ما هي عواقب إدانة الإمارات بمحكمة العدل الدولية؟

ما هي عواقب إدانة الإمارات بمحكمة العدل الدولية؟
ما هي عواقب إدانة الإمارات بمحكمة العدل الدولية؟

تناقضت ادعاءات فريق الدفاع الإماراتي أمام أعضاء محكمة العدل الدولية، الجمعة 29 يونيو 2018، والتي تنظر في دعوى تقدمت بها قطر تتهم فيها أبوظبي بانتهاكات لحقوق الإنسان والتمييز العنصري والتحريض على الكراهية ضد الشعب القطري، في أثناء مشاركتها في الحصار المفروض على الدوحة منذ أكثر من عام، في وقت يؤكد فيه فريق الادعاء القطري أن إدانة الإمارات دولياً مضمونة 100%.


- جلسات الاستماع
خصصت المحكمة جلسة 29 يونيو في لاهاي، لمناقشة الادعاءات بين الطرفين، بعد أن قدمت قطر حججها أمام المحكمة في يومها الأول، الأربعاء (26 يونيو) بالقضية، في حين خُصص اليوم الثاني من الجلسات للإمارات، الخميس (27 يونيو)، وظهر جلياً تناقض ادعاءات الفريق مع ما أقرته الحكومة من إجراءات ضد القطريين بعد الحصار.

مندوب قطر للمحكمة محمد الخليفي قال أمام القضاة خلال المرافعة: إن حصار قطر يحمل "تأثيراً مدمِّراً على القطريين وأُسرهم، حيث إن آلاف الأشخاص أصبحوا غير قادرين على زيارة أفراد أُسرهم الموجودين في الإمارات"؛ بسبب الإجراءات التي فرضتها حكومة أبوظبي ضد القطريين وحرمتهم بموجبها من حقوقهم التي يكفلها القانون الدولي والاتفاقيات، التي وقَّعت عليها الإمارات.

وأكد الخليفي عميد كلية القانون بقطر، أن مشاركة الإمارات في فرض الحصار  على دولة قطر "تنتهك الاتفاقية الدولية للقضاء على أشكال التمييز العنصري كافة، وضمنها التمييز على أساس الجنسية".

وتطالب قطر محكمة العدل الدولية بالحكم على أبوظبي بـ"تعليق وإلغاء الإجراءات التمييزية المطبَّقة ضدها حالياً على الفور، وأن تدين علناً التمييز العنصري حيال القطريين، وأن تعيد إليهم حقوقهم"؛ إذ تستند الدوحة في دعواها إلى المعاهدة الدولية لإلغاء كل أشكال التمييز العنصري الموقَّعة في 1965، وهي واحدة من أُولى الاتفاقيات الدولية حول حقوق الإنسان، وتُعتبر قطر والإمارات من الدول الموقعة عليها، في حين لم توقِّع السعودية والبحرين ومصر عليها.

- هل تدين المحاكم الدولية دولة الإمارات؟
من خلال متابعة جلسات المحكمة الثلاث الأولى، أمام فِرق الدفاع من البلدين، يرى المتابع بوضوحٍ أن دولة الإمارات لم تُفنِّد أياً من ادعاءات الشكوى القطرية، واستخدمت طريقة "الاستهلاك الإعلامي"، في حين أعطى تناقض فريق أبوظبي صورة واضحة لدى أعضاء المحكمة الدولية بأن الإمارات بالفعل قد خرقت الاتفاقيات الدولية المُوقَّعة عليها في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وأسهمت آلتها الإعلامية في بث الكراهية والعنصرية والتمييز مع دول أخرى، ليمثِّل هذا الإجراء عاملاً جديداً لانحسار دور الإمارات دولياً وإقليمياً، وأيضاً دافعاً جديداً لانسحاب الشركات العالمية وإغلاق مكاتبها تباعاً؛ بعد انحدار سمعتها بالمحاكم الدولية.

