هكذا تقدم "إسرائيل" خدماتها الاستخباراتية للرياض وأبوظبي ..!!

تكشف الأيام تباعاً حجم التعاون الوثيق بين سلطات أبوظبي وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أو الشركات الرقمية التابعة لها، بَيد أن هذا التعاون انتقل مؤخراً إلى السعودية بعد تصدُّر ولي العهد، محمد بن سلمان، المشهد السياسي بالمملكة واتباعه سياسة مقاربة لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في "قمع" معارضي سياساته داخلياً وخارجياً، حسبما تصف تقارير متعددة.


التعاون بين أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والسلطات الأمنية في أبوظبي كان يدار من خلف الكواليس قبل سنوات، لكن التقارير الدولية والتسريبات التي ظهرت خلال العامين الماضيين، كشفت حجم الترابط العضوي بين أجهزة الأمن لدى الطرفين، حيث وصل هذا الترابط إلى السعودية مؤخراً، بعد رفضه من حكوماتها السابقة.

التجسس في الإعلام العبري
موقع "تايمز أوف إسرائيل" العبري أكد، الأربعاء (3 أكتوبر 2018)، أن السلطات السعودية استخدمت تكنولوجيا قرصنة إسرائيلية، للتجسس على نشطاء ومعارضين سياسيين بالخارج، في ظل محاكمات سرية وانتهاكات حقوقية تمارسها سلطات المملكة بحق معارضين ومعتقلي رأي، تعرضت الرياض لانتقادات دولية واسعة بسببها.

وذكر الموقع العبري أن مجموعة "NSO" الإسرائيلية، التي تتخذ من الأراضي المحتلة مقراً لها وتقع على ساحل البحر المتوسط شمالي "تل أبيب"، طوَّرت برنامج "بيغاسوس" الخاص بالتجسس، وهو برنامج يحوِّل الهواتف الذكية إلى أجهزة تنصُّت.

شركة "سيتيزن لاب" -مقرها تورونتو الكندية- أكدت أنها على ثقة كاملة باستخدام التكنولوجيا الإسرائيلية في "التجسس على عمر عبد العزيز (27 عاماً)"، وهو معارض سعودي طلب اللجوء في كندا، وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي ويحظى بشعبية واسعة داخل كندا وخارجها.

المجموعة الإسرائيلية المنتِجة للبرنامج الرقمي قالت إنها اشترطت على عملائها استخدام منتجاتها في مكافحة الجريمة والإرهاب فقط، ونفت أي مسؤولية عن انتهاك الحقوق المدنية من جهة الحكومات باستخدام برامجها، وذلك بعدما كشفت تقارير صحفية أن أبوظبي استدرجت الحقوقي أحمد منصور، واعتقلته خارج البلاد في 20 مارس 2017، عن طريق البرنامج نفسه، ولم يُعرف عنه أي تفاصيل لحد الآن.

وجاء نشر الصحف العبرية عن حجم التعاون بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية، بعد أن كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الجمعة (31 أغسطس 2018)، عن محاولة الإمارات التجسّس على هاتف أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير سعودي وعدد من المعارضين السعوديين عن طريق الشركة الإسرائيلية نفسها.

وقالت الصحيفة، بحسب رسائل بريد إلكتروني مسرّبة في قضيتين ضد "إن إس أو-NSO"، الشركة المصنّعة لبرامج المراقبة التي استعانت بها أبوظبي، إن مسؤولين بالإمارات طلبوا تسجيل مكالمات أمير قطر الهاتفية، بالإضافة إلى تسجيل مكالمات الأمير متعب بن عبد الله، قائد الحرس الوطني السعودي سابقاً.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أن قادة الإمارات يستخدمون برامج التجسس الإسرائيلية منذ أكثر من عام، حيث حوّلوا الهواتف الذكية للمعارضين داخلياً أو المنافسين خارجياً إلى أجهزة مراقبة، وهو ما أكدته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تحقيق مطوَّل نشرته يوم 21 ديسمبر 2017، عن وكالة التجسس الإماراتية التي تُدعى "الأكاديمية"، حيث ذكرت المجلة أن أبوظبي أنشأت موقعاً أطلِق عليه "الأكاديمية"؛ لإدارة المجندين الإماراتيين وتدريبهم، على بُعد 30 دقيقة من العاصمة.

