"نيويورك تايمز": لماذا ترد السعودية بهذا العنف على "تدخل" كندا؟
مرة أخرى، تثير المملكة العربية السعودية وولي عهدها، الأمير محمد بن سلمان، الشكوك حول الادعاء بدفع المملكة نحو مستقبل أكثر تقدمًا.
«في مواجهة انتقادات كندا للمملكة بسبب معاملة اثنين من نشطاء حقوق الإنسان البارزين، فعل الحكام السعوديون يوم الاثنين ما يفعله الطغاة المتخلفون الذين لا يشعرون بالأمان، فقد انتقدوا وعاقبوا منتقديهم». هكذا استهلت صحيفة «نيويورك تايمز» افتتاحيتها أمس.
وقالت الصحيفة: طردت الرياض السفير الكندي وأعلنت تجميد جميع الأعمال التجارية الجديدة مع كندا، وتعد المملكة العربية السعودية ثاني أكبر سوق تصدير بالنسبة لكندا في الشرق الأوسط. كما قال السعوديون إن المملكة ستسحب من كندا ما يقرب من 12 ألف طالب سعودي يدرسون ضمن المنح الدراسية التي تمولها الحكومة وأفراد الأسرة المالكة، وستحولهم إلى دول أخرى.
السعودية تريد ترويع النقاد
رفض الدول للانتقادات الخارجية ليس أمرًا استثنائيًّا، ولكن هذا الانتقام السعودي عدواني بشكل لا داعي له، ويهدف بوضوح إلى ترويع النقاد في صمت. إنه نوع التحرك الذي كان من شأنه في الماضي أن يثير على الفور معارضة قوية وموحدة من الغرب. حتى الآن، يوجد تذمر بسيط من الاحتجاج السعودي.
وتروي الصحيفة: بدأ خلاف كندا مع السعوديين عندما دعت وزارة خارجيتها إلى إطلاق سراح الناشطة في مجال حقوق المرأة سمر بدوي، التي اعتقلت الأسبوع الماضي، وشقيقها رائف بدوي، الذي يقبع في السجن بسبب إدارته موقع على الإنترنت ينتقد المؤسسة الدينية السعودية.
في عام 2013، حكم على بدوي بألف جلدة بالعصا، و10 سنوات في السجن، وغرامة كبيرة لإدارة الموقع. حصل على أول 50 جلدة في عام 2015، ولكن عُلقت عقوبته، على الأقل مؤقتًا، بعد أن أثار فيديو الجلد الغضب الدولي.
ولم تقدم المملكة العربية السعودية أي تفسير عن سبب احتجاز سمر بدوي، التي كان زوجها السابق المحامي في السجن. لكنها لطالما ناضلت ضد قوانين الوصاية في المملكة، التي تمنع النساء من السفر إلى الخارج، أو الحصول على إجراءات طبية معينة دون موافقة أحد أقاربها الذكور.
وبحسب الصحيفة، فإن السعوديين يزعمون أن التصريح الكندي «تدخل واضح وصريح» في شؤونهم الداخلية، لكن هذه الحجة خادعة. زوجة رائف بدوي، إنصاف حيدر، وأطفالهما الثلاثة لديهم حق اللجوء السياسي في كندا، وأصبحت مواطنة كندية في الشهر الماضي. والبلدان التي تهتم بالحقوق الإنسانية والسياسية لها تاريخ طويل في التحدث دفاعًا عن تلك المبادئ والقيم المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتلفت الصحيفة إلى أن المملكة العربية السعودية إحدى الدول الموقعة على الميثاق، وعضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي تتمثل مهمته في «تعزيز وحماية حقوق الإنسان بجميع أنحاء العالم». ومنذ صعوده إلى السلطة مع والده الملك سلمان، في عام 2015، شجع الأمير محمد بن سلمان الاستثمار الأجنبي، ومنح المرأة الحق في قيادة السيارات، وافتتح دور السينما لأول مرة منذ 30 عامًا، وعمل على تهدئة المدرسة الإسلامية المتطرفة في المملكة.
في عهد الأمير ابن سلمان، لم يخجل السعوديون من التحدث أو التدخل المباشر في شؤون الدول الأخرى، بما في ذلك اليمن والبحرين وقطر -بحسب الصحيفة- وسعى المسؤولون السعوديون للضغط على اتفاق الرئيس باراك أوباما النووي مع إيران، وانتقدوا قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس.
يوم أمس، الاثنين، رفض البيت الأبيض التعليق. وكان رد الفعل الوحيد حتى الآن من مسؤول في وزارة الخارجية تحدث عن الخلفية، وربط بين كندا والمملكة العربية السعودية بوصفهما «حليفين مقربين»، رغم أن كندا عضو في حلف شمال الأطلسي. لم يذكر البيان سمر بدوي ورائف بدوي بالاسم، ولكن أشار البيان إلى بعض «الحريات المعترف بها دوليًّا»، وأفاد بأن الحكومة السعودية قد طلبت توفير المزيد من المعلومات.
هل ساعد ترامب السعودية في اتخاذ هذه الإجراءات؟
كان الرئيس ترامب قد أشار في السابق إلى السكوت عن الطرق السلطوية في المملكة. وقد تجعل محاولات الرئيس الأمريكي الضغط على رئيس الوزراء الكندي، جاستين ترودو، في شهر يونيو (حزيران)، الأمير محمد أكثر جرأة بشأن الهجوم.
وترى الصحيفة أن الرد السلبي للإدارة يمثل تخليًا مرعبًا عن ناشطين اعترفت الولايات المتحدة نفسها بتعرضهم للظلم؛ إذ تلقت سمر بدوي جائزة المرأة الشجاعة لوزارة الخارجية الأمريكية في عام 2012، باحتفال مع هيلاري كلينتون وميشيل أوباما، وعلى جانب آخر، تسلط لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية (الحكومية)، الضوء على قضية رائف بدوي عبر موقعها على الإنترنت.
وفي نهاية الافتتاحية قالت الصحيفة: قبل أسبوعين فقط، عقدت وزارة الخارجية الأمريكية مؤتمرًا للحرية الدينية برئاسة نائب الرئيس مايك بينس، وأصدر بيانًا يدعو إلى «الاعتراف بحقوق الإنسان العالمية وكرامة الإنسان». من الصعب أن نأخذ هذا البيان على محمل الجد طالما بقي البيت الأبيض هادئًا بشأن هذه التطورات الأخيرة.