"فورين بوليسي": هذه خطة كوشنر للقضاء على حق العودة للاجئين الفلسطينين للأبد
خطة السلام التي عمل عليها مع مسؤولين أمريكيين آخرين لمدة 18 شهرًا هي من أكثر وثائق واشنطن سرية.
كشف كل من كولم لينش وروبي جرامر في مقال لهما على موقع مجلة «فورين بوليسي» عن رسائل بريد إلكتروني مسربة تظهر سعي جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبير مستشاريه، إلى التخلص من وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة التي وفرت الغذاء والخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين لعقود.
وأوضح المقال أن هذه الجهود تأتي في إطار حملة أوسع نطاقًا من جانب الولايات المتحدة لتجريد هؤلاء الفلسطينيين من وضعهم باعتبارهم لاجئين في المنطقة وإلغاء حق العودة في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، وفقًا لمسؤولين أمريكيين وفلسطينيين. ويناقش الكونجرس في الوقت الراهن تشريعين لمعالجة هذه القضية.
يتولى كوشنر ملف السلام في الشرق الأوسط، لكنه تردد في التحدث علانية عن أي جانب من جوانب دبلوماسيته في الشرق الأوسط. فخطة السلام التي عمل عليها مع مسؤولين أمريكيين آخرين لمدة 18 شهرًا هي من أكثر وثائق واشنطن سرية.
ويؤكد الكاتبان أن موقفه من قضية اللاجئين وعداءه تجاه وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» واضح في رسائل البريد الإلكتروني الداخلية التي تبادلها كوشنر مع آخرين في وقت سابق من هذا العام. ففي إحدى الرسائل الإلكترونية التي يعود تاريخها إلى 11 يناير (كانون الثاني) التي أرسلها إلى العديد من كبار المسؤولين، بمن فيهم مبعوث السلام في الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، قال كوشنر: «لا بد من العمل بجد لتعطيل الأونروا. هذه الوكالة تديم الوضع الراهن، وهي فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد على السلام».
تمول الولايات المتحدة الأونروا منذ تأسيسها في عام 1949 لتوفير الإغاثة للفلسطينيين النازحين من منازلهم بعد قيام دولة إسرائيل والحرب الدولية التي تلت ذلك – يكشف الكاتبان – ولطالما اعتبرت الإدارات السابقة الوكالة بمثابة مساهم حاسم في الاستقرار في المنطقة. لكن اللوبي الإسرائيلي في أمريكا يرى الوكالة جزءًا من بنية تحتية دولية أبقت قضية اللاجئين حية، ومنحت الأمل للفلسطينيين في المنفى بأنهم قد يعودون يومًا ما إلى ديارهم – وهو ما ترفضه إسرائيل بشكل قاطع.
ويشير منتقدو الوكالة بشكل خاص إلى سياستها في منح وضع اللاجئ ليس فقط لأولئك الذين فروا من فلسطين منذ 70 عامًا، بل إلى أحفادهم أيضًا، وهو ما يرفع عدد اللاجئين إلى حوالي 5 ملايين شخص، يعيش ثلثهم تقريبًا في المخيمات في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية وغزة. ويؤكد الكاتبان أن إدارة ترامب تريد حسم قضية اللاجئين الفلسطينيين لصالح إسرائيل – كما فعلت في قضية رئيسية أخرى، عندما اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
في نفس الرسالة سالفة الذكر، كتب كوشنر: «لا يمكن أن يكون هدفنا الحفاظ على استقرار الأمور كما هي. أحيانًا تجب المخاطرة لكسر الجمود للوصول إلى الهدف المنشود». كان كوشنر قد ناقش قضية اللاجئين مع المسؤولين في الأردن في يونيو (حزيران)، وكان برفقته الممثل الخاص للمفاوضات الدولية جيسون جرينبلات. ووفقًا لمسؤولين فلسطينيين، فقد ضغط على الأردن لسحب صفة اللاجئ من أكثر من مليوني فلسطيني حتى تنتفي الحاجة إلى الأونروا.
ينقل التقرير عن حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، قولها: «يسعى كوشنر إلى أن تتم عملية إعادة توطين اللاجئين في الدول المضيفة وأن تؤدي الحكومات المهمة التي تقوم بها الأونروا». وأضافت أن أمريكا تريد من دول الخليج العربية الغنية أن تغطي التكاليف التي قد تتكبدها الأردن في هذه العملية. «إنهم يريدون أن يتخذوا قرارًا خطيرًا حقًا وغير مسؤول وستعاني منه المنطقة كلها».
كان صائب عريقات، كبير المفاوضين الفلسطينيين، قد صرح في يونيو بأن كوشنر قال إنه يريد وقف تمويل الأونروا كلية، وتوجيه الأموال – 300 مليون دولار سنويًا – إلى الأردن والبلدان الأخرى التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين. «كل هذا يهدف في الواقع إلى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين» يشير عريقات.
يقول الكاتبان إنهما فشلا في الحصول على رد رسمي من البيت الأبيض. لكن مسؤولًا كبيرًا في السلطة التنفيذية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، كاشفًا أن سياسة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأونروا «تخضع لتقييم متكرر ومناقشات داخلية. وستعلن الإدارة سياستها في الوقت المناسب». كما رفض المسؤولون الأردنيون التعليق على الأمر.
كان كل من كوشنر ونيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، قد اقترحا إنهاء تمويل الأونروا في أوائل العام الجاري. لكن وزارة الخارجية والبنتاجون ومجتمع المخابرات الأمريكية عارضوا هذه الفكرة، خوفًا من أن بإمكانها إثارة العنف في المنطقة. وفي الأسبوع التالي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية خفض مدفوعاتها السنوية إلى الأونروا بأكثر من النصف، إلى 60 مليون دولار بعد أن كانت 125 مليون دولار.
