عيون العالم ترقب "المدينة المَنسية".. ماذا تعرف عن إدلب؟

عيون العالم ترقب "المدينة المَنسية"..  ماذا تعرف عن إدلب؟
عيون العالم ترقب "المدينة المَنسية".. ماذا تعرف عن إدلب؟

"المدينة المَنسية"، بهذا الوصف ينعت السوريون مدينة إدلب، التي عانت إهمالاً خدمياً وتعتيماً إعلامياً في مناحي الحياة كافة، في ظل حكم عائلة الأسد، ولكنهم لم يعلموا أن تلك المدينة ستصبح اليوم حديث الساسة ومحور النقاشات بالأروقة العالمية والأممية.


لكن تلك النقاشات لا تدور بقصد إحداث تنمية أو تطوير، وإنما لإبعاد شبح الحرب عن المدينة، التي يتوعدها النظام السوري وروسيا وإيران بهجمات دامية، وسط مطالبات خجولة بعدم التهور وخوض معركة ستكون تكلفتها الدموية كبيرة.

إدلب تاريخياً
كانت إدلب حاضرة في قلب التاريخ، منذ الألف الرابع قبل الميلاد، من خلال مملكة "إيبلا"، التي شكلت آنذاك قطباً سياسياً واقتصادياً مكافئاً للجبهة الفرعونية المصرية.

وفي القرن الثامن عشر، تبعت المدينة لجسر الشغور، لتلتحق في عام 1812م بأريحا. وشهدت المنطقة ازدهاراً حضارياً، حيث اتسعت سوقها، وأصبح بها أربعة عشر مسجداً، وتسعون مدرسة لتعليم القرآن.

وتحتوي المدينة التاريخية على الكثير من المواقع الأثرية التي دمرها النظام بقصفه، أو تعرضت للسرقة والتهريب على يد تجار الأزمات إلى خارج البلاد، لتباع في الأسواق بأسعار مختلفة.

المعاناة المتجددة
تتربع إدلب على عرش الشمال السوري الذي تسيطر عليه المعارضة المسلحة منذ مارس 2015، وأصبحت المنطقة التي تتألف من ريفي حماة وحلب وقسماً من ريف اللاذقية ومحافظة إدلب وريفها، تسمى باسم المدينة ككل، باعتبار إدلب مركز المحافظة وحلقة الوصل بين المدن والبلدات المختلفة.

وانخرطت مدن الشمال السوري في الثورة السورية منذ انطلاق شرارتها، فكان لها نصيبٌ واضحٌ من عقاب النظام قتلاً وتدميراً وتهجيراً، لتتجدد المعاناة التي أصابتها في ثمانينيات القرن الماضي، حينما ناصرت مدنَ محافظة حماة، إثر ارتكاب حافظ الأسد مجزرته الشهيرة فيها عام 1982 والتي راح ضحيتها الآلاف، ولاقت إدلب بمدنها وحشية فائقة من النظام، فاعتقل وقتل من أبنائها الكثيرين.

وعُرف الشمال السوري بمظاهراته التي كان يخرج إليها الآلاف من أبناء المناطق كباراً وصغاراً في بداية انطلاق الثورة، أمام أنظار قوات الأمن التي كان تستعد لقمعهم وتجابههم.

وبقيت مناطق الشمال السوري إلى اليوم وحيدةً في مقارعة الأسد بعد إخماد الجبهات الجنوبية (درعا والقنيطرة) وتهجير المقاتلين إلى الشمال، لتكون المنطقة بانتظار معركة كبيرة، كما توعد الأسد باسترداد إدلب إما بالحرب وإما بالمصالحات والتسويات.

وفي حين تعهدت روسيا وإيران بدعم الأسد فيما سمّوه تطهير إدلب من "الإرهاب"، دعا المبعوث الأممي إلى سوريا، ستافان دي مستورا، إلى محاربة 10 آلاف "إرهابي" موجودين في المنطقة.

