واشنطن بوست: هكذا تُجنِّد إيران فقراء الشيعة الأفغان للدفاع عن الأسد؟
سلَّطت صحيفة الواشنطن بوست، في تحقيق موسَّع، الضوء على تفاصيل عمليَّة تجنيد آلاف الشيعة الأفغان من قبل إيران للدفاع عن بشار الأسد في سوريا.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن إيران خصَّصت برنامج تمويل جيّداً؛ يتضمَّن التوظيف والتدريب والحوافز المالية لمن يتطوَّع من الشباب الأفغان للقتال دفاعاً عن نظام الأسد الديكتاتوري.
وتشير الصحيفة إلى أن الأفغان، وبدافع من الحاجة الاقتصادية والولاء الديني، كانوا ينضمُّون إلى هذا البرنامج الإيراني، حيث تُشير الإحصائيّات إلى أن نحو 840 أفغانياً قُتلوا في سوريا، بينما عاد كثيرون ممن شاركوا في مهمّة إنقاذ نظام بشار الأسد، حيث ما زال يعتقد العديد منهم أنهم كانوا هناك دفاعاً عن المراقد الشيعية في سوريا.
هيرات، إحدى مدن الخزّان البشري الذي استعانت به إيران لتجنيد مقاتلين دفاعاً عن الأسد، يمكن أن تسمع فيها قصص العديد منهم، وكيف أن يأس العيش كان سبباً مهمّاً لاندفاع بعضهم للذهاب إلى سوريا للقتال دفاعاً عن الأسد.
وتقول واشنطن بوست إن نحو 5 - 12 ألف أفغاني شاركوا في الوحدات العسكرية التي أسَّستها إيران دفاعاً عن الأسد، مشيرة إلى أن القادة الإيرانيين كانوا يرسلون عدداً قليلاً من الإيرانيين إلى ساحات المعارك، بينما كانوا يعتمدون بشكل كبير على المقاتلين الأفغان.
وتُضيف أن العديد من الأفغان الذين جُنّدوا يعيشون بالأصل في إيران كلاجئين منذ سنوات بعيدة، غير أن المئات منهم قَدِموا من داخل أفغانستان وتحديداً من الهزاره، وهم شيعة يعيشون في مجتمعات فقيرة بعضها قرب الحدود مع إيران.
وبحسب الصحيفة، لا يشكِّل المقاتلون الأفغان إلا جزءاً بسيطاً من القوات التي دفعت بها إيران إلى سوريا للقتال دفاعاً عن الأسد، فغالبيّة تلك القوات تضمّ مقاتلين من لبنان والعراق وباكستان.
ولا توجد إحصائيّة رسمية حول عدد القوات الشيعية التي شكّلتها إيران دفاعاً عن نظام الأسد، غير أن مسحاً أجراه معهد كارنيغي للسلام أظهر أن أكبر حصّة قتلى كانت من نصيب حزب الله اللبناني، يليه المقاتلون الأفغان.
وكانت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد قالت في ديسمبر الماضي، إنها تعتقد أن 80% من القوات العاملة في سوريا للدفاع عن الأسد هي قوات جلبتها إيران، في حين أشارت إسرائيل إلى أن عدد المليشيات الشيعية العاملة في سوريا، التي جلبتها إيران، قد وصل إلى 80 ألف مقاتل، وفق ما تذكر الصحيفة.
وتؤكّد الواشنطن بوست أنه من المستحيل معرفة عدد المجنَّدين الأفغان الذين ذهبوا إلى سوريا؛ لأن الكثير منهم يذهبون ويعودون إلى إيران بشكل مستمرّ، ولا يمكن معرفة ما إذا كانت هذه زيارات عادية أم أنهم جُنّدوا للقتال في سوريا ومن ثم العودة.
وتضيف أن الكثير من الأفغان يُخفون مشاركتهم في الحرب السورية؛ لأن ذلك يعرِّضهم للسجن، فحتّى عائلات الكثير منهم لا تعرف، لكن بالنسبة إلى البعض الآخر، وخاصة من أقلية الهزارة، فإنهم يتحدَّثون عن ذلك في دوائرهم القريبة، فهو بمنزلة شرف لهم.
وتنقل الصحيفة عن حسين (26 عاماً)، وهو من الهزارة من مدينة هيرات، قوله: "لم يُجبرنا أحد على الذهاب للقتال، لكن هذا واجب علينا".
حسين مصاب في عدة أماكن من جسده، وشارك في 4 عمليّات عسكرية بسوريا منذ العام 2014، مقابل 600 دولار في الشهر الواحد.
وكان حسين يعمل نجّاراً في إيران، وقرَّر التطوّع في الفيلق الشيعي بعد أن شاهد فيديو منسوباً لتنظيم داعش وهو يقطع رؤوس الضحايا. لم يرغب حسين بالكشف عن هويّته بشكل كامل؛ خشية ملاحقة السلطات الأفغانية التي تسجن كلّ من يقاتل في بلد آخر.
يتابع حسين سرد تفاصيل قتاله في سوريا: "كنّا نتدرَّب على يد مدرّبين إيرانيين على أسلحة روسية، كانت الليالي طويلة في الصحراء أثناء قتال تنظيم داعش، وغيره من الفصائل المعارضة للنظام السوري، كان هنالك مستشفيات، ولكن من يحتاج إلى علاج على مستوى عالٍ يُنقل إلى إيران. لقد كانوا يمنحوننا الغذاء والمال والعلاج الطبّي، كما أنّهم يمنحوننا وثائق للتنقّل بحرّية داخل إيران، إنهم يجعلونك تشعر بالالتزام".
جماعات حقوق الإنسان وصفت استخدام إيران للأفغان والمقاتلين الأجانب من دول أخرى بأنه زجّ للأبرياء في صراع أجنبي مدمّر، خاصة أنه تم تجنيد صِبية لا تتجاوز أعمارهم الـ 13 عاماً، دون أن يتلقّوا تدريباً كافياً، وفق الواشنطن بوست.
طهران من جهتها تنفي استخدام المقاتلين الأجانب في الحرب السورية، وتؤكّد أنهم مقاتلون دينيّون.
وتنقل الصحيفة عن مقاتل آخر اسمه نعيم، نجا من الموت في سوريا؛ فلقد شارك في 4 معارك هناك، أنه عندما كان يزور إيران في عام 2015، بحث عن عمل هناك ولكن دون جدوى، في وقت كانت عائلته في هيرات بحاجة للمال.
في هذه الأثناء رأى مُلصقاً في أحد الشوارع يطلب متطوّعين دعماً للمجهود الحربي، فقرَّر التسجيل دون أن يعرف أن هذا الطريق سيكون طريقه لاحقاً إلى أحد المستشفيات الميدانية فاقداً للوعي بعد أن تعرَّضت دبّابته لصاروخ.
ويعمل نعيم حالياً في بيع المعجّنات المقليّة بكشك في هيرات، ويعتقد أن إيران ترسل الأفغان للموت مقابل 30 دولاراً باليوم، ويقول: "مات ابن عمّي أمام عيني، لكن ماذا نفعل، لا يوجد لدينا عمل في أي مكان، لا يوجد شيء سوى القتال".