كتب كوشنر في نفس الرسالة: «لقد هددت الأونروا منذ ستة أشهر بأنهم إذا لم يحصلوا على التمويل فإنهم سيغلقون المدارس. ولكن لم يحدث شيء». كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناويرت في ذلك الوقت قد أكدت أن الولايات المتحدة مستمرة في دعم اللاجئين الفلسطينيين، وأنها كانت تبحث عن طرق لإصلاح الأونروا ولإقناع الدول الأخرى بمساعدة واشنطن على تحمل العبء المالي لمساعدة الفلسطينيين.
ولكن بعدها بساعات – يستدرك الكاتبان – أرسلت فيكتوريا كواتس، وهي كبيرة مستشاري جرينبلات، رسالة إلكترونية إلى موظفي الأمن القومي بالبيت الأبيض تشير إلى أن إدارة ترامب تدرس طريقة للقضاء على وكالة الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين الفلسطينيين. جاء في الرسالة «ينبغي للأونروا أن تضع خطة للتخلص من نفسها وأن تصبح جزءًا من مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
وأشارت إلى أن هذا الاقتراح كان من بين عدد من الأفكار التي تبادلتها مع كل من جاريد وجيسون وهالي. وبحسب الكاتبين، تضمنت أفكار أخرى اقتراحًا بتوجيه طلب إلى وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة بالعمل وفقًا لميزانية شهرية ووضع «خطة لإزالة كل مظاهر معاداة السامية من المواد التعليمية». ولكن يبدو أن الأفكار تتماهى مع المقترحات التي قدمتها إسرائيل في السابق.
وقال المتحدث باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن: «نعتقد أنه لا بد من إنهاء نشاط الأونروا لأنها منظمة تنشط سياسيًا ضد إسرائيل وتديم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين». وأضاف ساخرًا أن الفلسطينيين هم الوحيدون القادرون على توريث وضعيتهم بوصفهم لاجئين عبر الأجيال.
بيد أن هذه المزاعم ليست صحيحة تمامًا – يكشف الكاتبان. ففي تقرير من عام 2015، أشارت وزارة الخارجية إلى أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة «تعترف بأحفاد اللاجئين باعتبارهم لاجئين». وقال التقرير، الذي رفعت عنه السرية مؤخراً، إن أحفاد الأفغان والبوتانيين والبورميين والصوماليين والتابيين معترف بهم من قبل الأمم المتحدة باعتبارهم لاجئين أيضًا.
من أصل ما يقرب من 700 ألف لاجئ فلسطيني أصلي، بقي منهم عشرات الآلاف فقط على قيد الحياة، حسب التقديرات. كما أن الضغط من أجل حرمان معظم اللاجئين الفلسطينيين من الحصول على هذه الصفة يكتسب زخمًا في الكونجرس.
كان نائب عن الحزب الجمهوري قد تقدم بمشروع قانون من شأنه أن يقيد مساعدات الولايات المتحدة لتقتصر على اللاجئين الأصليين فقط – يقول الكاتبان. سيتم توجيه معظم المدخرات في مساهمات الأمم المتحدة إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهي وكالة التنمية الدولية الرئيسية في الولايات المتحدة. لكن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مقيدة حاليًّا بقانون «تايلور فورس» الذي يقيد تقديم المساعدات الإنسانية للسلطة الفلسطينية إلى أن تتوقف عن سياسة تقديم المساعدات لأسر الإرهابيين الذين قتلوا.
وبحسب نص مشروع قانون لامبورن: «بدلاً من إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين النازحين نتيجة للصراع العربي الإسرائيلي عام 1948، تقدم الأونروا مساعدات إلى أولئك الذين تصفهم بلاجئين فلسطينيين حتى يكون هناك حل يعتبرونه مقبولاً للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وهذه السياسة لا تساعد في إعادة توطين اللاجئين من عام 1948، بل تحافظ على وجود اللاجئين إلى الأبد».
لكن مسئولًا في الكونجرس قال إن التشريع لا يهدف إلى وقف تمويل الأونروا، بل إعادة توجيه المساعدات إلى الأحفاد من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ينقل الكاتبان عن المسئول قوله: «يجب أن تصل المساعدات إلى مستحقيها، لكن من خلال القنوات الإنسانية وبرامج المساعدات المحددة بشكل ملائم».
وقام السناتور جيمس لنكفورد بصياغة تشريع آخر يعيد توجيه التمويل الأمريكي إلى الوكالات المحلية والدولية الأخرى. يتطلب المشروع تصديق وزارة الخارجية الأمريكية بحلول عام 2020 على أن الأمم المتحدة قد أنهت اعترافها بالنازحين الفلسطينيين باعتبارهم لاجئين. يقول الكاتبان إنهما حصلا على مسودة مشروع القانون، وقد جاء فيها «يجب على الأمم المتحدة تقديم المساعدة للفلسطينيين بطريقة توضح أن الأمم المتحدة لا تعترف بالغالبية العظمى من الفلسطينيين المسجلين حاليًا من قبل الأونروا باعتبارهم لاجئين يستحقون وضع اللاجئ».
لطالما اعتبرت الولايات المتحدة أن الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يتم استيعابهم في نهاية المطاف في دولة فلسطينية جديدة أو منحهم جنسية الدول التي استضافتهم لأجيال. لكن مصير قضية اللاجئين كان يفترض التباحث حوله باعتباره جزءًا من اتفاقية سلام شاملة تسفر عن إقامة دولة فلسطينية.
قالت لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط: «من الواضح جدًا أن الهدف الرئيسي هنا هو القضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال نزع صفة اللجوء عنهم. وهذا لن يجعل السلام أسهل، بل سيجعل الأمر أكثر صعوبة».