الشمال السوري
ويقع الشمال السوري ضمن اتفاق خفض التصعيد الذي أُقر في مؤتمر أستانة، وجعل تركيا ضامناً رئيسياً للمعارضة في إدلب، وتصدُر هذه الأيام تباعاً تصريحات من المسؤولين الأتراك بهدف منع معركة قادمة على المنطقة.

وينقسم الشمال السوري إلى قطاعات متعددة، بحسب ما ذكر ه لـ"الخليج أونلاين"، المهندس محمد الشامي، مدير فريق استجابة سوريا (فريق تطوعي يعمل بمجال التنسيق والإحصاء للنازحين في شمال سوريا)؛ وهي:

قطاع إدلب
قطاع سراقب
قطاع معرة النعمان
قطاع جسر الشغور
قطاع حارم
قطاع أريحا
قطاع حلب الغربي
قطاع سهل الغاب
قطاع حماه الشمالي
قطاع درع الفرات (ريف حلب الشمالي)
قطاع غصن الزيتون (عفرين)

سيطرة ونفوذ
تسيطر "هيئة تحرير الشام"، و"الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم عدة فصائل مقاتلة، على مناطق إدلب وأجزاء من ريف حماة الشمالي وحلب الغربي واللاذقية الشرقي، في حين تسيطر فصائل عربية وتركمانية مدعومة من تركيا على أرياف حلب الشمالي والشرقي ومنطقة عفرين.

وعانت المنطقة في السنوات الأخيرة، من اقتتالاتٍ فصائلية كبيرة، حيث التهمت بعض الفصائل فصائل أخرى، وجرى تقاسم النفوذ على قرىً وبلداتٍ عدة، وراح ضحية الاقتتالات مئات القتلى والجرحى، فضلاً عن تعطيل للعملية القتالية ضد النظام الذي استغل التناحر الفصائلي بالسيطرة على بعض بلدات ريف إدلب الجنوبي في الشهور الماضية.

خزان بشري
وفي السنوات السابقة، كان النظام السوري يُطْبق الحصار على البلدات والمدن الخارجة عن سيطرته، لتصل في آخر المشوار للاضطرار إلى التفاوض على الخروج إلى الشمال، فيما أصبح يسمى التهجير القسري، وأدرجه الكثير من الحقوقيين ضمن التغيير الديمغرافي.

وكانت مناطق الشمال وِجهة المهجَّرين قسرياً الوحيدة التي يجبرهم النظام عليها، ويَعتبر المهجَّرون المنطقة ملاذاً آمناً نسبياً من بطش قوات الأسد بالمعارضين، وبدأت حملات التهجير بحمص القديمة، وانتهت في الأيام الماضية بدرعا والقنيطرة، وبينهما الكثير من قصص التهجير.

إذ يقبع اليوم في المناطق المهدَّدة بنشوب معركة كبيرة 4 ملايين شخص، منهم من هُجِّر بعد اتفاقيات التسوية من مناطق عدة في سوريا على مدار السنوات السابقة. ويذكر الشامي أن عدد السكان الأصليين بالمنطقة يناهز 2.35 مليون إنسان، في حين يتخطى عدد المهجَّرين مليوناً ومئتي ألف، يسكن 800 ألف شخص منهم في المخيمات.

وبحسب الشامي، هناك مناطق رئيسية هُجِّر سكانها الى إدلب؛ وهي: غوطتا دمشق الشرقية والغربية، والقلمون، وريف حمص الشمالي، ودرعا والقنيطرة، وحلب الشرقية. وفي عام 2018 فقط، هُجِّر إلى الشمال من مدن سورية أخرى 119 ألفاً.

