كيف تجند "إسرائيل" عملاءها عبر إعلانات "فيسبوك"؟
لم يتوقع الشاب رأفت الخالدي، وهو من سكان حي الشيخ رضوان غربي مدينة غزة، أن يقوده فضول الاطلاع على أحد الإعلانات التجارية التي تظهر على صفحته الخاصة في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إلى الاقتراب من الوقوع في وحل العمالة والسقوط في شِباك جهاز الاستخبارات الإسرائيلي.
الشاب الخالدي كان كعادته اليومية، يتصفح موقع "فيسبوك" ويتابع آخر التطورات ويتواصل مع أصدقائه، لكنَّ ليلة الجمعة قبل الماضية لم تكن كسابقاتها، حين قاده فضوله إلى دخول بعض المواقع الأمنية الخطيرة، التي استغلته وبدأت تطرح عليه أسئلة خاصة وأخرى حساسة، تتعلق بالمقاومة ومواقعها العسكرية.
"هل تريد السفر والإقامة في لندن بطريقة سريعة ومضمونة؟"، كان هذا هو السؤال الذي ظهر فجأة على صفحة "الخالدي"؛ وهو الأمر الذي دفعه للضغط على الرابط دون تفكير، لتظهر بعد ذلك بثوانٍ صفحات متعددة، تبعها طلب صداقة من شخص يُدعى "Mr.jhon5s"، ليبدأ بإجراء أول محادثة معه باللغة العربية الفصحى.
"الخالدي"، الذي روى لـ"الخليج أونلاين" تفاصيل محاولة جرِّه إلى وحل العمالة وإيقاعه بفخ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، يقول: "في البداية، لم أكن أعلم أن هذا الشخص له علاقة بالإعلان الذي ضغطت عليه والمتعلق بالسفر إلى لندن، لكن بعد حديثه معي وتعريفه بنفسه وأنه يسكن في العاصمة اللبنانية بيروت، وأنه يمكن أن يساعدني، أيقنت أن له علاقه بهذا الرابط الغريب".
فخ المخابرات الإسرائيلية
ويتابع: "كان الحديث عادياً، ولم نتطرق إلى أي موضوع غير التعارف والترحيب المتبادل. ولكن بعد ثلاثة أيام، وجدت رسالة خاصة منه قد وصلت إليَّ على موقع فيسبوك، طلب فيها التعرف عليَّ أكثر والحصول على رقم هاتفي الخاص، لتبادل الحديث يومياً واطمئنان أحدنا على الآخر ".
ويضيف "الخالدي": "لم أعطه رقم هاتفي، ولكني اضطررت في بعض الأحيان إلى الرد على رسائله التي كان يرسلها إليَّ مرتين أو ثلاث مرات في اليوم الواحد، ودار بيننا حديث عادي وعام، وتبادلنا وجهات النظر في مواضيع متعددة، منها ما هو متعلق بالسفر ووضع غزة وأزماتها والعالم العربي، حتى إننا دخلنا في نقاشات سياسية وأخرى تتعلق بالاحتلال، وكان ذلك دون أن أشعر بشيء لافت من طرفه، خاصة أنه كان يقول إنه من محبي فلسطين".
الأمر بعد تلك المحادثات العابرة والجميلة قد تغير، بحسب "الخالدي"، وطريقة الحديث دخلت منحنى آخر، حين بدأ المدعو "Mr.jhon5s" بتوجيه أسئلة حساسة تتعلق بالمقاومة في غزة، والحرب والحصار والانقسام، وأن على أهل غزة الانتفاض ضد حركة "حماس" والمقاومة، وكذلك دعم خطوات السلام العادلة مع "إسرائيل" كبقية الدول العربية الأخرى، وغيرها من العبارات التي تثير القلق والشك.
