فرص عزل ترامب تزداد .. وانهيار الأسواق العالمية آخر حلوله

سخرية واسعة أثارتها تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حول انهيار الأسواق العالمية في حال سحب الكونغرس الثقة منه وتوجيه اتهامات قانونية إليه أو لأفراد عائلته.


ترامب قال في مقابلة بثتها محطة "فوكس نيوز" التلفزيونية الإخبارية الخميس (23 أغسطس 2018): "أقول لكم إنه في حال تم عزلي، أعتقد أن الأسواق ستنهار، وأن الجميع سيصبحون فقراء جداً. لا أدري كيف بالإمكان عزل شخص يقوم بعمل عظيم".

وكان ترامب يردُّ على سؤال عن متاعبه القانونية بعد أن قال محاميه السابق، مايكل كوهين، تحت القَسم، إنه تحرك بتعليمات منه بهدف "التأثير على الانتخابات الأمريكية".

كوهين يورط ترامب
حديث ترامب في برنامج "فوكس آند فريندز" عن احتمالية انهيار الأسواق، جاء عقب إقرار محاميه السابق بالذنب في تهم تتعلق بالاحتيال المالي والضريبي، وانتهاك قوانين تمويل الانتخابات، ودفعه مبلغ 280 ألف دولار لامرأتين مقابل التزامهما الصمت بشأن مزاعم عن إقامتهما علاقات جنسية مع ترامب، مؤكداً أنه تلقى أوامر بفعل ذلك من ترامب شخصياً.

وتتزامن هذه التطورات مع تسجيل الأسواق المالية الأمريكية رقماً قياسياً؛ إذ حققت الأربعاء (22 أغسطس 2018) أطول فترة سوق صاعد أو "سوق الثور" (bull market) في تاريخ الولايات المتحدة، الأمر الذي يشير إلى أن السوق الأمريكية لم تتأثر بالقضايا السياسية الحساسة، وأن حديث ترامب عن الأسواق المالية لا يعدو سوى "فقاعة" للتخويف.

فعند إغلاق الجلسة، لم يكن مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" قد سجّل أيّ تراجع بنسبة 20% أو أكثر منذ 9 مارس 2009، أي بعد 3453 يوماً من التداول، وهذه فترة قياسية تاريخية. وتراجُع الأسواق بنسبة 20% يُدخلها السوق الهابط أو "سوق الدب" (bear market).

وسجّل المؤشر الذي يضم أسهم 500 من كبريات الشركات الأمريكية ارتفاعاً بنسبة 323% خلال الفترة المذكورة.

استقرار الأسوق
أثارت تصريحات ترامب العديد من التساؤلات، حول وجود تصحيح مُرتقب في الأسواق المالية بعد هذا الرقم القياسي، أو انهيار الأسواق إذا ما تم عزل ترامب، لكن المستشار في مجال الاستثمارات والائتمان بكندا والولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي مراد يوسف حنّوش استبعد أي تأثير لعزل ترامب عى الأسواق العالمية.

وأكد حنوش في مقابلة مع راديو كندا الدولي، أن "تصريح ترامب لا يُعطي أهمية كبيرة حول هبوط الأسواق أو تذبذبها"، لافتاً إلى أنه "بالرجوع إلى الحرب العالمية الثانية، نجد أن هناك 14 مفاجأة حدثت في السوق الأمريكية فقط"، مستبعداً أن تتأثر الأسواق في حال تم عزل ترامب بالانتخابات النصفية في نوفمبر المقبل، وإن كان هذا الخيار أيضاً مستبعداً؛ لأن الحديث في أروقة السياسة الأمريكية يختلف عن الواقع، على حد وصفه.

وتابع المستشار الاقتصادي: "لما اغتيل جون كينيدي، هبطت الأسواق بنسبة 3%، لكنها عوضت خسائرها بعد يومين فقط. وكذلك في أزمة كوبا، هبطت الأسواق بنسبة 2.7%، وتم تعويض هذا التراجع في فترة قصيرة جداً. وإذا ما أخذنا بالحسبان أيضاً أزمة كلينتون ولوينسكي، والاتهامات التي وجهت لهما، كان الهبوط نحو 1.2%، وتم تعويضه لاحقاً. وإذا ما أخذنا بالحسبان ضربة اليابان سنة 1941، نجد أن الأسواق هبطت ثم استعادت عافيتها بسرعة رغم هبوط الأسواق بشكل عام في ذلك الوقت".

