هل تقود "درع الشمال" لحرب طاحنة بين "إسرائيل" وحزب الله؟
"أي شخص يلحق الضرر بأمن إسرائيل سيدفع الثمن باهظاً، وسنعمل بحزم على كل الجبهات"، كان هذا التعقيب الأول والأبرز لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على العملية العسكرية المفاجئة التي يجريها جيش الاحتلال على الحدود الشمالية، وأطلق عليها اسم "درع الشمال".
تصريحات نتنياهو، التي تزامنت مع تقدم دباباته وقواته العسكرية قرب الخط الحدودي الفاصل مع لبنان، وترافقت مع الأزمات الداخلية والفضائح التي تلاحقه، وتعثرات حكومته التي قربتها من السقوط، والقبول بصفعة مقاومة بغزة، تؤكد أن رياح الحرب والتصعيد التي تهب من الشمال باتت تغري نتنياهو، وينظر إليها كـ"طوق نجاة" سينقذ رقبته ورقبة حكومته من الغرق، وفق قراءة محللين وخبراء في الشأن الإسرائيلي.
وأوضحوا في أحاديث خاصة لـ"الخليج أونلاين" أن نتنياهو يستعد فعلياً لحرب وتصعيد عسكري جديد وكبير على حدود "إسرائيل" الشمالية مع حزب الله، وأن عملية "درع الشمال" ستكبر تدريجياً من العثور على الأنفاق إلى القصف والاغتيالات حتى الوصول إلى الحرب.
وأعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي صباح الثلاثاء(4 ديسمبر)، البدء بحملة عسكرية واسعة النطاق أطلق عليها اسم"درع الشمال"، على الحدود مع لبنان، بحجة الكشف عن أنفاق بناها حزب الله واخترقت الأراضي الإسرائيلية.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه على إثر بدء العملية أعطى رئيس الحكومة تعليماته لوزراء "الكابينت" بعدم إجراء مقابلات إعلامية حول العملية، وعدم الإدلاء بتصريحات حولها.
وفي أول تعليق له على عملية "درع الشمال"، قال نتنياهو: "إنّنا نعمل بحزم ومسؤولية على جميع الجبهات في وقت واحد، وسنستمر في المزيد من الإجراءات العلنية والسرية لضمان أمن إسرائيل"، مضيفاً بحسب موقع "واللا نيوز" العبري، أن الجيش أطلق عملية "درع الشمال" لكشف وتحييد أنفاق "الإرهابيين" من لبنان.
وأكد قائلاً: "أي شخص يحاول أن يلحق الضرر بدولة إسرائيل سيدفع ثمناً باهظاً، علينا أن نعمل بحزم ومسؤولية على جميع الجبهات في وقت واحد".
الكاتب والمحلل السياسي راسم عبيدات يرى أن ما يجري على الحدود الشمالية من حالة توتر بين القوات الإسرائيلية وحزب الله ستتطور، خلال ساعات قليلة، إلى حرب وموجة تصعيد جديدة، بعد 12 عاماً من انتهاء حرب 2006 بين الجانبين.
ويوضح أن رئيس الحكومة نتنياهو على وجه الخصوص يريد أن يهرب من الأزمات الداخلية الطاحنة التي تحيط به من كل جانب وتهم الفساد التي تلاحقه، بفتح جبهة تصعيد متدحرجة مع حزب الله، في محاولة منه لإلهاء الوسط الإسرائيلي وإعادة تصدره للمشهد من خلال التصعيد العسكري.
"نتنياهو يريد أن يضبط من جديد الساعة السياسية، وهو يرى أن استفزاز قوات حزب الله، وإشعال جبهة الشمال بالتصعيد والحرب ولغة القصف والنار، سيكون كافياً لإعادة ترتيب أوراق حكومته من جديد وإبعاد تهم الفساد والفضائح التي تلاحقه"، يضيف المحلل السياسي عبيدات.
ويزيد: "نتنياهو يحاول أن يستفيد من عملية درع الشمال، وسيحقق هدفين هامين جداً بالنسبة له؛ أولهما رفع الضغوطات الكبيرة التي يعاني منها داخل "إسرائيل"، والهدف الثاني محاولة استعادة قوة الردع المتآكلة لدولة الاحتلال، خاصة بعد وصول معلومات قوية بأن القوة العسكرية لحزب الله تتطور، وباتت تشكل خطراً استراتيجياً وعسكرياً، وامتلاكه شبكة أنفاق وكذلك منظومة صاروخية متطورة تصل إلى العمق الإسرائيلي".