وفي حال أدينت دولة الإمارات ستقر المحكمة الدولية بحسب قانونها، قرارات ثم تحيلها إلى مجلس الأمن لمتابعة تنفيذها، وتجبرها ودول الحصار على رفع الحصار عن قطر مع دفع التعويضات، أو اتخاذ إجراءات دولية بحقها منها حظر بيع الأسلحة وتعليق أو إلغاء الاتفاقيات التجارية أو تجميد عضويتها في الأمم المتحدة، فضلاً عن تراجع سمعتها وصورتها دولياً وإقليمياً.

وأكد الفريق القطري ومتخصصون في "أكاديمية لاهاي للقانون"، أن موقف دولة قطر أمام الإمارات "قوي جداً"، وأن أوراق الدعوى مُحكمة ومدروسة ومضبوطة بشكل يجعلها كـ"الحبل حول عنق الإمارات"، بحسب رئيس الفريق محمد الخليفي.

وقال الخليفي إن إجراءات الدوحة ضد أبوظبي في المحكمة الدولية ستكون قاسية جداً، معتبراً أن هذه القضية -بحسب فريق الدفاع- منتهية ومحسومة لصالح بلاده، مشيراً إلى أن حسم الدعوى لصالح قطر مسألة وقت.

"إيف ديفيد"، أستاذ القانون الدولي (سابقاً) بجامعة السوربون بباريس، ورئيس أكاديمية لاهاي للقانون الدولي في لاهاي، أكد أن موقف الإمارات "سيئ للغاية"، حيث قدَّمت هيئة الاتهام القطرية أوراقاً وأدلة تحاصر الإمارات بشكل مُحكم جداً، منها مخالفتها المواد الثانية والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من اتفاقية عدم التمييز الموقَّعة عام 1969، وارتكبت انتهاكات تمثلت في طرد جماعي للقطريين من الدولة بناء على قرار رسمي مُعلن، وقدمت قطر وثائق وتصريحات رسمية بهذا الشأن.

كما حظرت سلطات الإمارات دخول القطريين إلى أراضيها، وانتهكت سلطات أبوظبي بشكل علني أيضاً، حقوقاً أساسية مثل "الحق في الزواج والتواصل مع الأسرة، والحق في الرعاية الطبية، والحق في التعليم والتدريب المهني، والحق في الملكية، والحق في العمل، والحق في المشاركة بالأنشطة الثقافية، والحق في المعاملة المتساوية أمام المحاكم، وهذه الاتهامات أو الانتهاكات (مثبتة وموثَّقة)، ولا يمكن التملص منها".

كاترينا بويلي وولكي، عضو فريق الادعاء القطري، وصفت دعوى قطر أمام المحكمة الدولية بأنها "مكتملة ومرتَّبة" وتوضح بشكل جلي، "الدوافع والتدابير والأدلة والضحايا"؛ ومن ثم فالنتيجة "محسومة" تماماً وفق نصوص القانون الدولي واتفاقية مناهضة التمييز العنصري؛ لكون هذا النزاع من النزاعات الواضحة المعالم أو القضايا السهلة، معتبرة أن "الحكم بالتأكيد لصالح قطر بنسبة 100%".

وأضافت ووكلي أن "التمييز واضح تماماً للجميع؛ بل أعلنته الإمارات في بيانات رسمية؛ ومن ثم فسوف تحكم المحكمة بضرورة إلغاء هذا التمييز المعمول به منذ أكثر من عام، ووقف خطاب التحريض والكراهية في إعلام دول الحصار، ومعاقبة مرتكبيه، وفتح المجال أمام القطريين لمقاضاة المسؤولين عن الأضرار التي وقعت عليهم أمام المحاكم الإماراتية، وفسح المجال أمام الأُسر والعائلات المتصاهرة من الدولتين للتلاقي وممارسة حياتهم الطبيعية، وستكون الإمارات مُلزمة أمام المجتمع الدولي بضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات نهائياً، وفي حالة المخالفة سيكون موقفها صعباً بنظر المجتمع الدولي وتكون "دولة مارقة"، وستُلغى الكثير من الاتفاقيات التي وُقِّعت بينها وبين المؤسسات الأممية الدولية.

