لقاء سرّي جديد .. ما الذي تخطط له دول الحصار بعد عام من الفشل؟
بعد عام من بدء الأزمة التي افتعلتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر مع دولة قطر، يواصل قادة هذه الدول عقد اجتماعاتهم لترتيب خططهم خلال الفترة المقبلة على ما يبدو، لكن بشكل سري على غير العادة.
في الأسابيع الأولى للأزمة التي بدأت في 5 يونيو 2017، وما زالت مستمرة حتى اللحظة رغم كل محاولات حلها، كان وزراء خارجية دول الحصار يجتمعون هنا، ويعقدون مؤتمراً صحفياً هناك وكأنهم في حالة حرب، قبل أن تتراجع وتيرة الاجتماعات وتخفت المؤتمرات وكأن شيئاً لم يكن.
ما كان يتم في العلن خلال العام الماضي، يبدو أنه أصبح يتم في الغرف المغلقة وتحت مظلة من السرية، بعدما أصبحت كل الخطط مكشوفة لكنها لا تصل إلى أهدافها.
بدر العساكر، مدير مكتب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، نشر صورة على موقع "تويتر" تجمع محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وملك البحرين حمد بن عيسى والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقال إن هذه الصورة كانت خلال لقاء ودي في ضيافة الرئيس المصري.
- إعلان غير رسمي
لكن العساكر، الذي غرّد في السابع عشر من مايو الجاري، لم يحدد مكان اللقاء ولا موعد انتهائه، فقد اكتفى فقط بالقول إنه لقاء ودي يستمر في ضيافة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
هذا اللقاء الذي لم تتداوله وسائل إعلام أي من دول الحصار، وكشف عنه موظف حكومي وليس وكالة أو مؤسسة رسمية، يثير كثيراً من التساؤلات حول ما جمع هؤلاء جميعاً سراً في مكان لم يعرف بعد.
وقد جرت العادة أن تُعلن وسائل الإعلام الرسمية في هذه الدول الزيارات الرسمية أو الخاصة لهم، بمجرد مغادرتهم للبلاد، إلا أن أي وسيلة إعلام من تلك الدول لم تعلن عن ذلك.
ويعيد هذا الاجتماع السري إلى الأذهان ما كشفه الصحفي البريطاني المعروف ديفيد هيرست، عبر موقع "ميدل إيست آي"، عن قمة سرية عقدت أواخر 2015، على متن يخت في البحر الأحمر. وقال إنها كانت لترتيب تحالف جديد يصبح بديلاً لمجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.
ونقل الموقع في 20 مارس الماضي، في تقرير حصري عن مصدرين مطّلعين على ما دار في الاجتماع، أن اللبناني جورج نادر، صاحب فكرة التحالف وترتيب القمة السرية، اقترح على الزعماء الحضور تشكيل تحالف "إقليمي نخبوي" من 6 بلدان؛ بهدف الإطاحة بالجامعة العربية ومجلس التعاون.
وقال المصدران في حينه إن نادر أكّد للزعماء أن التحالف المقترح يمكن أن تعتمد عليه الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة نفوذي تركيا وإيران، وإنه سيتولّى الترويج للتحالف في واشنطن.
وذكر الموقع أن القادة العرب الذين حضروا "قمة اليخت السرية" من دول السعودية، والإمارات، والبحرين، والأردن، ومصر، بهدف التآمر لمواجهة ما سموه النفوذ التركي والإيراني، واستبدال مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية بكيان جديد.
قد يكون هذا اللقاء الأخير واحداً من حلقات مسلسل قمة اليخت الذي تحدث عنه هيرست، وقد يكون غير ذلك، لكن الأكيد أنه لم يكن لقاء لتبادل النكات أو لتمضية الوقت في الحديث عن الذكريات، فهؤلاء الثلاثة (محمد بن زايد، محمد بن سلمان، عبد الفتاح السيسي) لا يضيعون وقتاً ويتحركون بسرعة الضوء في سبيل تحقيق خططهم، بغض النظر عن تداعياتها.
- تحالف جديد يتعاظم
لا شك أن هناك تحالفاً إماراتياً سعودياً مصرياً ظهر دوره في الانقلاب العسكري الذي قاده السيسي عام 2013 ضد الرئيس المعزول محمد مرسي، وبدعم سياسي ومالي من الرياض وأبوظبي. لكن السنوات اللاحقة أكدت وجود بصمة لهذا التحالف في كل قضية من قضايا المنطقة.
هؤلاء الأشخاص الثلاثة ضالعون في كل أزمة وحاضرون في كل خلاف ومتورطون في كل اقتتال، كما تشير الوقائع؛ فمن ليبيا إلى اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق والسودان والصومال، وحتى محاولة الانقلاب الفاشل التي جرت في تركيا عام 2016 لم تكن بعيدة عنهم، والتي كان فيها تلميح واضح من قبل أنقرة في حينه.
