بعد قرار زيادة الإنتاج .. هل رضخت "أوبك" لإرادة ترامب أم هي مصلحة سوق النفط؟

وسط مناشدات وطلبات والكثير من التوقعات والتكهنات، تخلت «أوبك» أخيرًا عن سياسة خفض الإنتاج التي بدأتها المنظمة في ديسمبر (كانون الأول) 2016 -أول خفض للإنتاج خلال 10 سنوات، وأول تخفيضات مشتركة مع 11 من المنتجين المستقلين بقيادة روسيا في 15 عامًا-، «أوبك» تخلت عن سياسة الخفض في ظل ضغوط سياسية جاءت بقيادة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالإضافة إلى الصين والهند، وذلك بجانب ضغوط سوقية كذلك في ظل تراجع إنتاج فنزويلا وأنجولا، وتوقعات هبوط إنتاج إيران بسبب العقوبات الاقتصادية، فهل كان قرار «أوبك» سياسيًّا أم اقتصاديًّا؟
ما هي طبيعية الاتفاق الجديد؟
في البداية لنتعرف أولًا إلى طبيعية قرار الزيادة التي أقرتها المنظمة مع روسيا وشركائها غير الأعضاء، وهو القرار الذي اعتبره البعض «غامضًا» ولن يؤثر تأثيرًا كبيرًا في الأسعار، إذ تعتزم «أوبك» أن تؤمن حصصها بنسبة 100%، انخفاضًا عن 147% بحسب الاتفاق في 2016، بمعنى أن «أوبك» في هذا الاجتماع خفضت نسبة الالتزام بحصص كل دولة، وبالرغم من أن نسبة 147% المقررة في 2016 لم تتحقق في الواقع، لكن على الأرجح ستتحقق النسبة الجديدة في ظل الاستعداد السعودي الروسي الكبير لضخ مزيد من الخام.
وبحسب السعودية فإن القرار سيمثل زيادة بنحو مليون برميل يوميًّا؛ أي 1% من الإمدادات العالمية، لكن لم يرد هذا الرقم أيضًا في البيان الختامي الرسمي، في حين تتوقع دول أخرى بخلاف السعودية أن تكون زيادة الإنتاج أقل من مليون برميل يوميًّا، إذ ترى إيران أن إنتاج النفط سيزيد بما يقرب من 500 ألف برميل يوميًّا، وتتوقع الإكوادور أن تكون الزيادة أقرب إلى 600 ألف برميل يوميًّا.
ويقول العراق إن الزيادة الحقيقية ستكون في حدود 770 ألف برميل يوميًّا، معللًا ذلك بصعوبة وصول بعض الدول إلى الحصص الكاملة المخصصة لها كما ذكرنا، كما أنها ترى أنه قد لا يكون بمقدور منتجين آخرين سد الفجوة، لكن البعض يرى أن السعودية قادرة على تعويض أي كمية قد تعجز الدول الأخرى عن إنتاجها، وعمومًا وفي ظل تباين هذه الأرقام فإن الاتفاق الجديد يظل غامضًا، حتى الآن، ما لم تعلن «أوبك» أرقامًا واضحة.
المستثمرون كانوا يأملون في إجراء أقوى مع زيادة محددة بالأرقام لأهداف الإنتاج. –بابلو شاه المحلل لدى «سي أي بي آر»
لكن على الجانب الآخر كانت روسيا محددة أكثر بشأن الزيادة الجديدة، والتي كانت أحد أهم الأطراف التي سعت إلى إقرارها بجانب السعودية، إذ قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك: إن بلاده ستضخ كمية إضافية حجمها 200 ألف برميل يوميًّا في النصف الثاني من العام الجاري، وعلى كلٍّ كان رد فعل الأسواق أقل حدة من المتوقع، وذلك بسبب هذا الغموض بعد أن كان البعض ينتظر زيادة أكثر وضوحًا في إنتاج «أوبك»، إذ أنهى برنت الأسبوع الماضي مرتفعًا بنسبة 2.7% ليبلغ عند التسوية 75.55 دولار للبرميل.