شركات إسرائيلية
"نيويورك تايمز" أكدت أن الإمارات دفعت أموالاً طائلة لمسؤولين سابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)؛ لمساعدتها على بناء إمبراطورية تجسس في منطقة الخليج، فضلاً عن التعاون مع شركة تجسس إسرائيلية للإسهام في بناء منظومة مراقَبة مدنية.

ومن الشركات الأمنية الإسرائيلية التي تعاقدت معها أبوظبي "إيشيا غلوبال تكنولوجي" (AGT) الدولية، وهدفها إقامة شبكة مراقبة مدنية فريدة من نوعها على مستوى العالم في الإمارات، من شأنها أن تُخضع كل شخص للرصد والرقابة من اللحظة التي يغادر فيها عتبة منزله إلى اللحظة التي يعود فيها، وتأمين حماية مرافق النفط والغاز في الدولة، بحسب مصادر مطلعة على عمليات الشركة قالت لـ"ميدل إيست آي".

وفي فبراير عام 2011، أعلنت حكومة أبوظبي عن مشروع مهم للشراكة الثلاثية ما بين "AIS" (أدفانسد إنتيغرال سيستيمز) و"ATS" (أدفانستد تيكنيكال سليوشينز) و"AGT" (إيشيا غلوبال تكنولوجي)، اشتمل على ثلاث صفقات بقيمة 600 مليون دولار، لتزويد "أجهزة الأمن المحلية بحلول كاملة وشاملة تتضمن مختلف أنوع المجسات التي تلتقي كلها في نظام سيطرة وتحكُّم واحد".

وتشترك المؤسستان الإماراتيتان "AIS" و"ATS" في استخدام المكتب نفسه الواقع بالطابق الـ23 من بناية "سكاي تاور" في جزيرة الريم داخل أبوظبي. وذكر مصدر مقرب من الشركات الثلاث ذات العلاقة، لـ"ميدل إيست آي"، أن "AGT" الإسرائيلية الأمنية تدير عملياتها في الإمارات انطلاقاً من مكاتب مؤسسة "AIS".

وتشترك مع الشركتين الإماراتيتين في المشروع، الذي يُعرف باسم "فالكون آي"، وهو مبادرة للمراقبة والتجسس في الإمارات كافة، أقرها ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي يملك جيشاً خاصاً سرياً من المرتزقة أسَّسته له شركة "بلاك ووتر" الأمنية الخاصة.

ويواجه الأمريكيون قيوداً على نوع التدريب العسكري والاستخباراتي الذي يُسمح لهم بتوفيره في الخارج؛ بسبب القواعد الصارمة على تصدير هذا النوع من التدريب، كما يخاطر من يهرب من تلك الأنظمة بالملاحقة القضائية، إلا أن دولة الاحتلال فتحت الباب قبل نحو 8 سنوات، على مصراعيه أمام الإمارات ومؤخراً على السعودية؛ لكونهما تتفقان معها في عدة سياسات، أبرزها العداء المعلن لإيران وحركة المقاومة الفلسطينية "حماس".

توسُّع داخل السعودية
وفي مطلع مارس من عام 2018، أعلنت شركة "دارك مارتر" الأمريكية-الإماراتية أنها تعتزم التوسع في تأسيس فروع لها بالعديد من دول المنطقة، لا سيما المملكة العربية السعودية، قبل نهاية العام الجاري.

وشركة "دارك مارتر" الأمريكية (تابعة للحكومة الإماراتية، متخصصة في الأمن السيبراني والمعلومات الاستخباراتية، ومديرها التنفيذي هو رجل الأعمال الإماراتي فيصل البناي) شريك لشركة "فيرنت سيستمز"، وهي شركة أمنية تقع في نيويورك، يعمل لديها نحو 2800 موظف، نصفهم يقيم بـ"إسرائيل"، ما دعا متحدثاً باسم منظمة الخصوصية الدولية للقول: إن "نشاط الشركة وخطط المراقبة في دولة الإمارات مخيفان للغاية"، بحسب ما يذكره موقع "ميدل إيست آي".

