ناشيونال إنتريست: لماذا تخلّت إيران وحزب الله عن الهجمات الانتحارية؟

ناشيونال إنتريست: لماذا تخلّت إيران وحزب الله عن الهجمات الانتحارية؟
ناشيونال إنتريست: لماذا تخلّت إيران وحزب الله عن الهجمات الانتحارية؟

سلّطت مجلة "ناشيونال إنتريست" الأمريكية، الثلاثاء، الضوء على التغييرات التي طرأت على الفكر الشيعي فيما يتعلق بالانتحاريين الذين كانوا يُستخدمون في مطلع الثورة الإيرانية عام 1979، متسائلة عن الأسباب التي أدت إلى تخلّي الشيعة عن هذا الفكر.


وقالت الصحيفة إنه قبل 35 عاماً قاد مهاجم انتحاري تابع لحزب الله اللبناني سيارة نقل محملة بالمتفجرات إلى السفارة الأمريكية في بيروت الغربية؛ ممَّا أدى إلى تدمير أجزاء من المبنى وقتل 67 شخصاً بينهم 17 أمريكياً.

وفي وقت لاحق من ذلك العام قام حزب الله، وبدعم إيراني، بتفجيرات انتحارية متزامنة على ثكنات عسكرية أمريكية وفرنسية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 300 جندي، وكانت هذه الهجمات جزءاً من حملة حزب الله وإيران لشن عمليات انتحارية لدفع "إسرائيل" إلى الانسحاب من لبنان.

منذ ذلك الحين، تقول المجلة، انتشر الفكر الانتحاري في جميع أنحاء العالم، حيث تبنت مجموعات مسلحة مختلفة مثل هذا التكتيك، بعضها علماني وبعضها الآخر ديني، وكلٌّ كان يسعى لتحقيق أهدافه.

لكن وبعد أن انتشر هذا الفكر، وتبنته العديد من الجماعات حول العالم، فإن الغريب أن إيران ووكلاءها الشيعة تخلّوا عنه بهدوء، وهو ما يكشف تحولاً في منطق إيران وحزب الله.

في العصر الحديث، بدأت فكرة الشهادة كتكتيك في الحرب العراقية الإيرانية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عندما لجأت إليها إيران لوقف تقدم القوات العراقية، حيث كانت تدفع بالمئات من الجنود غير المسلحين لإعاقة التقدم العراقي، وهو التكتيك الذي لجأ اليه الحرس الثوري الإيراني.

ثم جاء تأسيس حزب الله في لبنان، بعد أن انفصل عن حركة أمل الشيعية، وكان أفراد الحزب لا يعتنقون أفكار الثورة الإيرانية وحسب وإنما أيضاً تكتيكاتها العسكرية، وتحديداً العمليات الاستشهادية.

لقد نفذ الحزب نحو 30 تفجيراً انتحارياً بين عامي 1982 و1986، ولكن بعد عام 1988 تباطأت هذه العمليات بشكل كبير، فبحسب روبرت بيب وجيمس فيلدمان، فإن حزب الله لم ينفذ أي هجمات انتحارية في عام 1987.

ووقعت عمليتان في عامي 1988 و1990، ولم تحدث عملية أخرى إلا في عام 1995، وأخرى في عام 1996 لتتوقف ثم تعود بعملية أخرى عام 1999 ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي.

منذ ذلك التاريخ لم يقم حزب الله بأي هجوم انتحاري، مع استثناء احتمالية أن يكون التفجير الذي استهدف رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، عام 2005، انتحارياً ومن تنفيذ أحد أفراد الحزب.

إيران نفسها تخلّت عن العمليات الانتحارية، كما فعل ذلك حلفاء آخرون لها في المنطقة، وخاصة في العراق وسوريا، حيث وقعت العشرات والمئات من العمليات الانتحارية، ولكن ليس من فعل عملاء إيران وإنما من الجماعات السنيّة المسلحة.

