هل تنتهي قصّة "البيتكوين" بنهاية 2018؟

استحق العام الماضي لقب «عام البيتكوين» بجدارة؛ إذ انتعشت العملة الافتراضية خلال 2017 بقوّة، وسجّلت مستويات قياسيّة في قيمتها، ولكن لم يكن النصف الأول من العام الجاري يشبه 2017؛ إذ فقدت «البيتكوين» معظم أرباحها، وتراجع الزخم الإعلامي حول العملة الرقمية الأشهر حول العالم، وبالرغم من عودتها للصعود خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن سؤالًا بات يراود الكثيرين: هل ستنتهي البيتكوين بنهاية 2018؟ هل اقتربت النهاية بالفعل؟


أنا على يقين بأن البيتكوين ستشهد نهاية سيئة، ولكن متى وكيف سيحدث ذلك؟ في الحقيقة لا أعلم شيئًا حول هذا الأمر.

ربما تلخّص هذه الجملة التي قالها رجل الأعمال الشهير، وارن بافت، خلال تصريح له لصحيفة «أتلانتك» الأمريكية في يناير (كانون الثاني) الماضي، وجهة نظر الكثير من الاقتصاديين، وربما تكون بالفعل حقيقية، لكن في الواقع هناك عوامل تدعم بقاء البيتكوين بشكل خاص، والعملات الرقمية عمومًا، لما هو أبعد من 2018، لكن أيضًا يوجد بعض العوامل التي تعجل بنهاية هذه العملة الافتراضية قريبًا، أو على الأقل ستوقف ارتفاعها الجنوني.

قبل الحديث عن هذه العوامل سنرصد أولًا التغيّر الذي حدث في سعر البيتكوين؛ إذ فقد نحو 14 ألف دولار من قيمته خلال الفترة من 16 ديسمبر (كانون الأول) 2017 حتى نهاية يونيو (حزيران) الماضي؛ فبعد أن تجاوز قيمة البيتكوين نحو 19 ألف دولار، وكان في اتجاه لملامسة مستوى الـ20 ألف، لكنه واصل التراجع ليصل إلى أدنى مستوى له هذا العام عند حوالي 7.4 آلاف دولار في يوليو (تموز) الحالي.

بين القوة والضعف.. الدولار محرّك الاستثمار
يعد الدولار الأمريكي العملة العالمية الأهم بين العملات الرئيسة في العالم، لذلك يعتبر سعر الدولار، أو مؤشر الدولار، محرّكًا رئيسًا للاستثمارات في العالم، وبالتالي فمن الطبيعي أن نجد صعود الدولار يضرّ الكثير من القطاعات الاستثمارية، فارتفاع العملة الأمريكية يعني عزوف الكثيرين عن العملات الإلكترونية للاستفادة من قوة الدولار، والعكس كذلك؛ فمع ضعف الدولار من الطبيعي أن نجد بوصلة الأموال تتجه بعيدًا عن العملة الأمريكية لتتجه مثلًا إلى الذهب والعملات الافتراضية، وهذا تحديدًا ما حدث خلال الأشهر الأخيرة.

لم يكن العام الماضي هو الأفضل بالنسبة للعملة الأمريكية؛ إذ سجّل الدولار أكبر هبوط سنوي منذ 2003 خلال تلك الفترة، وذلك بفعل الشكوك بشأن استمرارية انتعاش نمو الاقتصاد الأمريكي؛ إذ أنهى العام على خسارة قدرها 9.5%؛ إذ انخفضت العملة الأمريكية أمام كلٍّ من اليورو، والين الياباني، والجنيه الإسترليني، والدولار الكندي، والكرونة السويدية، والفرنك السويسري، وهذه العملات هي مكوّنات مؤشر الدولار.

بينما أظهرت بيانات صدرت عن صندوق النقد الدولي أن حصة الدولار الأمريكي في الاحتياطيات العالمية للنقد الأجنبي تراجعت في الربع الثالث من 2017 إلى أدنى مستوى منذ منتصف 2014، وهذا هو ثالث انخفاض فصلي على التوالي لحصة الدولار الأمريكي في الاحتياطات العالمية؛ الأمر الذي يشير للضعف الكبير الذي مرت به العملة الأمريكية، خلال هذا العام، كما هو ظاهر في المؤشر السابق.