وقال "البناي"، المؤسس والعضو المنتدب للشركة، في تصريحات للصحفيين، يوم 7 مارس 2018، إن شركته ستركز على التوسع في السعودية، على أن تفتتح أول أفرعها قبل نهاية العام الجاري، مشيراً إلى أن إجمالي عقود الشركة زاد بأكثر من الضعف في عام 2017، ليصل إلى 1.65 مليار درهم إماراتي (452 مليون دولار)، في حين وصلت عقود مبيعاتها إلى 1.46 مليار درهم (398 مليون دولار)، متوقعاً استمرار نمو حجم أعمال الشركة وعقودها بالوتيرة نفسها في الأعوام المقبلة.

واعتبر "البناي" أنَّ تزايُد جرائم القرصنة في الآونة الأخيرة كان الدافع الرئيسي لاهتمام الشركة بتطوير حلول أمنية إماراتية، مشيراً إلى أن الشركة تقدم أنواعاً مختلفة من المنتجات، ومنها أنظمة الاتصالات الآمنة والبنية التحتية للمفاتيح العامة ونُظم تحليل البيانات الكبيرة.

وتُعيد تصريحات المسؤول الإماراتي إلى الأذهان ما كشفته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية قبل نهاية عام 2017، عن جهود كبيرة يبذلها المسؤولون في الولايات المتحدة، الذين كان لهم دور بارز في زرع أجهزة التجسس وبناء عمليات الاستخبارات الإماراتية، بهدف تقديم برنامج تدريبي استخباراتي مماثل إلى السعودية، حيث كان هذا البرنامج متوقفاً منذ سنوات.

كيف يعمل نظام التجسس؟
تُعَد شركة "NSO" من أشهر مؤسِّسي برامج مراقبة الهواتف الذكية مؤخراً، حيث تعمل هذه التقنيات عن طريق إرسال رسائل نصية إلى الهاتف المستهدَف، ليتحول لأداة مراقَبة تستغلها الإمارات، وتتحدث الشركة عن عدم مسؤوليتها عن إساءة استخدام الحكومات خدماتها، وذلك في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي وسعياً للدفاع عن نفسها أمام المسائلات القانونية مستقبلاً.

وتتم عملية التجسس عن طريق برنامج اسمه "بيغاسوس"، وهو برنامج إسرائيلي متطور جداً تستخدمه الإمارات للتجسس على شخصيات معارِضة، ويتيح لهذه الحكومات -بعد شرائه بملايين الدولارات- تسجيل الاتصالات، والتجسس على رسائل المستهدَفين ومحادثاتهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها "فايبر" و"واتساب"، فضلاً عن قراءة البريد الإلكتروني. كما يتضمن البرنامج خاصية "التحكم عن بُعد" ومنها تشغيل الكاميرا وبرنامج "مايكروسوفت" وغيرهما، بحسب ما تذكره صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.

ففي الإمارات، تستخدم الشركة لغة عربية مخصصة للمنطقة الخليجية، وتبدأ عملية المراقبة بإرسال نص بالرسائل، قد يكون تهنئة أو دعوات من قبيل "رمضان مبارك" أو "خصومات لا تصدَّق" أو "كيف تحافظ على إطارات سيارتك من الانفجار؟"، حيث أشارت "نيويورك تايمز" قبل عام، إلى أن برامج التجسس التي تنتجها شركة "NSO" الإسرائيلية تستخدمها بعض الحكومات لملاحقة معارضي سياساتها.

وفي المكسيك، باعت شركة "NSO" تكنولوجيا المراقبة إلى الحكومة المكسيكية شرط استخدامها في ملاحقة المجرمين والإرهابيين حصراً، إلا أن السلطات المحلية استهدفت بهذه التكنولوجيا أبرز المحامين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والصحفيين، فضلاً عن نشطاء مكافحة الفساد، وفتحت المكسيك تحقيقاً فيدرالياً، ورغم مرور عام لم تظهر أي نتائج واضحة.

واستخدمت حكومة بنما برامج "NSO" للتجسس على المنافسين السياسيين والنقاد والمعارضين، وفقاً لما ذكرته وثائق المحكمة في قضية رُفعت بالمحاكم المحلية.

