الحرب تفقد العائلات السورية "اللمة" والطقوس في رمضان

الحرب تفقد العائلات السورية "اللمة" والطقوس في رمضان
الحرب تفقد العائلات السورية "اللمة" والطقوس في رمضان

للعام الثامن على التوالي يحل شهر رمضان المبارك على السوريين وهم يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة، خلفتها حرب ظالمة، يقودها رأس النظام "بشار الأسد" وحلفاؤه، على شعبه، الذي تجرأ ذات يوم على المطالبة بحقوقه وكرامته المهدورة منذ عقود، ليحول حياة هذا الشعب إلى مآس يومية، تجر الواحدة الأخرى بحزنها وكآبتها.


وتشير أم عصام (57 عاماً)، وهي ربة منزل من ريف القنيطرة، إلى أنها لم تعد تشعر بجمال شهر رمضان كما كان في السابق، لافتة إلى أن أهم ما تفقده في رمضان منذ ثلاث سنوات هو "لمة العيلة" حول مائدة الإفطار.

وقالت: "إن أول يوم في رمضان، منذ ثلاث سنوات، يتحول إلى يوم حزين في حياتي"، وذلك بعد أن تفرق شمل أسرتها، بين شهيد ومعتقل ومهجر، لافتة إلى أنها تتذكر مكان جلوس كل واحد من أبنائها، وحركاته، وكلماته المعتادة، ومزاحهم الذي كان يضيف البهجة على كل شيء في منزلها".

وأشارت، في حديث لـ "الخليج أونلاين"، إلى أنها كانت سعيدة بطلباتهم على المائدة، وتصنع لهم بأيديها كل ما يشتهون، لكنها الآن لم تعد تفعل ذلك، وأصبحت تأكل لقمتها بغصة، معجونة بدموعها حسرة على فراقهم، كما تقول.

وذكرت أن ابنها "عصام" استشهد في إحدى المعارك ضد قوات النظام، أما ابنها الثاني "همام" فما زال معتقلاً منذ ثلاث سنوات بتهمة الانتماء إلى فصيل مسلح، فيما غادر ابنها الثالث "سلام" سوريا قبل عامين تهريباً إلى تركيا، ولم تعد تعرف عنه شيئاً إلا عن طريق الجوار وسماع بعض رسائله الصوتية التي يرسلها لجاره.

فيما أكد سامر الفوزي (25 عاماً) وهو ينتمي إلى أحد الفصائل العاملة في ريف القنيطرة جنوبي سوريا، أنه لم يستطع أن يجتمع مع أفراد أسرته على مائدة واحدة منذ أربع سنوات، علماً أنه يعيش معهم في نفس المحافظة، ولا يبعد عنهم سوى كيلومترات قليلة.

وقال: "إن اختلاف الولاءات والانتماءات، التي فرضتها الحرب على الشعب السوري، تحرم على أفراد الأسرة الواحدة اللقاء على مائدة واحدة رغم قرب المسافات".

"أخاف أن أموت، ولا ألتقي بأهلي وأقاربي ثانية"، هكذا بدأ علي الخالد العائد من رحلة لجوء قادته إلى الأردن، وانتهت به على الحدود السورية -الأردنية المشتركة (حديثة).

وأضاف الرجل الثلاثيني، في حديث لـ "الخليج أونلاين"، أنه سادس رمضان يمر عليه وهو بعيد عن والديه العجوزين، وإخوته وأقاربه، رغم أن المسافة التي تفصله عنهم لا تستغرق سوى ساعات قليلة.

وأوضح أنه غادر محافظة حمص إلى الأردن قبل ست سنوات هرباً من بطش قوات الأسد، وعاد إلى سوريا العام الماضي، على أمل أن ينضم إلى باقي أفراد عائلته، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى بغيته؛ لأن رحلته من الجنوب إلى الشمال محفوفة بالمخاطر، لكونه مطلوباً للأجهزة الأمنية.

وأشار إلى أن أكثر ما يتمناه في رمضان هو الجلوس مع والديه وباقي أفراد أسرته على مائدة الإفطار، التي افتقدها منذ رحيله عنهم في العام 2013، لافتاً إلى أن ذكريات رمضان تشعل الحنين بقلبه إلى كل مكونات منزل العائلة، وإلى طبخات الوالدة، وجلسات الإخوة والأخوات، وسهرات العائلة الرمضانية وملاعب الطفولة والشباب.