لكن خلال الأشهر الماضية اختلف الوضع كثيرًا؛ فالدولار ربما بلغ ذروته مؤخرًا؛ وذلك بعد أن رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أسعار الفائدة سبع مرات منذ ديسمبر (كانون الأول) 2015 إلى 2%، بينما تتوقع الأسواق ثلاث أو أربع زيادات أخرى بنهاية 2019، بعد أن أظهرت بيانات أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة زيادة مطردة في الضغوط التضخمية، وهو ما يعزز توقعات رفع أسعار الفائدة أربع مرات في عام 2018.

هذه التوقعات كذلك عززتها شهادة رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي، جيروم باول، التي ألقيت أمام لجنة البنوك بمجلس الشيوخ الأمريكي، الثلاثاء، 17 يوليو الجاري، موضحًا أن أفضل الطرق أمامه هو الاستمرار في الرفع التدريجي لفائدة الأموال الاتحادية، وهو ما استنتج منه محللو السوق أن المركزي الأمريكي يستهدف رفع أسعار الفائدة مرتين أخريين هذا العام.

بشكل عام، وبحسب هذه المعطيات المذكورة، من غير المتوقع أن ينخفض الدولار خلال الأشهر المتبقية من هذا العام؛ ما يعني أن الإقبال عليه سيكون قويًا، وهو بالتالي ما سيضر العملات الافتراضية، وعلى رأسها البيتكوين.

الخوف من الخسارة
لا يمكن إنكار أن الخوف هو أحد أهم المؤثرات الاقتصادية التي تحدّد مسار الاستثمارات العالمية، وهذه العلاقة واضحة جدًا فيما يخص الملاذات الآمنة التي يلجأ إليها المستثمرون كالذهب، ومع الانهيارات الكبيرة التي حدثت خلال الأشهر الأخيرة للعملات الافتراضية، والتي فقدت على إثرها أغلب أرباحها خلال العام الماضي، دفع الخوف الكثيرين للتخلي عن المخاطرة بالاستثمار في هذه العملات، أو على الأقل تخفيض حوزتهم من العملات الافتراضية، وعلى رأسها البيتكوين، وهذا الأمر كذلك يعد سببًا رئيسًا في هبوط العملات الإلكترونية مؤخرًا بعد الانتشار الواسع التي حققتها خلال 2017.

ولعل للمنطقة العربية كذلك دور كبير في هذا الأمر، فكما ذكرنا خلال تقرير سابق «ثروات العرب تلهث خلف «بيتكوين».. فهل تشكِّل خطرًا على اقتصاد المنطقة؟» لقد اتجه الكثيرون للبحث عن عملة بيتكوين التي لم تكن مشهورة عربيًّا، وهو ما دفع المستثمرين العرب لاستثمار نحو 12 مليار دولار في بيتكوين في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، وهو الأمر الذي يعدُّ نقلة كبيرة للعملة الافتراضية في المنطقة؛ إذ زاد الاهتمام العربي بهذه العملة، وتضاعفت مرّات البحث عن كلمة بيتكوين في أغلب الدول العربية خلال 2017، بحسب «جوجل ترندز»، وهو ما يشير إلى الاهتمام العربي الكبير بهذه العملة.

ومع هبوط البيتكوين تراجع الإقبال على العملة الافتراضية بقوة، بالإضافة إلى أنه أصبح الخارجون من هذا الاستثمار أكثر من الداخلين؛ ما يوضح أن هذه الانهيارات تحصر دائرة المتفاعلين مع البيتكوين إلى درجات بعيدة.

حصار البيتكوين.. حظر حكومي وحرب مصرفية
عمد كثير من الدول والمؤسسات المالية والبنوك مؤخرًا إلى حصار البيتكوين، وخاصة بعد أن سرق قراصنة 530 مليون دولار من العملات الافتراضية من مكتب «كوين تشك» للصيرفة في يناير الماضي؛ وهو ما أدى إلى انهيار الأسعار، وأظهر مدى هشاشة وتقلب هذه العملات؛ إذ فرضت السلطات رقابة في كوريا الجنوبية والصين، وحتى في روسيا، على العملات الرقمية، كما فرضت الحكومة اليابانية على مكاتب الصيرفة الحصول على ترخيص رسمي.