القضيتان الرئيسيتان اللتان تشغلان تحالف الرياض أبوظبي القاهرة، هما قضيتا فلسطين وقطر؛ إذ لا تتوقف هذه الدول، عبر ساستها ووسائل إعلامها ومثقفيها، عن السعي لإخضاع الفلسطينيين وإجبارهم على قبول ما يقدمه لهم المحتل، كما أنها لا تتوقف، وعبر نفس الوسائل، عن محاولة زعزعة استقرار قطر والنيل من وحدتها الداخلية عبر ترويج الشائعات وتشديد الحصار.
ولا يمكن الجزم بطبيعة ما دار في هذا اللقاء الأخير، لكن ما يمكن تأكيده أنه لم يكن بعيداً عن قضية الحصار الذي بدأ فشله يتجلى يوماً يعد يوم، وراح يفقد مفعوله السياسي والاقتصادي وكأنه كان دواءً مغشوشاً لمرض غير موجود.
كانت دول الحصار تعتقد أن القيادة القطرية ستخضع في يومين أو ثلاثة أو في أسبوع على أقصى تقدير، لكنها، وعلى خلاف ما اعتقدت، واجهت صلابة سياسية واقتصادية وتحركات دبلوماسية أثبتت أن الدول لا تقاس بالمساحة كما قال وزير خارجية قطر الأسبق.
قبل أيام قليلة أرسلت دول الحصار رسالة غير مباشرة إلى القيادة، وذلك عبر توصيات خرجت بها جلسة نقاشية نظمها مركز الإمارات السياسي المحسوب على حكومة أبوظبي، وحضرها مستشارو زعماء بعض دول الحصار وكتّاب قريبون جداً من دوائر صنع القرار في هذه الدول.
الرسالة كان مفادها أنه إذا أنهت قطر علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين فإن الدول الأربع قد تتجاوز عن الاثني عشر مطلباً المتبقية من المطالب الثلاثة عشر التي طرحتها في أول الأزمة ورفضتها قطر بشكل تام وقالت إنها غير قابلة للنقاش.
لم ترد الدوحة على الرسالة لكونها لم تأت عبر قناة اتصال رسمية أو عبر وسيط سياسي، وإنما جاءت من خلال عدد من الأذرع التي لا تزيد الأزمة إلا اشتعالاً، كما لم تعلّق دول الحصار على هذه الرسالة رفضاً أو قبولاً.
وحالياً يأتي اللقاء الأخير الذي كشفه بدر العساكر، في وقت تشتعل فيه المواجهات بين قوات الاحتلال والفلسطينيين في قطاع غزة، تزامناً مع ذكرى النكبة وأيضاً مع نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
وتواترت تقارير بشأن ضغط عربي من خلال مصر على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لوقف مسيرات العودة الكبرى التي لم تتوقف منذ مارس الماضي، والتي جلبت انتقادات حادة للعرب ولإسرائيل على حد سواء، وأثبتت أن القضية الفلسطينية حية لم تمت.
موقف زعماء الدول الأربع من القضية لا يخفى على أحد، وهو على العكس تماماً من الموقف القطري الذي يرفض "صفقة القرن"، ويندد بمجازر الاحتلال ويطالب بدولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية، في حين أعربت مملكة البحرين قبل أيام عن قناعتها بحق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها.
وقبل أقل من شهر، قال محمد بن سلمان إن على الفلسطينيين أن يقبلوا بما تعرضه عليهم إسرائيل أو يكفوا عن الشكوى.
وإذا كانت دول الحصار تسعى لتمرير صفقة القرن إرضاءً لأمريكا و"إسرائيل"، وتتعمد أيضاً إطالة أمد الأزمة لإرهاق قطر، فإن هذا الاجتماع السري الأخير تناول بلا شك كيفية الضغط على الجانب الفلسطيني لتمرير ما يريده دونالد ترامب، وأيضاً سبل تعزيز الضغط على قطر وإطالة الأزمة بما لا يغضب الأمريكيين الذين يطالبون بالإنهاء، دون أن يصدروا أمراً مباشراً بإنهائه.
ومن الممكن أن يكون اللقاء قد تناول أيضاً إلى جانب بحث سبل الضغط على قطر، هذا المحور الذي تحدث عنه هيرست في السابق، خاصة أن العلاقات الأمريكية التركية ليست في أفضل حالاتها فضلاً عن التوتر القائم بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني.
هناك أيضاً القوة العربية التي تسعى واشنطن لتأسيسها في سوريا بديلاً عن قوتها الموجودة هناك، وهي بلا شك محل نقاشات قادة الدول الأربع، بالإضافة إلى انتخابات الرئاسة المفترضة في ليبيا، والوضع العكسري المتدهور في اليمن، والخلاف الإماراتي اليمني بسبب سقطرى، وكلها أمور ليست بعيدة عن الذين التقوا في ضيافة السيسي.