ولفت إلى أن قبول "إسرائيل" بالضربة القوية التي وجهتها لها المقاومة في غزة قبل أسابيع، وبدء التجهيز الإعلامي والعسكري والسياسي على الحدود الشمالية، يؤكد أن "الكرة ستتدحرج وتصل لحرب طاحنة لن توقفها الخطوات السياسية ولا حتى الوساطات الخارجية".
قراءة "عبيدات" للواقع الساخن والمتدحرج في الجبهة الشمالية، وافقه فيها الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو، الذي أكد أن نتنياهو يريد من خلال التصعيد وفتح جبهة قتال جديدة الهروب من أزماته، وحالة السخط الشعبي في "إسرائيل" التي زادت عليه في الشهور الأخيرة .
ولم يستبعد عبدو أن تكون عملية "درع الشمال" بداية الحملة الانتخابية لنتنياهو وحزبه الحاكم في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، التي دائماً ما تكون بأوراق الدم والدمار والتصعيد العسكري، لافتاً إلى أن العملية على الحدود الشمالية "استفزاز وابتزاز" لحزب الله اللبناني.
وذكر المحلل السياسي أن رياح التصعيد والحرب "دائماً ما يهواها نتنياهو، وتكون المنقذ له من أزماته الداخلية"، مستدركاً بالقول: "لكن أعتقد أن هذه المرة لن تكون رياحاً بسيطة وعادية، بل ستكون شديدة جداً ولن يقدر نتنياهو على مواجهتها سياسياً ولا حتى عسكرياً، فالأوضاع ستتفجر بشكل كبير وخطير".
وأعلن جيش الاحتلال اكتشاف نفق يصل إلى "إسرائيل" من جنوب قرية كفر كلا، جنوبي لبنان، وهذا هو أول نفق يعلن الجيش اكتشافه منذ إطلاق ما أسماها حملة "درع الشمال".
وفي أول تعقيب من حزب الله على العملية الإسرائيلية، قال عضو المجلس السياسي للحزب، حسن حب الله: إن"المقاومة في حالة تأهب ويقظة دائمة، وفي حالة مراقبة شديدة لكل تحركات العدو في جميع الجبهات".
وأضاف في تصريح صحفي نشر له الثلاثاء: ""إسرائيل" تعلم أن العصر الذي كانت تضرب فيه وأن بيدها المبادرة والهجوم قد ولى، وأن المقاومة اليوم تستطيع أن تصد أي عدوان وأن توقع به خسائر، وتستطيع أن توجه ضربة للعدو كما حصل في العدوان الأخير على غزة منتصف نوفمبر وحرب تموز وقبلها".
وشدد حزبّ الله على أن "المقاومة سلسلة متكاملة ولا يمكن الفصل بين مقاومة غزة ولبنان، فالعدو واحد والمقاومة واحدة وإن كانت في جبهات متعددة"، مؤكداً أن حزبه "لا يمكن أن يسمح للاحتلال بالاستفراد بأي جبهة من جبهات المقاومة، والأمر تحدده القيادة الميدانية".
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، حسام الدجني: إن ""إسرائيل" تسعى من خلال العملية العسكرية إلى تقليم أظافر إيران في الشمال وهي حزب الله اللبناني، بتدمير أنفاقه الهجومية، أو توجيه ضربة استباقية عسكرية كبيرة له".
ويتابع حديثه: "جيش الاحتلال يحضر لعملية عسكرية كبيرة في الشمال بعد أن أصبح أولوية أمنية أكبر من الجنوب في قطاع غزة، وعملية درع الشمال محاولة لإضعاف قدرات حزب الله الهجومية، والتفرد بإيران خدمة لأن يكون لـ"إسرائيل" مكان ودور في الشرق الأوسط الجديد".
وذكر أن "الرياح الساخنة بدأت تهب من كل المناطق وخاصة من الشمال هذه المرة"، متوقعاً أن توجه "إسرائيل" ضربات مفاجئة وقوية لحزب الله خلال الفترة المقبلة والدخول بـ"الحرب الخاطفة".
بدوره اعتبر المختص بالشأن الإسرائيلي، عدنان أبو عامر، أن "حسابات" الاحتلال في الجبهة الشمالية هي التي دفعته إلى "قبول الصفعة مؤقتاً" على الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة.
وكتب أبو عامر، في منشور عبر صفحته الرسمية بـ"فيسبوك": "الآن فقط عرفنا لماذا ابتلعت إسرائيل المنجل في غزة مضطرة مكرهة، وبدت كما لو أنها قبلت بالصفعة مؤقتاً، لأن لها حسابات في الشمال، وليس سوى شيء آخر".