- تهرُّب إماراتي
خلال تقديم فريق دفاع الإمارات ادعاءاته أمام قضاة محكمة العدل الدولية، تضمنت تلك الادعاءات تناقضاً واضحاً بين فريق الدفاع نفسه؛ إذ أنكر الفريق طرد الحكومة الإماراتية القطريين، رغم نشر البيانات الرسمية على وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، وإعطائهم مهلة 14 يوماً أسوة بباقي دول الحصار؛ للخروج من البلاد، وضمنهم الطلاب ورجال الأعمال والمستثمرون، مع إقرار قانون يُجرِّم التعاطف مع قطر وشعبها بأي شكل من الأشكال، وتصل عقوبة هذا القانون إلى السجن 5 سنوات، وبالفعل نُفِّذ القانون بعدد من الأشخاص وأُلقوا وراء القضبان؛ بسبب انتقادهم هذه القوانين، التي أصَّلت لتفكيك الأسرة الخليجية.

ورغم أن دول الحصار لا تسمي الأمور بأسمائها، فإن موكل الإمارات استخدم مصطلح "حصار قطر"، وبدا جلياً أن التناقضات لازمت الفريق من أول الجلسة؛ منها ما ادعاه سفير أبوظبي في هولندا، سعيد النويس، أن قطر لم تقدم أدلة واضحة على الطرد للقطريين أو منعهم من المحاكم، رغم أن الملف القطري مملوء بالشواهد التي وثقتها اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان ومتابعة التعويضات، ومنها رفض توكيل المحامين للقطريين لبيع ممتلكاتهم في دبي، وحرمان الطلاب الجامعيين القطريين من أداء الامتحانات النهائية، وانتزاع الاعترافات بالإكراه من الموقوفين القطريين وبثها على الإعلام الرسمي على أنها أدلة لإدانة قطر.

ومن القرارات التي أنكرها فريق الإمارات أمام أعضاء المحكمة الدولية العقوبات التي تصل إلى السجن ما بين 3 - 15 عاماً، مع غرامة مالية لا تقل عن 500 ألف درهم (نحو 137 ألف دولار)، لمجرد التعاطف مع دولة قطر؛ سواء كان بالكلمة أو التغريد أو تسجيل الإعجاب عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وفق ما صرح به النائب العام في دولة الإمارات حمد سيف الشامسي، ونشرت بيان النائب العام صحف إخبارية تابعة للمجلس الوطني للإعلام ووسائل إعلام إماراتية، فضلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية يوم الأربعاء 7 يونيو 2017.

ومع أن بيان الشامسي، الذي نشرته شبكة "سي إن إن" العربية أيضاً، كان واضحاً تجاه القطريين بصورة عامة، وقال البيان إن إجراءات أبوظبي ضد الدوحة تأتي "حفاظاً على الأمن القومي للدولة ومصالحها العليا ومصالح شعبها"، لكن النويس ادعى أن الشعب القطري شعب شقيق وأن التمييز لم يقع ضده.

وزعم أن شعب قطر لا علاقة له بالخلاف السياسي، ثم ناقض نفسه بالقول إن بلاده طلبت من القطريين مغادرة البلاد "كإجراء وقائي"، وطلبت من المدارس الإماراتية التواصل مع الطلاب القطريين للعودة لمواصلة تعليمهم، وهو إدانة لفريقه وسلطات بلاده، ودليل على أن عملية الطرد قد تمت بالفعل، واعتبر الفريق القطري أن ذلك يمثل جواباً كافياً للرد على ادعاءات النويس.

ومع كمية التناقض الكبيرة بين أعضاء الفريق الإماراتي أمام أعضاء محمكمة العدل الدولية أثار "آلان بوليه"، أحد أعضاء فريق دفاع أبوظبي، السخرية أمام الحضور؛ وذلك بطلبه مهلة من المحكمة للتفاوض وحل الأزمة، قائلاً: "لا يمكن أن يعرض على المحكمة إلا خلاف لم يتم حله عن طريق التفاوض، ولا يمكن القول إنه لم يتم حل الخلاف بطريق التفاوض، ولذلك فإن الدولتين عليهما التقدم بطلب تشكيل لجنة لحل الخلاف، وعلينا إعطاء فرصة للمصالحة، بعدها يمكن للمحكمة التدخل. وإن قطر لم تثبت أن المفاوضات والحل السلمي قد فشل"، وهو ما ينفيه السفير أحمد سعيد الرميحي، مدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية، بالقول إن بلاده "دعت وبشكل حضاري إلى الجلوس على طاولة الحوار والتفاوض، لكن دول الحصار، بما فيها أبوظبي، ترفض وبتعنت اجراء أي حوار مع الدوحة لحل الأزمة".

