هل تُشعل "ثورة الجياع" شرارة الربيع اليمني الجديد؟

هل تُشعل "ثورة الجياع" شرارة الربيع اليمني الجديد؟
هل تُشعل "ثورة الجياع" شرارة الربيع اليمني الجديد؟

يعتزم ناشطون يمنيون تنظيم مظاهرات شعبية، يوم الجمعة (5 أكتوبر 2018)، في مدن يمنية مختلفة؛ بعضها يخضع لسيطرة الحكومة الشرعية والتحالف، والبعض الآخر لسيطرة مليشيا الحوثي؛ رفضاً للجوع وتدهور الأوضاع المعيشية بعد تهاوي العملة الوطنية وانهيار الاقتصاد.


ويعيش اليمن عامه الرابع من الحرب، في تدهور اقتصادي وخدماتي، ويشهد نقصاً في الغذاء والدواء، وسط انهيار الموازنة العامة وارتفاع التضخم، ما عمَّق الفقر وفاقم سوء التغذية، وبات اليمن يواجه واحدة من كبرى الأزمات الإنسانية في العالم.

مؤشرات اقتصادية مخيفة
ووصل سعر الدولار إلى 770 ريالاً يمنياً للمرة الأولى في تاريخه، بعد أن كان يعادل 215 ريالاً قبل الحرب؛ ما قد يرفع معدل التضخم إلى 80% مع نهاية العام، وفقاً لخبراء اقتصاديين.

وبحسب بيانات وزارة التخطيط والتعاون الدولي، انكمش متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1247 دولاراً عام 2014 إلى 485 دولاراً عام 2017؛ ما تسبب في انزلاق مزيد من السكان تحت خط الفقر الوطني، المقدَّر بـ600 دولار للفرد في العام.

وتُظهر تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء ارتفاع نسبة الفقر إلى 78.8% عام 2017 مقارنةً بنسبة 49% عام 2014.

ويؤكد الخبير الاقتصادي اليمني عبد الجليل السلمي لـ"الخليج أونلاين"، أن "اليمن يعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، من حيث توقُّف المداخيل، وندرة فرص العمل، وعودة مئات الآلاف من المغتربين من السعودية نتيجة الرسوم الإضافية، قابلها تدهور قيمة العملة الوطنية، وتضخُّم جامح زاد الوضع المعيشي والإنساني المتردي سوءاً".

وأضاف السلمي: "فقدت العملة الوطنية 150% من قيمتها، وتآكلت الدخول الحقيقية للأفراد ومعيشتهم، وكبّد انهيار سعر العملة التجار والأصول المالية خسائر، جراء تراجع القيمة الحقيقية للمدخرات، وتآكُل رأس المال الاستثماري للقطاع الخاص".

وحذر الخبير الاقتصادي من "تبعات الأزمة الاقتصادية التي تزداد سوءاً في البلاد، متمثلة بزيادة معدلات التضخم التي تؤدي إلى زيادة التفاوت في توزيع الدخل لصالح الفئات الثرية، وضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية، وصعوبة الوصول للخدمات الأساسية والغذاء؛ ومن ثم زيادة الفقر".

مسؤولية أطراف الصرع
وينتاب المواطنين حالةٌ من الخوف والقلق نتيجة الارتفاعات المتزايدة في أسعار السلع والخدمات بالآونة الأخيرة، في ظل لا مبالاة الحوثيين، وعجز الحكومة الشرعية، وتنصُّل السعودية والإمارات، اللتين تقودان التحالف، من المسؤولية، بعدما تعهدتا بإعادة إعمار اليمن.

التظاهرات، التي بدت الدعوة إليها تلقائية ومواكِبة للمزاج الشعبي العام، تندد بمواقف طرفي الحرب؛ فمن جهة لم يمنع التحالف انهيار العملة، خصوصاً وهو يمنع الحكومة الشرعية من تصدير النفط والغاز ويتحكم في المطارات والموانئ التي لا تعمل معظمها.

ومن جهة أخرى، فإن الحكومة الشرعية غارقة في الفساد، ومسؤولوها مغتربون خارج البلاد. أما مليشيا الحوثي، فلا خلاف بين اليمنيين على أنها "رأس الحربة" في الدمار والحرب والمعاناة التي يعيشها اليمن في الوقت الراهن.