وكثفت الصحف الأمريكية والعالمية تقاريرها في الوقت الحالي، عن إمكانية عزل ترامب وإبعاده عن منصبه؛ ففي بداية ديسمبر الماضي، تقدم "آل غرين"، ممثل الحزب الديمقراطي عن ولاية تكساس، بطلب سحب الثقة (impeachment) من الرئيس دونالد ترامب، مرفقاً طلبه بمجموعة من الإجراءات البرلمانية لإقناع الكونغرس الأمريكي بإجراء تصويت على قراره المقترح.

خيارات ترامب أحلاها أشد قساوة من غيره
يوماً بعد يوم، تتلاشى الخيارات وتتقلص أمام الرئيس الأمريكي، لكنه لا يزال يسعى جاهداً لتجنب احتمالات عزله أو حتى حماية عائلته من الملاحقة القانونية، بعد ظهور إدانات صدرت بحق اثنين من كبار مستشاريه السابقين في أسبوع واحد، تشير إلى أن انتقاداته المتكررة فشلت في إعاقة التحقيق الذي يجريه المدعي الخاص روبرت مولر بشأن احتمالية وجود تواطؤ بين فريق حملته الانتخابية وروسيا للتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2016 وعرقلة القضاء.

ففي يوم الثلاثاء 21 أغسطس 2018، وجّه كوهين ضربة قاسية وموجعة لترامب بعد أن أقرّ في محكمة بنيويورك بالتهم الموجهة إليه، تضمنت تسديد مبالغ مالية بشكل غير قانوني في الحملة الانتخابية، وأن الرئيس ترامب كان متواطئاً معه في ذلك.

واعترف كوهين أيضاً بأنه دفع مبلغ 130 و150 ألف دولار لامرأتين تزعمان إقامتهما علاقة جنسية مع ترامب لقاء التزامهما الصمت، مؤكداً أن ذلك تم "بطلب من المرشح" ترامب؛ لتفادي انتشار معلومات "كانت ستسيء إلى المرشح"، في حين يتساءل مراقبون عن مدى تماسك الملف الذي أعده مولر ضد الرئيس والدائرة المقربة منه، في حين يشير سلوك ترامب إلى أنه يشعر بضغط كبير بعد التطورات الأخيرة.

إقرار محامي ترامب الخاص دفع ترامب -في محاولة أخيرة للتأثير على الرأي العام- بأن يعلن في مقابلته التلفزيونية، أن أسواق المال "ستنهار" في حال تم عزله على خلفية تصريحات محاميه السابق مايكل كوهين، الذي انقلب ضده بشكل مفاجئ.

وحاول ترامب إيهام الرأي العام في الولايات المتحدة بالحديث عن خلق وظائف وتقدُّم في الاقتصاد الأمريكي؛ لتغطية اعترافات كوهين، وقال: "لو فازت منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، لكان الأمريكيون في حال أسوأ بكثير".

ولا تزال الخيارات تتلاشى أمام ترامب، لكن يُجمع بعض المحللين والمتابعين للشؤون الأمريكية والدولية على أن الرئيس ترامب يمتلك ثلاثة خيارات استراتيجية رئيسية، لكن نتائجها مخيِّبة للآمال.

التعاون مع مولر
رغم إصراره المستمر على أنه لم يرتكب أياً من التهم الموجهة إليه، حاول ترامب تعطيل أو تأخير التحقيق، رافضاً لأشهر مقابلة المحقق مولر، وهذه الاستراتيجية جاءت بنتائج سيئة، حيث يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة "هوفسترا" إريك فريدمان، إذا كان فعلاً لا يوجد لدى ترامب ما يخفيه عليه تبني سياسة انفتاح بشكل كامل"، الأمر الذي سيدعم حملة البيت الأبيض في وصم تحقيق مولر بأنه حملة "مطاردة شعواء"، وسيتطلب القيام بذلك تخليه عن دعمه لمستشارين سابقين على غرار مدير حملته الانتخابية السابق بول مانافورت الذي تمت إدانته الأسبوع الماضي بالاحتيال المصرفي والضريبي، لكن بإمكان ترامب تبرير ذلك بالإشارة إلى أنه "يجفف مستنقع" الفساد في واشنطن "مرتدياً بذلك عباءة الإدارة الجيدة".