وفاجأ "بوليه" الرأي العام وجميع الحضور بهذا الطلب، متناسياً أن أمير دولة الكويت، الشيخ الصباح، بذل جهوداً كبيرة لإقناع دول الحصار بالجلوس للحوار والتفاوض وحل الأزمة، وإنهاء الخلاف بالطرق الدبلوماسية، فضلاً عن جهود الولايات المتحدة الأمريكية، التي عيّنت مبعوثاً خاصاً لإطلاق مفاوضات بين طرفي النزاع، في ظل غياب تام لمجلس التعاون، الذي يقر نظامه الداخلي بأنه الجهة المعنية بحل النزاعات بين دوله، كما طالب عضو آخر الدوحة بإعطاء فرصة للحل السلمي، وهو ما يمثل تناقضاً واضحاً مع أعضاء الفريق الآخرين.

ومن تناقضات الفريق أيضاً ما ذكره المحامي "توري تليس"، الذي نفى أن أبوظبي منعت القطريين من المثول أمام المحاكم الإماراتية، رغم أن بيان النائب العام كان واضحاً، وينطبق ما جاء به على كل من يتوكل بقضية قطري داخل الدولة ويُنَفَّذ به القانون فوراً، كما يُمثل رفض المحامين الإماراتيين توكيلات القطريين جواباً كافياً لـ"تليس"، معلنين خوفهم من قانون "التعاطف مع قطر"، المنشور في الصحف الرسمية والدولية.

ورغم أن قرار الإمارات بطرد القطريين خلال 14 يوماً بعد الأزمة مباشرة لا يقبل التأويل، وتسبب بأضرار كارثية لأكثر من 6400 عائلة (بسبب حمل أحد الأبوين للجنسية القطرية)، فإن رئيس فريق الدفاع الإماراتي، علي النويس، ادعى أن بلاده لم تمنع قطرياً من دخول البلاد، مدعياً أن بلاده مفتوحة أمام القطريين للوصول إلى استثماراتهم ولعائلاتهم وللمحاكم، ليناقض عضواً آخر من الفريق ادعىأن الزواج لا يعطي الحق للقطري في دخول الإمارات، ولا التعليم يعطي حق الإقامة، الأمر الذي اعتبره الفريق القطري "تمييزاً عنصرياً" ومخالفاً لنصوص قانون الاتفاقيات ومحكمة العدل الدولية أيضاً.

ويناقض "ماركون شول"، عضو فريق الدفاع الإماراتي، أعضاء فريقه، بالادعاء بأنه لا يوجد خطر محدق حتى تنظر المحكمة الدولية في الشكوى القطرية، قائلاً: "إن كانت القضية مستعجلة فلماذا انتظرت قطر عاماً كاملاً لترفع الدعوى؟".. لكنه لم يُشر إلى الـ14 يوماً، التي طلبت خلالها السلطات الإماراتية من القطريين مغادرة البلاد، وإلا فسيكون القانون والمحاكم الإماراتية خصيمهما، وهو ما كان إجراءً مستعجلاً دون مبرر.

ويرى مراقبون أن الدعوى القطرية المنظورة أمام محكمة العدل الدولية تبدو مقدمة لخطوات تصعيدية أخرى من الدوحة تجاه دول الحصار، إذ تسير الدعاوى التي يحملها محامون دوليون مخضرمون بثقة تامة، معززة بالضوابط والشواهد التي جمعتها لجان قطرية خلال أكثر من عام ، وأطلعت عليها محامين دوليين، وتدين بشكل قوي جرائم دول الحصار بحق الشعب والسيادة القطرية.