تدعمها المليشيات .. ما سرّ الفساد في مصارف العراق الأهلية؟
عشرات المصارف الأهلية تأسست في العراق عقب غزو البلاد عام 2003، في وقت يعتبر الأخطر لعمل مثل هذه المؤسسات الاقتصادية المهمة؛ إذ تحولت البلاد بعد هذا التاريخ لساحة اقتتال داخلي كانت الأبرز في المنطقة والعالم.
لكن السبب، بحسب مختصين ومطلعين على واقع هذه المصارف، يعود للفساد الذي استشرى بشكل كبير في داخل المؤسسات بالبلاد، وسمح بتهريب العملة وغسل الأموال.
ويؤكد مراسل "الخليج أونلاين" في بغداد، لكونه يحضر مؤتمرات ومناسبات تقيمها مصارف خاصة، أن بعض المصارف تدعم جهات إعلامية، وتغدق على صحفيين بهدايا ومبالغ مالية، لكي لا تتناول فساد هذه المصارف.
وبحسب اقتصاديين، فإن المصارف دائماً تعمل في جو من الأمن للحفاظ على قوتها الاقتصادية، واستغلالها في دعم مشاريعها.
ويرى الباحث الاقتصادي عباس عبد الرحمن أن "العراق لم يمر منذ 2003 حتى اليوم بوضع آمن يفسح المجال لانتشار المصارف الأهلية"، بحسب قوله.
وأوضح أن "أي مشاريع مدعومة من قبل المصارف الأهلية لم نشاهدها على أرض الواقع، لنحكم بأنها تعمل في العراق وتربح من هذه الأعمال"، لافتاً النظر إلى أن هذه المصارف "تربح كثيراً من خلال عمليات بيع العملة وتهريبها وغسل الأموال".
مراسل "الخليج أونلاين" يؤكد، من خلال تقصيه عن عمل عدد من المصارف الأهلية، أن موظفين في بعض هذه المصارف "أسسوا ثروة كبيرة" في خلال فترة عمل قصيرة لا تتعدى السنتين، مشيراً إلى أنهم يعملون في وظائف بسيطة لكنها مرتبطة بإدخال مبالغ في حسابات أشخاص.
الحديث عن عمليات غسل أموال وتهريب عملة تتبناها مصارف أهلية في العراق، أكدها في وقت سابق مسؤولون في الدولة، ومختصون في العمل المصرفي، لكنها لم تشر بصراحة إلى مصارف بعينها.
لكن مواطنين على علاقة بهذه المصارف يتحدثون عن وقوف مصارف أهلية خلف عمليات فساد كبيرة، وهو ما تثيره باستمرار وسائل إعلامية ومواقع تواصل اجتماعي.
ومطلع مايو الجاري خرج متظاهرون من عشيرة "شمر" أمام مصرف الشرق الأوسط، في العاصمة بغداد، وهو أحد المصارف الأهلية، يتهمونه بالوقوف خلف وفاة أحد أبناء العشيرة بسبب تصفير حسابه.
وطالب المتظاهرون الجهات الرسمية بإلقاء القبض على مدير المصرف حيدر غلام، وعدد من الموظفين؛ معتبرين أنهم وراء موت ولدهم.
وعلى الرغم من حضور وسائل إعلام مرئية للتظاهرة، وحديث المتظاهرين عبرها لكن لم تبث هذه التظاهرة على الهواء!
ويقول إسماعيل ابراهيم حمزة، شقيق محمد، الذي يُتهم مصرف الشرق الأوسط بالتسبب بوفاته، إن شقيقه انتحر بعد عودته من المصرف المذكور دون أن يشكو من قَبل من أي عارض ينبئ عن حالة نفسية يعانيها.
وأضاف إسماعيل: إن "شقيقي محمد (43 عاماً) كانت تربطه علاقة عمل بوسام شاكر، عضو مجلس إدارة المصرف ومدير قسم المزاد، وأخبرني أن رصيد شقيقي صفر دينار. كان الأمر مفاجئاً لي؛ فأنا على علم بأنه يملك 8 مليارات دينار عراقي (نحو 6 ملايين و756 ألف دولار)".
أشار إسماعيل إلى أنه حاول أن يحصل على كشف حساب لرصيد شقيقه المتوفى فلم يستجب له المسؤولون في المصرف.
وتابع يقول: "سألت عن وسام جابر وشاكر جابر وهما مسؤولان عن الحسابات في المصرف، فعلمت بأنهما يتمتعان بإجازة من تاريخ انتحار أخي".
إسماعيل قال أيضاً إن شقيقه "لم يكن يكتب اسمه الصريح على قسيمة إيداع المبالغ، وكان يقول إن المسؤولين في الحسابات يتعاملون معه بثقة عالية".
واستطرد قائلاً: "بعدما وجدت أنا وأقاربي تجاهل المصرف لطلبنا في فتح كشف حساب شقيقي قانونياً، تأكد لنا أن المسؤولين في المصرف وراء انتحار أخي، وأن سراً في الأمر لا نستطيع معرفته".
وفقاً لهذه التصورات، يقول إسماعيل: "حشدنا أقاربنا من عشيرة شمر للتظاهر أمام مصرف الشرق الأوسط، وحضرت عدة وسائل إعلام، وناشدنا من خلالها أن تتحمل الجهات الحكومية مسؤوليتها وتحقق مع المسؤولين في مصرف الشرق الوسط".
واستدرك قائلاً: "لكن الغريب في الأمر أن أياً من هذه الفضائيات لم تبث تظاهرتنا؛ وعلمنا فيما بعد أن رجال أمن المصرف تحدثوا مع القنوات التي غطت المظاهرة، ويبدو أنه تم تهديدهم".
ونشرت حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً ومقاطع فيديو للتظاهرة، التي بدت سلمية وطالب أصحابها بإيصال أصواتهم للجهات المختصة.
ويقول الشيخ سمير عرابي الشمري، أحد شيوخ عشيرة شمر، إنه يطالب بوضع وزارة الداخلية اليد على مصرف الشرق الأوسط بتهمة "غسل الأموال".
الشمري قال إن ابن عشيرته الذي انتحر كان من رجال الأعمال المعروفين في السوق العراقي، مؤكداً أن رصيده ثمانية مليارات دينار من أمواله وأموال آخرين يعمل معهم.
وأضاف: "بعد أن سرق المصرف هذا المبلغ انتحر ولدنا؛ وعليه نطالب وزير الداخلية بفتح تحقيق مع كل من المدعوين علي غلام وحيدر غلام وشاكر جابر ووسام جابر (مسؤولون في المصرف)".
وللمليشيات وشخصيات متنفذة داخل الدولة علاقة بغسل الأموال وتهريب العملة، بحسب ما يذكر مصدر من داخل وزارة الداخلية.
المصدر وهو ضابط أشرف على تحقيقات حول الجريمة الاقتصادية، قال لـ"الخليج أونلاين" طالباً عدم الكشف عن هويته: إن "العديد من المصارف الأهلية هي عبارة عن مواقع لتهريب العملة وعمليات غسل الأموال، وهم يتمتعون بالحماية من قبل مليشيات وشخصيات كبيرة ولها نفوذ في البلاد".
وأشار إلى أن "مشاريع موجودة على الورق فقط تقول هذه المصارف إنها تنفذها، ومن ثم فإن المبالغ التي تدخل هذه المصارف على أساس أنها يتم تشغيلها في هذه المشاريع تهرب إلى خارج البلاد".