أسباب تدعم بقاء البيتكوين لمدة أطول
كانت هذه أبرز العوامل التي قد تعجل بنهاية هذه العملة الافتراضية، بينما هناك عوامل تدعم بقاء البيتكوين بشكل خاص، والعملات الرقمية عمومًا لما هو أبعد من 2018، وأبرز هذه العوامل: غسيل الأموال، وعمليات تحويلات الأموال المشبوهة، فمن المعلوم أن البيتكوين برزت جاذبيتها في الأساس بسبب غياب الرقابة الحكومية عليها؛ فالهدف الأبرز أن تكون تلك العملة بعيدة عن الأنظمة، بعيدة عن الرقابة، ولا يمكن تتبعها.

بمعنى أنك تستطيع تداول هذه العملة مع أي شخص في العالم، وفي أي مكان في لمح البصر، كل هذا يحدث مجانًا، وبضغطة زر واحدة. هكذا يحدث الأمر ببساطة، فلا تحتاج إلى بنك، أو صرافة، أو أي وسيط في عملية التحويل، وهي ما تعد أسبابًا إضافيةً تدعم الإقبال على العملة.

على الجانب الآخر، تبدو سياسة العقوبات الاقتصادية التي تقوم بها أمريكا أو تفرضها بعض الدول على دول أخرى مناخًا مناسبًا لانتعاش البيتكوين، فقد سبق لكوريا الشمالية الاعتماد على العملة الافتراضية لتجنب آثار العقوبات، وفي ظل سياسة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سواء بفرض عقوبات على إيران أو روسيا، يبدو أن بقاء البيتكوين سيكون مرتبطًا بهذا الأمر بعض الشيء.

وقد استحوذت كوريا الشمالية على نسبة كبيرة من البيتكوين، سواء من خلال التعدين أو القرصنة، وذلك لاستخدمها في تفادي القيود التجارية التي كانت مفروضة عليها، نفس الأمر ينطبق أيضًا على روسيا وإيران؛ فقد انتعش تداول البيتكوين في ظل تنامي سياسة العقوبات الاقتصادية، وهو أيضًا أمر يدعم استمرار البيتكوين طالما استمرّت العقوبات.

نهاية البيتكوين لا تعني اختفاء العملات الرقمية.. هذه أبرز البدائل لو زالت بعض هذه العملات فإن غيرها سينشأ محلها.

لا يمكن لأحد الآن أن ينكر أن العملات الرقمية باتت واقعًا لا مفر منه، فمعظم العملات الموجودة حاليًا قد انهارت مرات عدة، لكنها عادت دائمًا إلى النهوض، وبعضها قد اختفى وظهر غيره، فالعالم حاليًا به مئات العملات الرقمية، وبات كثير من الحكومات حول العالم تبحث إصدار عملات رقمية، فالأمر ليس قاصرًا على البيتكوين، ففي حال انهارت العملة الرقمية الأشهر في العالم، فلا يعني هذا أننا سنودع عصر العملات الرقمية.

وبحسب محللين فإن هناك عدة عملات رقمية من المتوقع أن يكون لها مستقبل واعد، وتصلح كاستثمار طويل الأجل، وأبرزها «النيو»، فهي تجمع ما بين كونها منصةً لـ«البلوكتشين»، وعملة رقمية للتداول، وتؤمن الشركة الصينية أن تقارب الأصول الرقمية، والهوية الرقمية، والعقود الذكية، سيخلق اقتصادًا ذكيًا في المستقبل؛ إذ يمكن للمستثمر الحصول على 5.5% عائد سنوي مع عملة «نيو».

كما أن هناك عملة الـ«كيوكوين»، وهي رمز مميز خاص بمنصة تداول في هونج كونج، وتهدف الشركة إلى خلق نظام خاص بمنصة تداول العملات الرقمية؛ إذ يمكن للمستخدمين الاستفادة منها، وتطبيق تقنية البلوكتشين في العديد من المجالات، وتخصّص كيوكوين رسوم تداول للمستخدمين بنسبة 40% لمن يرشحون المنصة لآخرين، و50% لحاملي عملة كيوكوين، ويحصل المستثمر على مبالغ صغيرة في هذه الأوقات، لكنها مضمونة بدون مخاطرة.

وبشكل عام فهناك الكثير من العملات التي لا تمتلك نفس شهرة البيتكوين يمكن أن تنتعش في الفترة القادمة، فسوق العملات المشفرة يتمدد بعيدًا عن البيتكوين.