ويقدِّر الشامي ، عدد العوائل المهجَّرة، الموجودة في الشمال السوري، بـ14 ألف عائلة، متوزعين على المناطق كافة. وغالباً، يبدأ استقبالهم في مراكز إيواء مؤقتة، ثم يتم توزيعهم فيما بعد على مخيمات أساسية منتشرة على الحدود السورية-التركية، في حين تضطر بعض العوائل إلى استئجار بيت بشكل خاص.

وفي الوقت الذي لا ينقطع فيه توافد المهجَّرين من خارج نطاق الشمال السوري، توجد حركة نزوح داخلية، سببها عوامل عدة، أهمها القصف الشديد الذي تتعرض له البلدات والقرى بواسطة الطيران الروسي وطيران النظام، وقدَّر الشامي عدد النازحين الداخليين بـ750 ألفاً.

قصف مستمر
ويشير الشامي إلى الأوضاع الصعبة التي يعيشها السكان بشكل عام في المنطقة غير المستقرة؛ بسبب ضربات النظام الجوية والقصف المدفعي المتكرر، والأوضاع الأمنية الداخلية المتوترة، والتهديدات باجتياح كبير قادم.

ويختار السكان، في حالات القصف، المناطق الحدودية مع تركيا باعتبارها ملاذاً آمناً لهم، ومن المفترض في حال نشوب معركة أن تشتد عملية النزوح باتجاه ريف حلب الشمالي وعفرين؛ لكونهما تحت سيطرة تركية. وتركزت عمليات القصف في الأيام الأخيرة، على قرى ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، وبشكل أساسي اللطامنة وكفرزيتا وكفرنبودة والتح وخان شيخون.

وخلَّف القصف دماراً كبيراً بممتلكات المدنيين، ونزوحاً عشوائياً، وخراباً في الطرق الرئيسية التي تشكل شرياناً أساسياً في تنقلات الناس.

الجدير بالذكر أن الحركة التجارية توقفت بشكل كبير؛ خوفاً من الأوضاع المجهولة التي تنتظر السكان والتجار بالمنطقة، وأوضح الشامي أن نسبة الفقر ارتفعت في المنطقة عام 2018 إلى 85%.

وعلى الرغم من أن إدلب لديها ميزات زراعية كبيرة، فإنها افتقرت دوماً إلى الأمن الغذائي؛ بسبب عدم تنظيم العمليات المتفاعلة في هذا القطاع، كما ذكر الشامي.

إلا أن الشمال يحتفظ إلى الآن بأهم مورد تجاري؛ وهو معبر باب الهوى مع تركيا، والذي يعتبر ذا قيمة استراتيجية بتغذيته المناطق، وإسهامه بشكل كبير في التجارة الخارجية، كما يُعدُّ شرياناً يربط إدلب بالعالم الخارجي، ويمر به 80% من البضائع والمسافرين، في حين يمر ما تبقى (20%) من معبر باب السلامة في جرابلس. 

ولم تستطع الإدارات المتعاقبة على إدلب، منذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، إيجاد تجربة مميزة تتماشى مع المرحلة الحرجة التي تمر بها، كما ذكر الشامي؛ ما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وتنامي السوق السوداء، وانتشار الاستغلال والاحتكار على يد تجار الأزمات والحروب.

ويتخوف السكان من وقوع مجازر على غرار ما حصل بمناطق سابقة، حيث إن إدلب تضم أعداداً كبيرة من معارضي حكم الأسد، إلى جانب الكثير من المقاتلين، ما جعل محللين يتوقعون أن تكون المعركة كبيرة وجدية وقاسية.

وكانت مظاهرات حاشدة خرجت، يوم الجمعة الماضي، مطالبةً تركيا بالتدخل لحماية المدنيين ومنع المعركة المتوقَّعة، كما طالبت دول العالم بوضع حدٍّ للتدخل الروسي، في ظل مخاوف تسيطر على سكان المنطقة من استخدام السلاح الكيماوي، فضلاً عن قصف الطيران الحربي والمروحي والأسلحة المحرمة دولياً.