ويتابع حديثه: "هذا الأمر أثار قلقي وشكوكي كثيراً، لكن حين عرض مساعدته المالية لي بحجة أنني عاطل عن العمل رغم تخرجي منذ سنوات في الجامعة، وأنه مستعد لتحويل مبلغ 600 دولار على حسابي مقابل تطوير الصداقة، وتبادل المعلومات عن غزة وما يجري فيها من سياسة ومقاومة، أيقنت أن من يتحدث معي هو أحد رجال المخابرات الإسرائيلية".
ويردف "الخالدي": "دون أي تردُّد، أوقفت الحديث معه مباشرةً، وحظرت حسابه. ليس ذلك فقط، بل أرسلت صفحته إلى جميع الأصدقاء على (فيسبوك)، وكذلك الجروبات الأخرى المشترك فيها كـ(التليغرام) و(الواتساب)، أحذرهم من التعامل معه".
محاولة جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الشاباك" الإيقاع بالشاب "الخالدي" في فخ العمالة، عن طريق إعلانات "فيسبوك"، التي تنتشر بجنون على صفحات الشباب والنشطاء في غزة وخارجها حتى وصلت لقلب الدول العربية والإسلامية، لم تكن الأولى ولا حتى الأخيرة، فهناك المئات من الشكاوى التي تغزو يومياً منصات التواصل المختلفة، وتحذر من التعامل مع صفحات مشبوهة تديرها أجهزة استخبارات "إسرائيل".
وتركز أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية "الموساد والشاباك"، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، على اختراق عقول الشباب، وتلويث أفكارهم بفتح صفحات وهمية، بأسماء مستحدثة كـ"التنسيق والتطبيع" وتقديم المساعدات، وغيرها من الأفكار والوسائل التي تعمل على ترويجها، لاختراق الحصن التوعوي الذي شكلته المقاومة لمواجهة مخططات الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية"، وحال دون سقوط العشرات في وحل العمالة.
وحذر موقع "المجد" الأمني، التابع لـ"كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، في الكثير من نشرات التوعية، المواطنين من الوقوع في فخ المخابرات، مؤكداً أن وسائل الاحتلال ومحاولاته لجرّ أقدام الشباب الفلسطيني والعربي، شهدت تطورات "مقلقة" في الفترة الأخيرة، بعد تركيزها على فضول المواطنين ومس احتياجاتهم وتطلعاتهم الخاصة، كالسفر والعمل والزواج واللغات والإقامة بالدول الأجنبية.
وسائل خطيرة والتوعية تتصدى
"ما تقوم به مخابرات إسرائيل من استغلال مختلف منصات التواصل الاجتماعي، واللعب على وتر حاجات الشباب الفلسطيني والعربي وطموحاتهم، وإغرائهم بالأموال والعمل وحتى الهجرة والإقامة واستغلال حاجتهم، كلها أساليب حساسة للغاية، تكشف مدى بشاعة مخططات الاحتلال للسيطرة على عقول الشباب"، يقول الخبير في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، اللواء يوسف الشرقاوي.
ويضيف الشرقاوي: "مخابرات الاحتلال تعلم تماماً ما يهم الشباب العربي والفلسطيني ويمس حاجاتهم، لذلك تلجأ إلى كل أساليب الابتزاز ، لتجذبهم نحوها، ومنها التجنيد والربط غير المباشر عن طريق استخدام الرسائل النصية والاتصالات الهاتفية، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة (فيسبوك)، لكونه أكبر مواقع الشبكات الإلكترونية في عالم الإنترنت، وذلك من خلال الإعلانات المثيرة للفضول والاهتمام".
ويوضح أن هذه الإعلانات بمثابة فخ يُنصب للمواطنين، فما إن يدفعك فضولك للتعرف على الإعلان، حتى تبدأ طلبات الصداقة من الحسابات المشبوهة تنهال عليك، والرسائل تصل إليك من كل مكان؛ طلباً للتعرف والصداقة، وذلك سيكون الخطوة الأولى نحو العمالة، بحسب الشرقاوي.
