مقال بقلم د/ ياسر حسان: نظرة على الوضع التركي
دون الدخول في تقييم للشامتين في الوضع الاقتصادي التركي وتحليلات خبراء كارهين لأردوغان، نقول في البداية أن خفض قيمة العملة لبلد ما له حالتين، قد يكون بإرادة الدولة نفسها بهدف المنافسة في الأسواق العالمية، كالصين التي خفضت عملتها "اليوان" أمام الدولار الأمريكي لتشجع تصدير منتجاتها في فترة إنخفاض قيمة الدولار، كما أن مصر نفسها في عهد مبارك خفضت سعر عملتها، وكان الدولار وقتها قيمته 6.25 جنيه، رغم أن الدولار كان من الممكن أن يصل إلى 5.5 جنيه كسعر حر في الأسواق، إلا أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك قام بتثبيته لتشجيع التصدير.. وفي الحالة الأولي يكون التخفيض محدوداً لا يزيد عن 10% من قيمته الحقيقة..
أما الحالة الثانية، أن تضطر الدول إلى خفض قيمة عملتها بسبب إنهيار اقتصادي أو لأسباب سياسية خطيرة، كما في مصر وتركيا وإيران، وهنا الإنخفاض قد يكون كبيراً جداً ويتعدي 25% من قيمة العملة.. لكن أيضاً في الحالة الثانية كل دولة لها تقييم مختلف، فالأزمة في مصر أسبابها داخلية نتيجة سياسات اقتصادية محل خلاف.. وفي تركيا وإيران سبب الأزمة الحالية سياسي أكثر منه اقتصادي بسبب قرار أمريكا رفع الجمارك على الواردات التركية بسبب الخلاف علي ملفات سياسية ..
والمقارنة بين الوضع الاقتصادي في مصر والوضع الاقتصادي في تركيا يصب في صالح تركيا، فعدد سكان تركيا أقل من مصر كما أن حجم الناتج المحلي لتركيا يقترب من ثلاث أضعاف حجم الناتج المحلي لمصر، والواقع الحالي أن مصر انخفضت عملتها بنسبة 300%، وفي تركيا حوالي 50%، وتعتبر تركيا من أكبر 20 اقتصاد في العالم وسابع أكبر اقتصاد في أوروبا.. في الوقت الذي نعتبر فيه أن عجز الموازنة العامة في تركيا كبير جداً عندما يبلغ 5.5% من الدخل القومي، ولكننا في مصر تخطي العجز في أخر 5 سنوات 10% من الدخل القومي بسهولة.
كما أن تركيا من أكبر الدول الصناعية، ولو تكلمنا عن المنسوجات - والتي تشتهر بها مصر - فتركيا تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في تصدير المنسوجات بعد ألمانيا وإيطاليا، أي أنها سبقت مصر كثيراً في هذا المجال، لأنهم يهتمون بالصناعة والتصدير أما نحن في مصر فنهتم بالكباري والطرق.
وقد يكون جزء من مشكلة تركيا مع أمريكا أنها تصدر عدداً كبيراً من منتجاتها إلى السوق الأمريكية عن طريق السوق الحرة في بلدان نامية، بمعني أنها لم تترك طريق رسمي أو غير رسمي للتصدير إلا واستغلته .. كما أن تركيا لا تدين لصندوق النقد الدولي بشيء، في الوقت الذي تقوم فيه مصر بتنفيذ أجندة قاسية للصندوق من أجل 12 مليار دولار فقط، وبالطبع فإن نسبة التضخم في مصر أعلى بكثير من تركيا ..
وهناك مؤشر أخير يمكننا تناوله، وهو الفارق الكبير في مستوي التعليم والصحة، حيث تم اختيار 6 جامعات تركية ضمن قائمة أفضل 500 جامعة حول العالم ..
وهنا لا أنتقد الوضع الاقتصادي المصري ولا أمدح في الاقتصاد التركي فالاقتصاد أرقام ومؤشرات كلها معروفة ومعلنه .. لكن أنتقد "إعلام المعايير المزدوجة" المضلل الذي "يطَبل" عند خفض الجنيه المصري علي أنه خطة إصلاح، وإذا انخفضت عملة تركيا يكون إنهيار وغضب شعبي ..