واستبَقت مليشيا الحوثي، المدعومة من إيران، دعوات التظاهر، ببيان أمني شديد اللهجة حذرت فيه من الانخراط بهذه الدعوات، في حين دعا القيادي الحوثي محمد البخيتي إلى أن تكون ثورة الجياع بالتوجه إلى الجبهات لمواجهة العدوان (التحالف السعودي-الإماراتي).

من جهتها، عقدت الحكومة الشرعية اجتماعاً استثنائياً، وجَّه من خلاله رئيس الحكومة، أحمد بن دغر، خطاباً متلفزاً استعرض فيه خطورة الوضع القائم والجهود المبذولة لتجاوزه، في حين منحت السعودية مبلغ 200 مليون دولار، وهو رقمٌ أقل من المتوقع ولا يفي بالحاجة الفعلية، واكتفت الإمارات بمطالبة المجتمع الدولي، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، بالضغط على الحوثيين لإعادة المبالغ التي نهبوها من الاحتياطي النقدي اليمني والتي تتجاوز 4 مليارات دولار.

شرارة الخروج الشعبي
ورغم أن بعض المحافظات الجنوبية شهدت، مطلع سبتمبر الماضي، مظاهرات شارك فيها المئات؛ احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتردي، فإن محافظة تعز كانت أول مدينة تخرج بعد دعوات "ثورة الجياع"، عندما تظاهر المواطنون، يوم الثلاثاء (2 أكتوبر 2018)، بالتزامن مع عصيان مدني شهدته أيضاً العاصمة صنعاء.

واعتبر الباحث السلمي أنه "إذا ما خرجت الاحتجاجات والتظاهرات بالفعل في السادس من أكتوبر، فإن ذلك يعني أن اليمن، كدولة، قد ولَّى، وانتهت حقبة اليمن الموحد والحرب القائمة حالياً، وسيبدأ التقسيم الفعلي للبلاد، فهناك تقسيم فرضته الحرب، لكنه غير معلن، والاحتجاجات ربما تُطبِّع هذا التقسيم، ليخرج كواقع فعلي فرضته الأزمات المتلاحقة منذ عام 2011، وظهور حقبة ما بعد تقسيم اليمن".

وأضاف بقوله: "في حقيقة الأمر، باليمن حالياً هناك دويلات متحاربة، وليس لدى أي من هذه الكيانات دعم أو قدرة على تثبيت الاقتصاد وتطبيعه، فقد أَفَلَ الاقتصاد الرسمي، وظهر الاقتصاد الخفي، وباتت الغلبة للسوق السوداء بشقيها؛ سوق المشتقات النفطية وسوق سعر الصرف على المعاملات الرسمية، وأصبح اللاعبون فيها (الأثرياء الجدد) الذين أفرزتهم ظروف الحرب، ودفعت بهم بعض القوى، سواء الخارجية أو الداخلية، إلى أن يقودوا الاقتصاد، ويتحكموا في اتجاهاته، ويحددوا ملامحه".

ولفت السلمي إلى أنه "من خلال مؤشرات الواقع وحجم التدخلات الخارجية في الشأن اليمني، وتقييم مسار الحرب التي تشارف عامها الرابع، تعيش الأزمة السياسية والاجتماعية فصلها الأخير في اليمن".
الإطاحة بالقوى السياسية
من جانبه، يرى الناشط السياسي اليمني عبد الله أحمد، أن "أي ثورة جياع ستطيح بالقوى الموجودة حالياً، وليس بالضرورة إفراز قوى جديدة، لكنها حتماً ستغيّر شكل التحالفات والخارطة السياسية الراهنة".

وفي حديثه ، استبعد أحمد اندلاع ثورة قوية للجياع في الوقت الراهن، "ليس لأن الشعب غير قادر؛ بل لأن الناس يعيشون تحت قبضة أمنية حديدية بمناطق الحوثي من جهة، كما أنهم فقدوا الأمل في جدوى الخروج إلى الشارع من جهة أخرى، بفعل ما واجهه اليمن من أزمات بعد ثورة فبراير 2011، وانقلاب الحوثيين الذي بدأ على شكل تظاهرات تنادي بإصلاحات سعرية".

ولم يستبعد الناشط السياسي اليمني أي تغييرات قادمة، فهو يرى أن "حركة الشارع تتسم باللاقواعد، وقد يقول الشارع اليمني كلمته في أي لحظة".