لعبة العرض والطلب.. هل يحقق قرار «أوبك» توازن السوق؟
السعودية تستهدف توازن سوق النفط وليس سعرًا محددًا للخام. *وزير الطاقة السعودي خالد الفالح
كما ذكرنا كانت السعودية هي المحرك الرئيسي لدفع «أوبك» لإقرار زيادة الإنتاج، وذلك بدعوى محاولة الوصول إلى موازنة السوق، أي توازن العرض والطلب، بمعنى أن السعودية رأت أن هناك طلبًا كبيرًا في الوقت الذي يتراجع فيه العرض، فهل هذا الأمر صحيح؟ وهل فعلًا الأسعار ليست مهمة بقدر توازن السوق؟
منذ نحو أربعة أشهر، قالت «أوبك» إن الطلب العالمي على النفط سينمو بوتيرة أسرع من المتوقع في 2018، وذلك بسبب متانة الاقتصاد العالمي، ووصفت هذا الأمر بأنه سيساعدها على التخلص من تخمة المعروض من الخام في الأسواق العالمية، لكنها استبعدت التوازن إلا قرب نهاية 2018؛ لأن الأسعار الأعلى تشجع الولايات المتحدة ومنتجين آخرين غير أعضاء على ضخ المزيد، المنظمة رفعت توقعات الطلب العالمي على النفط إلى 1.59 مليون برميل يوميًّا هذا العام.
المنظمة تحدثت بشكل واضح عن الصلة الوثيقة بين النمو الاقتصادي والطلب النفطي، وفي ظل توقعات النمو الإيجابية لا شك أن الطلب على النفط سيواصل الارتفاع، بالإضافة إلى انخفاض مخزونات الخام في الاقتصادات المتقدمة بمقدار 22.9 مليون برميل في ديسمبر (كانون الأول) لتصل إلى 2.888 مليار برميل، أو ما يزيد بمقدار 109 ملايين برميل عن متوسطها لخمس سنوات.
وكالة الطاقة الدولية من جانبها، وقبل أيام من قرار «أوبك» تحدثت في اتجاه توقعات زيادة الطلب نفسها، إلا أنها قالت إن «التوترات التجارية هي الخطر الرئيسي لتوقعاتنا بشأن الطلب على النفط»، ومن الممكن أن نعتبر هذا الأمر محوريًّا في الواقع، خاصة بعد اشتعال الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وكندا والاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يؤثر سلبًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي أننا قد لا نجد الارتفاع نفسه في الطلب المتوقع؛ مما يجعل قرار «أوبك» بزيادة الإنتاج في غير محله.
على الجانب الآخر، وفي ما يخص العرض تتوقع «الطاقة الدولية» انخفاض الصادرات الإيرانية بالمقدار الذي تراجعت به خلال جولة العقوبات السابقة، ولا ترى الوكالة أن هناك هدنة للانهيار في الإنتاج النفطي في فنزويلا، الناجم عن الأزمة الاقتصادية، لكن فنزويلا لديها نظرة مختلفة عن الأمر قد تقلب كل توقعات السوق، إذ كشفت عن أنها تستطيع زيادة إنتاجها من النفط إلى مليون برميل يوميًّا بنهاية العام، وفي حال نجحت فنزويلا في هذا الأمر فإن قرار «أوبك» سيتسبب في هبوط كبير لأسعار النفط، لكن لا زال الحكم على مثل هذه التوقعات مبكرًا.
هل جاء قرار «أوبك» لإرضاء ترامب؟
نستخدم مؤشرات عدة من الأسواق لاتخاذ قراراتنا وتويتر ليس جزءًا منها. *ألكسندر نوفاك
هكذا قال وزير الطاقة الروسي ساخرًا عندما سئل عن علاقة ترامب بقرار زيادة الإنتاج الذي شاركت به موسكو، لكن في الواقع لم تتعرض روسيا لضغوط تذكر مقارنة بالسعودية ودول «أوبك»؛ إذ طلب ترامب من المنظمة بشكل مباشر زيادة الإنتاج، فبحسب ما ذكرت «بلومبرج» فإن الحكومة الأمريكية طلبت من السعودية ومنتجين آخرين من «أوبك» زيادة إنتاج النفط بنحو مليون برميل يوميًّا، وذلك بعد أن ارتفعت أسعار البيع بالتجزئة للبنزين في الولايات المتحدة لأعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات مطلع الشهر الجاري.
