أقلقت أمريكا و"إسرائيل".. أين اختفت "هيئة التصنيع العسكري" العراقيّة؟

بعد احتلال العراق عام 2003، شهدت معظم المؤسَّسات الحكوميَّة أعمال نهب وتخريب، في ظل غياب الدور الرقابي والأمنيّ عن الدولة التي ما زالت تعاني انقسامات حتى اليوم.
واحدة من تلك المنشآت كانت هيئة التصنيع العسكري، التي كان لها النصيب الأكبر من عمليات تخريب وسلب أجهزتها ومعدّاتها بشكل مُمنهج ومُخطَّط له من قبل مافيات وعصابات مرتبطة بدول خارجيَّة.
إضافة إلى ذلك فقد عانت الهيئة من تصفية كوادرها العلميَّة المتخصّصة في صناعة الأسلحة، على يد مليشيات تابعة لإيران، حسبما قال أحد المستشارين السابقين في التصنيع العسكري.
وكانت هيئة التصنيع العسكري السابقة تزوّد الجيش العراقي بكمّيات كبيرة من الذخائر والمعدّات العسكرية والأسلحة الخفيفة والثقيلة، وأيضاً القذائف والصواريخ طويلة ومتوسّطة المدى، إضافة إلى العربات والمدرَّعات المختلفة.
وتتألَّف هيئة التصنيع العسكري السابقة من 47 ألف عامل وموظَّف، موزَّعين على 33 شركة صناعيّة حربيّة، وهي التي جعلت العراق من البلدان المصنّعة لأنواع مختلفة من الأسلحة والصواريخ؛ ما أقلق دولاً كثيرة، من بينها أمريكا و"إسرائيل".
ومن أبرز الأسلحة التي طوَّرتها هيئة التصنيع العسكري "الغاز المزدوج"، وهو من غازات الأعصاب. وقد هدَّد الرئيس العراقي، في بداية عام 1990، باستخدام الأسلحة الكيماوية في حرق نصف "إسرائيل" في حال تعرَّض العراق لضربة نووية.
وفي تصريح سابق دعا وزير الدفاع الأمريكي، دونالد رامسفيلد، الرئيس صدام حسين إلى الاختيار بين البقاء في السلطة بقبول نزع أسلحته، أو الاحتفاظ بالأسلحة مع خطر خسارة كل شيء.
وعام 2003، نصّب الأمريكيون بول بريمر حاكماً مدنيّاً على العراق، والذي أصدر القرار رقم 75 لسنة 2004، بحلّ هيئة التصنيع العسكري؛ ما أدّى إلى إهمال مصانع عملاقة استوردها العراق بأموال ضخمة، فضلاً عن تأثّر كوادرها.
دور إيراني
أحد المهندسين المتخصّصين في صناعة الصواريخ، والذي كان يشغل منصب "مستشار" في الهيئة، يقول: "عندما احتلَّت القوات الأمريكية العراق حصلت عمليات سرقة وتخريب للمؤسَّسات الحكومية".
ويضيف المهندس، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنيّة، في حديث لـ"الخليج أونلاين": "نالت المصانع والمنشآت التابعة لـ(هيئة) التصنيع العسكري النصيب الأكبر من عمليات التخريب".
ويبيّن أن "أغلب المعدّات والأجهزة التي اشترتها الحكومة العراقية بملايين الدولارات نُهبت وبيعت في الأسواق المحليّة، في حين هُرِّب قسم آخر إلى إيران".
ويقول أيضاً: "أغلب زملائي المتخصّصين في صناعة الصواريخ طويلة ومتوسّطة المدى تمّت تصفيتهم من قبل مليشيات تابعة لإيران؛ ما أجبر العديد منهم على مغادرة العراق للحفاظ على حياته، وقسم آخر حصل على عروض عمل من دول أخرى".
ويشير إلى أن "إعادة هيئة التصنيع العسكري لا تصبّ في مصلحة الدول الكبرى مثل أمريكا وروسيا وحتى إيران؛ لأن العراق مرتبط بعقود تسليح تشمل حتى الرصاصة".
هل تنجح محاولة إعادتها؟
وأعلنت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، في وقت سابق، عن نيّة الحكومة العراقية إعادة تأهيل شركات التصنيع العسكري التي لم تنجح محاولات دمجها مع الصناعات المدنيّة.
أبو الوليد الدليمي، المهندس في شركة القعقاع، أحد تشكيلات الهيئة السابقة، يقول: "لدينا كوادر متخصّصة في صناعة مختلف أنواع الذخائر والعتاد، وهي قادرة على رفد وزارة الدفاع بما تحتاج، وبأسعار قليلة مقارنة بتلك المستوردة".
ويضيف الدليمي: إنه "لا توجد نيّة صادقة من قبل الحكومة لإعادة الهيئة أو الاستفادة من كوادر التصنيع، فالدولة تعاملنا كأسماء وأرقام وقوائم فقط".
ويستطرد الدليمي: "نحن ضائعون ومنسيّون ولا أحد يأبه بمعاناتنا، فضلاً عن الرواتب الشهرية الهزيلة، والتي تبلغ 350 ألف دينار عراقي (250 دولاراً أمريكياً)، وهي لا تكفي العيش لـنصف شهر".
إلى ذلك أكّد رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية، حاكم الزاملي، في تصريحات سابقة، أن "هناك أيادي خفيّة (لم يسمّها) خلف عدم استغلال مصانع السلاح المتوقّفة".
ويضيف الزاملي أن تلك الجهات تتعمَّد إهمالها؛ "بسبب تدخّلات خارجيّة تدفع بعض الضباط الفاسدين إلى الإبقاء على الاستيراد من الخارج".
في المقابل يؤكّد وزير الصناعة، محمد شياع السوداني، أن العراق سيتحرَّر من الضغوط السياسية على صعيد التسليح؛ من خلال البدء "قريباً" بإنتاج أنواع مختلفة من الأسلحة، بمشاركة 36 شركة عالميّة متخصّصة في هذا المجال.
ويضيف في تصريحات صحفيّة: إن "العراق كان يعتمد في تسليح قواته وأجهزته الأمنيّة على استيراد العتاد والأسلحة الخفيفة والمتوسّطة والذخائر، وهي تكلّف الدولة نحو مليار و700 مليون دولار سنوياً".
ويعود تأسيس الصناعات العسكرية في العراق إلى بداية سبعينيات القرن الماضي، عندما قامت الحكومة العراقية بتشكيل هيئة تضمّ كفاءات علميّة تُشرف على المنشآت والمعامل.