لكن روبرت بينيت، وهو محامي دفاع في القضايا الجنائية في واشنطن عمل لدى الرئيس الأسبق بيل كلينتون يرى أن الوقت تأخر كثيراً للقيام بذلك، وقال لوكالة الصحافة الفرنسية "قرروا (في إدارة ترامب) منذ مدة طويلة مهاجمة المدعي الخاص. سيكون من الصعب الآن تغيير مواقفهم".

وأضاف "من الذي سيهاجمه (ترامب) الآن؟ إنه في أعلى الهرم". وأشار بينيت الذي يعمل حالياً كمستشار رفيع لدى شركة "شيرتلر وأونوتاريو" في واشنطن إلى أنه من المؤكد أن التعاون مع تحقيق مولر الآن لن يغير اتجاهه إلاّ إلى الأسوأ.

وسيكون إجراء مقابلة مع مولر مسألة محفوفة بالمخاطر بالنسبة لترامب المعروف بتبديل رواياته على الدوام، وقال بينيت "أرجّح أنه لن يكون بإمكانه التعاون بصدق دون تجريم نفسه بشكل إضافي".

وسيضع هذا التعاون -إن تم- الرئيس ترامب كذلك في موقف صعب إذا تركزت أنظار مولر، كما يعتقد كثيرون، على نجل الرئيس دونالد ترامب جونيور أو غيره من أفراد العائلة.

انتقاد فريق التحقيق
تعد انتخابات 6 نوفمبر المقبل أبرز التحديات أمام ترامب في الوقت الراهن، حيث أن خطر سيطرة الديمقراطيون على إحدى غرفتي الكونغرس أو كليهما (الشيوخ والنواب)، يدفع ترامب إلى منع حدوث هذه السيطرة لتجنب وجود كونغرس قد يدعم عزله، وتتمثل استراتيجيته الحالية بإقناع الناخبين بأن تحقيق مولر عملية غير شرعية وداعمة للديمقراطيين، وذلك على أمل كسب التأييد للجمهوريين. لكن لا يبدو أن جهوده هذه ستحقق ما يريد بناء على الكثير من استطلاعات الرأي الأمريكية.

ويطالب البيت الأبيض مولر بالالتزام بسياسة لوزارة العدل تقضي بألا يقوم المدعوون قبل 60 يوماً من الانتخابات بأي تحرك قد يؤثر على أي مرشح، لكن عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق مايكل جيرمان الذي بات حالياً يعمل لدى "مركز برينان للعدالة" يرى أن هذه السياسة لا تمنع مولر من مواصلة تحقيقه. وقال "لا توقف أجهزة إنفاذ القانون كل التحقيقات قبل 60 يوماً من الانتخابات". وأضاف "لا أرى أحداً في انتخابات نوفمبر المقبل مرتبط بأي طريقة بالأشخاص الذين يدور التحقيق حولهم".

إقالة مولر
بإمكان ترامب أيضاً إقالة المحقق مولر وإلغاء التحقيق، وهو أمر هدد به مراراً، لكنه لم ينفّذه؛ على خلفية تحذيرات النواب من أن ذلك قد يتسبب في عزله.

إذ لم يساعد "خيار العزل" الرئيسَ الأسبقَ ريتشارد نيكسون عندما أقال المحقق الخاص أرشيبولد كوكس، الذي كان يتولى التحقيق بقضية "ووترغيت" في أكتوبر 1973، وأدى ذلك إلى تقلُّص الدعم لنيكسون، في حين تابع المحقق الذي حلَّ مكانه القضية في جميع الأحوال إلى أن استقال نيكسون بعد نحو عام، بعدما بات عزله أمراً لا مفر منه.