-أسواق رمضانية خجولة
ويقول الناشط عمران الأحمد: "إن الشعب السوري فقَدَ الفرح منذ نحو ثماني سنوات تقريباً، وبات أفراده يستكثرون على أنفسهم حتى مجرد تبادل الابتسامات البريئة، بعد ما حل بهم من مآسٍ"، لافتاً إلى أن "الحزن والفقر والحرمان ثلاثية مقيتة، تجثم بكامل ثقلها على حياة السوريين، وتجعلهم يفقدون الرغبة في كل شيء".

وأشار، في حديث لـ "الخليج أونلاين"، إلى أن المناسبات السعيدة، وحتى الروحية منها، في سوريا، فقدت بهجتها وطقوسها وألوانها، بعد هذا الكم الهائل من القتل، والتدمير، والتشريد، والاعتقال، الذي شهدته البلاد على مدار السنوات الماضية من عمر الثورة.

ويشير أحمد حجاب (55 عاماً)، وهو تاجر مواد غذائية، يتنقل بين المناطق المحررة ومناطق النظام، إلى أن أسواق معظم المدن والقرى السورية فقدت بريقها وازدحامها خلال شهر رمضان، لافتاً إلى أن "مشتريات الناس أصبحت قليلة جداً، وهي تتركز فقط على شراء المواد الأساسية والضروريات".

وأضاف: "أسواق المدن الكبرى، وحتى أسواق القرى والبلدات، كانت لا تهدأ في رمضان، وتبقى مفتوحة ومزدحمة إلى ساعة متأخرة من الليل، لكنها الآن بسبب الحرب تغلق أبوابها مع حلول الظلام"، مشيراً إلى أن الأمر ينسحب على جميع الأسواق السورية، سواء أكانت في مناطق النظام، أم في مناطق المعارضة.

وعزا حجاب، في حديث لـ "الخليج أونلاين"، التراجع في حركة الأسواق، إلى ارتفاع الأسعار الذي يتزامن مع تراجع القوة الشرائية لليرة السورية، وقلة المداخيل، وضعف الموارد الاقتصادية، موضحاً أن "ظروف الحرب الصعبة ألزمت السوريين باختصار مشترياتهم، والتقليص من احتياجاتهم، والاكتفاء ببعض أصناف الطعام الرخيصة".

- الحرب قلصت فرحة رمضان
الباحث في التراث محمد الأحمد أشار إلى أن الحرب غيرت الكثير من العادات والطقوس المتوارثة، ولا سيما في المناسبات كمناسبة شهر رمضان.

وقال: "إن الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها معظم المناطق السورية قلصت من السهرات المعتادة خارج المنازل خلال الأيام الرمضانية، كما أنها حدت من صلاة التراويح، ومن الدروس الدينية في المساجد خشية القصف والاستهداف".

وأضاف: "إن الظروف المادية والاقتصادية السيئة لغالبية الشعب السوري الذي يرزح نحو 85٪ منه تحت خط الفقر، حدت من عادات التسوق وتحضير أنواع مختلفة من الطعام، كما غيبت موائد البذخ التي اشتهر بها الشعب السوري عبر تاريخه الطويل".

وتابع بالقول: "لم نعد نجد "موائد الرحمن" التي كان يقيمها أصحاب الفعاليات الاقتصادية، في العديد من المدن السورية خلال شهر رمضان للفقراء وعابري السبيل، كما لم نعد نجد أي أثر "للخيم الرمضانية" التي كانت تقام في الشوارع في مثل هذه الأيام".

يشار إلى أن شهر رمضان، ورغم تراجع حدة المعارك، وتقليص نطاق الاستهداف للمناطق السكنية، حل كئيباً هذا العام، كما في الأعوام السابقة للحرب، ولم يجد من السوريين من يستقبله بتلك الحفاوة التي اعتاد عليها، وذلك بسبب حجم الحزن، والفقر، وضيق ذات اليد، التي سببتها الحرب.