لا أحد يمكنه أن يفسر دينياً هذا التحول في الفكر الشيعي إزاء التخلي عن الهجمات الانتحارية، على الرغم من أن القادة الإيرانيين وحلفاءهم من الشيعة لا يقرون بهذه التغييرات، بل إنهم متلهفون لتشجيع هذا التصور السائد لدى الغرب أنهم تخلوا عن الهجمات الانتحارية.

إن التغيير الذي طرأ على أيديولوجية إيران وحزب الله بشأن العمليات الانتحارية يمكن إرجاعه إلى اعتبارات براغماتية؛ فلطالما اعتبرت إيران هذه الهجمات جزءاً مهماً من تكتيكها لمواجهة الأعداء المتفوقين عليها، ولكن الآن وبعد أن أصبح الشيعة أقوياء في المنطقة بما يكفي، فإنهم لم يعودوا بحاجة إلى هذا النوع من الهجمات.

وأفضل ما يبرهن على ذلك هو كيفية استخدام إيران وحزب الله للعمليات الانتحارية ضد أعدائهما؛ فعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 كان الجيش الإيراني في حالة خطرة بعد الثورة، خاصة مع عمليات التطهير الكبيرة التي طالته وخاصة من أصحاب الرتب العليا والمتوسطة للاشتباه بموالاتهم للشاه المخلوع.

تشير بعض التقديرات إلى أن هناك قرابة 12 ألف ضابط تم فصلهم من الجيش، كما أن الأسلحة التي كان يمتلكها الجيش الإيراني بدأت تتهالك، فلم يكن أمام النظام في طهران سوى مجابهة الجيش العراقي الأفضل تدريباً بالزج بأعداد كبيرة من المقاتلين غير المدربين.

لقد كانت إيران تفتقر إلى الدبابات والمدفعية والطائرات والجنود المدربين، ولكن الخميني كان يعتقد أنه يمتلك سلاحاً لا يملكه العراق، وهو التفوق العددي، فعدد سكان إيران ضعف عدد سكان العراق بثلاث مرات، فقدم لهم الخميني صور الشهادة من خلال استحضار الحسين، الذي قتل في كربلاء عام 680 ميلادية، ودعاهم للتضحية بأنفسهم اقتداءً بالحسين.

نجحت هذه الاستراتيجية التي اعتمدها الخميني، فلقد زجّ بالآلاف من الجنود غير المدربين دروعاً بشرية، وأعاقت تقدم الجيش العراقي داخل العمق الإيراني، غير أنها لم تصمد طويلاً، فقد كان العراق، مع مرور الوقت، قادراً على التعامل مع هذه الموجات البشرية.

ونتيجة لذلك بدأ قادة إيران، ومع قرب نهاية الحرب، يتساءلون علانية عن جدوى تلك الاستراتيجية التي تم اعتمادها، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من الإيرانيين.

حزب الله اعتمد الاستراتيجية ذاتها في سنواته الأولى، فهو على الرغم من الدعم الإيراني لم يكن قادراً على مواجهة إسرائيل، لذلك كانت الهجمات الانتحارية حلاً مغرياً بالنسبة لقادة الحزب.

في العراق وعقب الغزو الأمريكي عام 2003، تبنت الجماعات السنية المسلحة التفجيرات الانتحارية، واستهدفت في بعض منها المناطق الشيعية، غير أن الشيعة لم يردوا عليها بتفجيرات انتحارية مماثلة، فهم كانوا يتصرفون من منطق قوة بعد أن آلت لهم السلطة.

ما يمكن قوله إن إيران وحزب الله وبقية المليشيات الشيعية التي دعمتها إيران، إنما لجأت إلى الهجمات الانتحارية عندما كانت في موقع ضعف وتشعر باليأس، ولكنها مع تمددها وتوسع نفوذها واستحواذها على أسباب القوة، تخلّت عن هذه الأيديولوجية.