الغريب أن ما ذكرته بلومبرج حول زيادة الإنتاج بنحو مليون برميل يوميًّا، لم يصدر لاحقًا إلا من السعودية كما ذكرنا، وفي ظل توقعات محللين أشاروا إلى أن قرار «أوبك» جاء بإيعاز من واشنطن، فإن الفالح أقر بأن الولايات المتحدة لها أهميتها لكن فقط بصفتها مستهلكًا مهمًا، وهو الأمر الذي يجعلنا لا نستبعد أن نسبة كبيرة من مساعي السعودية لدعم هذا القرار كانت سياسية بالدرجة الأولى.
خاصةً أن القرار جاء بعد خلاف حاد مع إيران -ثالث أكبر منتج في «أوبك»-، والتي طالبت المنظمة برفض دعوات من ترامب لزيادة معروض النفط، قائلة إنه ساهم في ارتفاع الأسعار خلال الفترة الأخيرة بفرضه عقوبات على إيران وفنزويلا.
ما هي توقعات الأسعار خلال النصف الثاني من 2018؟
يرى محللون أنه على المدى القصير من المتوقع أن يحظى النفط بدعم من استمرار المخاطر الجيوسياسية المتعلقة بمخاوف الإمدادات من فنزويلا، وبالإضافة إلى اقتراب الموعد النهائي لتطبيق العقوبات الأمريكية على إيران، لكن هذه المخاوف ستختفي حال تمكنت فنزويلا العودة إلى الإنتاج بقوة، واستطاعت إيران الحفاظ على الإمدادات عند مستويات مرتفعة، وفي هذه الحال ستجد الأسواق نفسها أمام ارتفاع مستمر للمعروض النفطي، سواء من أعضاء «أوبك» أو خارجها، وهو ما قد يؤدي إلى عودة النفط للهبوط مرة أخرى.
وفي الوقت الذي يرى فيه رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى أن اتفاق أوبك سيكبح أسعار النفط، تقول تقارير إن السعودية وروسيا تعتبران أن 80 دولارًا مستوى يخشى تجاوزه، إذ إن هذا المستوى قد يهدد بانهيار الطلب، وهو الأمر الذي يجعل فكرة تجاوز النفط مستوى الثمانين دولارًا من الصعب أن يحدث على الأقل خلال النصف الثاني من 2018، على أن تبقى الأسعار في نطاق 71 إلى 80 دولارًا.
هل يمكن أن يتضرر طرح أرامكو السعودية من قرار «أوبك»؟
على ما يبدو لم تسري الأمور كما كانت ترجو السعودية وهو ما دفع البلاد للتفكير بشكل جاد في تأجيل طرح أرامكو، وهو ما يبرر أنها دعمت بقوة اتفاقًا سيقوض أسعار النفط التي كانت تعول عليها المملكة في طرح أرامكو الذي يعد محوريًا في خطة البلاد للإصلاح الاقتصادي الذي يقوده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وزير الطاقة السعودي، لم يخفِ نية بلاده تأجيل الطرح؛ إذ قال مؤخرًا إنه سيكون «أمرًا جيدًا» القيام بطرح أرامكو السعودية في البورصة العام القادم، لكنه أضاف أن التوقيت ليس حرجًا لحكومة المملكة، وأوضح الوزير على هامش اجتماعات «أوبك» في فيينا أن البورصة السعودية ستكون موقع الإدراج الرئيسي لأرامكو، وأن موقع الطرح الدولي الثانوي سيتحدد على أساس عوامل من بينها السوق التي تبيع فيها الشركة منتجاتها، وهو ما «يتحول جهة الشرق».
ولا زال حتى الآن موقف المملكة من الطرح غامضًا، فتارة تؤكد البلاد أن الطرح سيكون في موعده –بنهاية 2018-، وتارة أخرى يتحدث مسؤول آخر عن تأجيل الطرح، لكن بلا شك قرار زيادة الإنتاج ليس هو الأفضل لمصلحة طرح أرامكو، وهو أيضًا القرار الذي يعزز فكرة توجه المملكة نحو التأجيل.