وكانت حكومة الاحتلال قبلت منتصف نوفمبر الماضي التوصل إلى تهدئة مع المقاومة الفلسطينية بغزة بوساطة مصرية، عقب يومين من جولة تصعيد هي الأعنف منذ 2014، وهو القرار الذي قدّم على إثره وزير الحرب أفيغدور ليبرمان استقالته من منصبه.
ماذا قال الإسرائيليون عن العملية؟
العديد من ردود الفعل في أوساط الإسرائيليين صدرت حول عملية "درع الشمال" والتي تهدف للقضاء على "أنفاق حزب الله المخترقة للبلدات الإسرائيلية المجاورة للحدود"، وتفاوتت ردود الفعل ما بين مؤيد للعملية ومعارض لها، وذلك في ضوء الاختلاف حول أولويات الجيش في المواجهة؛ سواء الحدود الشمالية أو الجنوبية مع قطاع غزة.
وأعرب رئيس شعبة الاستخبارات السابق في الجيش الإسرائيلي "عاموس يدلين"، عن تخوفاته من ردة فعل حزب الله على العملية، والتي تستهدف أنفاقه المخترقة للحدود الإسرائيلية. وأشار إلى أن العملية "ضرورية ومهمة لأمن إسرائيل".
ويقول كذلك الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، عبر صفحته على "تويتر"، إنّه وفقاً للمصادر الأمنية في اجتماع مجلس الوزراء الذي تقرر فيه عدم الذهاب إلى الحرب في غزة، تم التوقيع على قرار كشف أنفاق حزب الله.
ويضيف رافيد أن وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك "أفيغدور ليبرمان"، قرر الاستقالة من منصبه، بعد أيام قليلة عندما علم أنّ العملية ستفذ قريباً، في حين علم بينيت وزير التربية والتعليم نفس الشيء، وكان نتنياهو على حق آنذاك عندما قال عن استقالتهما: "غير مسؤولة".
في حين قال يوني بن مناحيم المحلل الإسرائيلي: "كشف الجيش أنفاق حزب الله في الوقت المناسب قبل أن تصبح جاهزة للعمل"، مضيفاً: إن "حزب الله خطط للتسلل لإسرائيل لخطف الجنود، عن طريق تدفق العشرات من مقاتليه إلى منطقه المطلة لرفع علم حزب الله وإعلان انه أطلق سراح فلسطين الشمالية".
كما أوضح موقع "ألموغ بوكير" العبري، أن "التهديد الحقيقي والأكثر خطورة والذي يعطل حياة السكان يوماً بيوم وساعة بساعة هو قطاع غزة، وعملية درع الشمال ليست سبباً كافياً لعدم استعادة الردع بغزة".
وقالت "القناة 14" العبرية :"وزراء في الكابينت رفضوا الكشف عن هويتهم: في اجتماع الكابينت، الذي عقد في 13 نوفمبر تقرر عدم الشروع بعملية واسعة النطاق في قطاع غزة، والتفرغ لتهديد الأنفاق على الحدود الشمالية، لكن ليبرمان خرج بموقف معاكس وزعم أن الجيش الإسرائيلي يمكنه أن "يضرب" غزة، ثم يتفرغ للتعامل مع الأنفاق في لبنان".
كذلك قال روني دنيال المحلل العسكري لموقع "ماكو": "حزب الله لن يتوقف عن حفر الأنفاق لأن هدفه المعلن هو احتلال الجليل".
أما صحيفة معاريف العبرية فنقلت عن رئيس الاستخبارات العسكرية السابق "عاموس يادلين": "هناك مصلحة للإيرانيين بتصعيد الأوضاع في المنطقة، ويجب علينا أن نستعد لذلك".
وذكرت القناة" العاشرة" العبرية أن قوات الأمم المتحدة للسلام (يونيفيل) تجري اتصالات مع الإسرائيليين واللبنانيين في ظل العملية العسكرية التي بدأها الجيش على الحدود الشمالية للبحث عن أنفاق هجومية.
ونقلت عن مسؤولين كبار في اليونيفيل قولهم، إنه تجري الاتصالات مع الجانبين للعمل من أجل الحفاظ على حالة الهدوء والاستقرار على الجبهة مع جنوب لبنان، مشيرةً إلى أنه يتم نقل رسائل بين الجانبين بواسطة آلية التنسيق الثلاثي من أجل منع تدهور الأوضاع.