فورين بوليسي: سوريا تسير ببطء نحو التقسيم
اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن الصراع في سوريا يدخل مرحلة ما يمكن تسميته بـ "الصراع المتجمّد"، في إشارة إلى أن الأمور بدأت تراوح في مكانها، وأن سوريا تتجه نحو التقسيم ولكن ببطء.
وفي الوقت نفسه بيّنت المجلة أن ألاعيب الرئيس فلاديمير بوتين في روسيا تقترب من نهايتها؛ فهو وقف إلى جانب النظام السوري وأسهم كثيراً بمنع سقوطه، إلا أنه الآن يشعر بضرورة أن يوزان بين دعمه للأسد وبين مصالحه الأخرى في المنطقة، وسوريا على وجه التحديد.
وتقول فورين بوليسي إن أكبر الخاسرين من هذا الواقع الذي بدأ أغلب الفاعلين الدوليين والإقليميين يقتنعون به هو إيران وسوريا؛ ففي الزيارة الأخيرة لبشار الأسد إلى روسيا، قال بوتين للصحفيين: إنه في "أعقاب النجاحات التي حقّقها الجيش السوري بمكافحة الإرهاب، ومع تفعيل العملية السياسية، فإن القوات الأجنبية المتمركزة في سوريا ستبدأ بالانسحاب".
وهذا يمثّل إشارة واضحة إلى أن موسكو ليست مهتمّة بمساعدة النظام السوري على استعادة كامل السيطرة على الأراضي السورية، بحسب المجلة.
وتتابع المجلة: "يعلم الجميع أنه في غياب الدعم الجوي الروسي فإن الجيش السوري لا يمكن له استعادة أي شبر من سوريا، كما حصل في حصار حلب وتدمير الغوطة الشرقية".
تصريح بوتين من وجهة نظر البعض يُقصد به القوات الأجنبية المعارضة للنظام، لكن المبعوث الروسي، ألكسندر لافرينتيف، قال إن الرئيس يشير إلى جميع القوات العسكرية الموجودة في سوريا، ومن ضمن ذلك القوات الأمريكية، والتركية، وحزب الله، والمليشيات الإيرانية.
مباشرة جاء الردّ الغاضب من طهران؛ التي قالت على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، بهرام قاسمي: إنه "لا أحد يمكن أن يجبر طهران على فعل أي شيء".
وترى المجلة أن التصريحات المليئة بالثغرات هي أحد المؤشّرات على الخلافات بين موسكو وبعض حلفائها حول مستقبل سوريا، فروسيا أعلنت موافقة غير معلنة لإسرائيل على تنفيذ عمليات جوية واسعة النطاق ضد أهداف إيرانية في دمشق، ومنحت الإذن للقوات التركية لإنشاء جيوب كبيرة بشمال غرب سوريا، وفي غضون ذلك رفض بشار الأسد طلباً روسياً يتضمّن صياغة دستور جديد يحدّ من سلطاته.
عندما تدخّلت روسيا في سوريا، في 30 سبتمبر 2015، خرج رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" اللبنانية المقرّبة من حزب الله، إبراهيم الأمين، بمقال افتتاحي بشّر فيه بتحالف دولي جديد تقوده موسكو؛ يضمّ روسيا وإيران وسوريا والعراق، وحزب الله في لبنان.
واليوم وبعد نحو ثلاثة أعوام على هذا التدخّل العسكري وهذه النبوءة التي أطلقها فإن الواقع بات أكثر تعقيداً، وتبدو روسيا قد حقّقت من تدخّلها ما تريد، وصنعت لنفسها وضعاً في داخل سوريا.
لقد نجحت روسيا في منع هزيمة الأسد، والآن بات النظام يسيطر على 60% من مجمل الأراضي السورية، وخاصة بعد إخلاء آخر جيب لوجود تنظيم الدولة قرب العاصمة دمشق، كما أن موسكو حافظت على قواعدها البحرية بطرطوس واللاذقية، وقاعدة حميميم الجوية، وباتت موسكو اليوم الوسيط القوي في الصراع السوري، ولديها القدرة على منح كلّ لاعب بسوريا جزءاً مما يريد.
ترغب روسيا في الحفاظ على الخلاف التركي مع بقية دول أعضاء حلف الناتو، وهو ما دفع بموسكو للقبول بوجود جيب تركي سنّي في شمال غربي سوريا يمتدّ من جرابلس ويستولي على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، وتركيا اليوم في المراحل النهائية لبناء 12 مركز مراقبة قرب إدلب، وكل ذلك ما كان للأتراك أن يحقّقوه لولا موافقة ضمنيّة من طرف الروس.
وأيضاً، تقول المجلة، إن روسيا تجاهلت الغارات الإسرائيلية واسعة النطاق على القواعد الإيرانية في سوريا، ولم تبذل دفاعاتها الجوية أي جهد لمنعها، وقد أوضح بوتين عقب زيارة قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لموسكو، بأن موسكو ليس لديها نية لتزويد نظام الأسد بنظام الدفاع الجوي "إس 300".
تضغط إيران حالياً على نظام الأسد من أجل شنّ هجوم على الجيوب التابعة للمعارضة المسلّحة في جنوب غربي سوريا، بيد أن الوحدات التي تدعمها إيران إذا ما قرّرت خوض مثل هذه المعركة فإنها ستكون عرضة للغارات الإسرائيلية، ولا يبدو أن روسيا مهتمّة بمنع ذلك.
في الشرق، وفق ما تقول المجلة، لا يبدو أن روسيا في عجلة من أمرها للدخول بصراع مع الولايات المتحدة وحلفائها الذين يسيطرون على نحو 30% من الأراضي السورية الممتدّة شرق نهر الفرات.
ومؤخراً أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن بلاده لن تغادر قريباً تلك المناطق، فهي المنطقة التي تشكّل الحاجز البري الأهم الذي يحول دون تحقيق إيران سيطرتها على ما يُعرف بالخط الذهبي؛ الذي يربط طهران بحزب الله في لبنان وسواحل البحر المتوسط مروراً بالعراق وسوريا.
وترى المجلة أن موسكو، بعد سنوات من تدخّلها العسكري في سوريا، تبدو قد حقّقت أهدافها إلى حدٍّ بعيد، وهي الآن ترغب بتحقيق التوازن بين دعمها لنظام الأسد وبين مصالحها الأخرى، ومن ضمن ذلك تقويض دول الغرب بسوريا، وأيضاً الحفاظ على علاقاتها مع القوى الإقليمية بالمنطقة، مثل "إسرائيل" وتركيا، ومن ثم فإن نتيجة هذه السياسة الروسية ستكون تقسيم سوريا.