّتها هذه المجالس، والتي ظلّت حبيسة رفوف الوزارات والمؤسسات الدولة، في حين تحدّث عنها كلّ المسؤولين الذين زاروا الجهة دون تحقيقها.

حريّة التعبير هي الانتصار الوحيد
وسط شارع محمد البوعزيزي، وبعد انتهاء فعاليات إحياء ذكرى 17 ديسمبر، يقف الناشط السياسي والسجين السابق، زهير الغنيمي، يتأمّل حركة المارّة، يقول في حديث لـ"الخليج أونلاين"، إنّه سعيد بمكسب الحرية الذي تحقّق بعد الثورة، والذي استفاد منه الإعلام بشكل لافت، حتى باتت وسائله المختلفة تشهد إقبالاً واسعاً على حساب نظيرتها العربية والأجنبية.

ويضيف الغنيمي أنّ حرية التنظّم وممارسة الأنشطة السياسية والجمعياتية مهمة جداً أيضاً، خاصّة أنّه سُجن خلال فترة حكم بن علي، ولم يتحرّر إلا بعد هروبه، يوم 14 يناير، وهو اليوم يمارس أنشطته بشكل طبيعي، ودون ضغط من أي طرف، مشدداً على ضرورة الاحتفاء بهذا المكسب الذي تفتقده أغلب الدول العربية التي تحكمها أنظمة استبدادية.

هذا، ويجمع التونسيون على اختلاف مواقعهم على أنّ أبرز مكسب حقّقته ثورة تونس هو حرية التعبير، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في البلد.