وبحسب "نيويورك تايمز"، رفع مواطنون دعاوى قضائية في "إسرائيل" وقبرص، منهم صحفيون ونشطاء مكسيكيون، على الشركة، المتهمة بأنشطة تجسس غير قانونية، منها ما يتعلق بتطوير تقنيات مراقبة حديثة وبيعها لحكومات مقابل مئات الملايين من الدولارات، في حين تؤكد منظمات حقوق الإنسان أهمية المراقبة الواسعة لهذه الممارسات؛ للحيلولة دون إساءة استخدامها.

إسرائيل ونشر ثقافة التجسس
وتُلقي فضائح الشركة المتتالية الضوء على خيوط المؤامرات السياسية التي تدبرها "إسرائيل" بالتعاون مع دول خليجية مثل السعودية والإمارات، وإساءة استخدام التكنولوجيا الحديثة للنيل من الخصوم. ورغم أن الدولتين لا تعترفان بـ"إسرائيل" رسمياً، فإن حجم التقارير المنشورة مؤخراً، يكشف عمق التعاون معها وتشكيل التحالفات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية من خلف الكواليس.

وتجاوزت رسوم ترخيصِ عقدٍ، وقَّعته الإمارات مع "إسرائيل" في أغسطس عام 2013، 18 مليون دولار، بهدف تحديث أبوظبي هذا النظام قبل عام، بقيمة بلغت نحو 11 مليون دولار، وحصلت عليه بوساطة شركة مقرها قبرص.

وبسبب تناقض وجهات النظر بين قطر والإمارات حول انقلاب عبد الفتاح السيسي على محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب في مصر عام 2013، تصاعد التوتر الصامت بين البلدين، لتصل ذروته في أثناء عملية قرصنة وكالة الأنباء القطرية صيف عام 2017، وبث دولة الإمارات تصريحات مفبركة نسبتها إلى أمير قطر، من خلال برامج التجسس الإسرائيلية، وفق ما كشفته نتائج التحقيقات التي شاركت فيها بعض الدول، منها بريطانيا وأمريكا.

وفتحت عمليات التجسس والتعاون الإسرائيلي-الإماراتي الأنظار على دور أبوظبي في نقل هذه التكنولوجيا إلى السعودية، لأداء دور يشبه إلى حد بعيد ما تقوم به الإمارات من استهداف الإصلاحيين والمعارضين وتيارات الإسلام السياسي التي تطالب بإصلاح أنظمة الحكومات.

حيث طلبت الإمارات من الشركة الإسرائيلية اعتراض مكالمات هاتفية للأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني السعودي السابق، الذي كان يُعتبر منافساً قوياً لولي العهد محمد بن سلمان على تولي سدة العرش، ويحظى بقبول واسع لدى المؤسسات الأمنية، لينتج عن هذا التعاون بين محمد بن زايد وبن سلمان الإطاحة بالأمير متعب.

ومن بين الشخصيات التي ساعدت الإمارات السلطات السعودية في اعتراض المكالمات الهاتفية لها، سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني، وذلك  لإجباره على تقديم استقالته، التي تراجع عنها لاحقاً بعد تدخُّل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وبعد فرض الإمارات والسعودية حصاراً على قطر في يونيو 2017، أكدت الرسائل المسربة أن أبوظبي استهدفت هواتف نحو 159 من أفراد العائلة الحاكمة في قطر والعديد من المسؤولين القطريين.

وبالإضافة إلى التجسس على مؤسسات دولية وحقوقية وسفارات أجنبية في الإمارات، كشفت مؤسسة "سكاي لاين" الدولية، في تقرير نُشر مطلع أغسطس 2018، أنها وثَّقت عدداً من محاولات التجسُّس، التي نفذتها الرياض وأبوظبي، على موظفي منظمة العفو الدولية، ونشطاء بمنظمات حقوقية تعمل بمنطقة الخليج العربي.

ونددت المؤسسة، التي تتخذ من استوكهولم مقراً لها، لاحقاً، بتعرُّض منظمة العفو وموظفي مؤسسات أخرى لمحاولات تجسس من حكومات دول خليجية، على خلفية أنشطة تلك المؤسسات ومواقفها، فيما يتعلق برصد وفضح انتهاكات واسعة ترتكبها هاتان الدولتان.