وتمكنت "إسرائيل" من تصفية المئات من الفلسطينيين واعتقالهم، والحصول على معلومات أمنية دقيقة من خلال شبكة العملاء الذين زرعتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وغالباً ما تستخدم أجهزة الاستخبارات الفتيات بدلاً من الضباط، لإيقاع شبان في مقتبل العمر، بحيث تشرع الفتاة في الحديث على "الفيسبوك"؛ ومن ثم في الاتصال على الهاتف الجوال الخاص بالشاب لإقامة علاقات، تنتهي بطلب هذه الفتاة معلومات أمنية حساسة.
ويلفت الخبير في الشأن الأمني إلى أن وقوع المواطنين في وحل العمالة مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي يرجع لوعي المواطن وحسن إدراكه في التعامل مع المحادثات الخاصة التي تصل له وكشفه هويتها سريعاً قبل فوات الأوان، مؤكداً أن أي معلومة ينقلها المواطن -حتى لو كانت بسيطة وصغيرة في نظره- تعد مكسباً ثميناً بالنسبة لجهاز استخبارات الاحتلال.
وحذر المواطنين من التعامل مع أي حسابات مشبوهة على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى وجه الخصوص "فيسبوك"، معتبراً أن المُواطن هو رأس الحربة في هذه الحرب الخطيرة والمعقدة التي تديرها أجهزة استخبارات الاحتلال، داعياً في الوقت ذاته لزيادة برامج التوعية ونشراتها، لإفشال مخططات الاحتلال لتمزيق الجبهة الداخلية والحصول على المعلومات الأمنية الحساسة وتقديمها مجاناً للعدو.
هذه الطريقة يستخدمها جهاز "الموساد" في تجنيد عملائه، ليس فقط من الفلسطينيين، بل من الدول العربية والإسلامية الأخرى، وهذا ما كشفه موقع "المصدر" العبري، الذي أكد أن تلك الإعلانات المثيرة والتي تحتوي أسئلتها على ألغاز، توجَّه إلى أشخاص عرب محددين، عن طريق إعلان مثير، لجذبهم إلى الانضمام إلى صفوفه.
وذكر الموقع العبري أن الإعلان يُكتب في بعض الأحيان بصورة مثيرة جانباً، فمثلاً: "هل أنت متمرس في ترتيب حقيبة السفر ثلاثة أيام؟ هل ترغب في إبلاغ أصدقائك أنك لن تشارك في مباراة كرة القدم معهم لأنك في لندن، لإجراء لقاءات؟ ومن كان يصدّق أن الشركة ستطلب منك السفر حتى لندن لتسمع منك عن (التسويق عن طريق الخوارزمية)؟".
وتابع الموقع أن الإعلان يطرح على المرشحين (العملاء) إمكانية عيش حياة مزدوجة، إذ جاء فيه: "الأيام ستكون مريحة وسهلة خارج البلاد، ستكون إنجليزياً فجأة، تحتسي الخمرة في خانة قبل العشاء. لدينا عرض يعنيك. يمكننا أن نروي لك أكثر. لكن.. لا تحاول أن تتخيل، لأن ذلك يفوق الخيال".
وفي نهاية الإعلان، كتب "الجهاز الإسرائيلي": "الموساد يجند. يمكن أن يقع الخيار عليك"، بحسب الموقع العبري.
ولوَّحت "إسرائيل" عدة مرات بأنها تراقب مواقع التواصل الاجتماعي في الوطن العربي، وأنشأت وحدةُ الاستخبارات العسكرية، التابعة لجيش الاحتلال، وحدةً خاصةً ومتطورةً لمراقبة وسائل الإعلام العربية المختلفة، لرصد توجهات العالم العربي نحو الاحتلال.
وأطلقت على الوحدة اسم "MI"، وتختص بمراقبة جميع وسائل الإعلام، العربية منها والفلسطينية، ومواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، لرصد ما تبثه هذه الوسائل من رسائل "معادية لإسرائيل".