رغم خلافهما .. كيف أصبح جيمس ماتيس الناجي الوحيد من إقالات ترامب؟
قالت سوزان جلاسر في مقال لها في مجلة «ذا نيويوركر»: إن الرئيس ترامب سارع للتغطية على أنباء تفتيش مكتب التحقيقات الفيدرالي مكتب أحد محاميه عبر الأخذ بنصيحة أحد مستشاريه الجمهوريين بضرورة «تأديب النظام السوري» على خلفية مجزرة السلاح الكيميائي في دوما، والتي أودت بحياة عشرات المدنيين.
فبعد تأثره بالصور الصادمة للأطفال القتلى، غرد ترامب على «تويتر» ناعتًا الأسد بـ«الحيوان»، ومهاجمًا روسيا وإيران لدعمهما النظام السوري. وقد اتفق جون بولتون – مستشار الأمن القومي الجديد لترامب – مع الرأي القائل بضرورة توجيه ضربة عسكرية «تكون أقوى من التي نُفذت العام الماضي» لشل قدرات الأسد على استخدام السلاح الكيميائي، وهو ما تم بالفعل. بيد أن المؤشرات الأولية تؤكد أن الأمر لم يكلل بالنجاح.
اقتصر الهجوم الغربي الذي وقع مساء الجمعة – 13 أبريل (نيسان) – على إطلاق صواريخ على ثلاث منشآت لتصنيع السلاح الكيميائي تابعة لنظام الأسد. وتؤكد سوزان على أن الهجوم تحاشى الاقتراب من أية منشآت يتواجد فيها إيرانيون، أو روس؛ تجنبًا لإشعال فتيل حرب إقليمية. وعلى الرغم من أن الهجوم كان أشد من هجوم العام الماضي، لكنه لم يكن حاسمًا مثلما بدا في خطاب ترامب لإعلان بدء الهجوم.
والسبب في ذلك – كما تقول سوزان – هو وزير الدفاع جيمس ماتيس؛ فعلى الرغم من خلافاته المستمرة مع إدارة أوباما لرغبته في اتخاذ موقف حازم من طهران، إلا أن الجنرال المتقاعد ذا الأربعة نجوم تحول إلى «حمامة سلام» في إدارة ترامب. إذ كان ماتيس متحفظًا أيضًا على هجوم العام الماضي؛ وذلك بسبب غياب استراتيجية شاملة للتعامل مع الملف السوري. ومنذ ذلك الحين – تشير سوزان – كانت هناك مناسبات عديدة أخرى طالب فيها ترامب بعمل عسكري فقط على سبيل معارضة وزير الدفاع الهادئ. وقد تكرر ذلك الأسبوع الماضي بغرفة العمليات في البيت الأبيض؛ إذ كان ترامب يميل إلى ضربة أوسع نطاقًا، لكنه أذعن إلى الوزير ماتيس، وفق ما ذكره المستشار الجمهوري.
ربما يكون وزير الدفاع قد انتصر هذه المرة، لكن الأنباء المسربة من البيت الأبيض عن الخلاف بين الرجلين جعلت المسؤولين يتساءلون: بأي ثمن؟ تقول سوزان: «إن خبراء السياسة الخارجية قلقون من أن ترامب سيسأم في النهاية من ماتيس، مثلما حدث مع كبار المستشارين الآخرين، على الرغم من أن مسؤولي البيت الأبيض ينكرون وجود خلاف بين الرجلين».
إن الخلاف بينهما يشمل قائمة طويلة من القضايا – تنوه سوزان – فمن تهديد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، إلى اعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل، والانسحاب من معاهدة تغير المناخ العالمي، وفرض التعريفات التجارية، حيث يشاع أن ماتيس يعارض علانية رئيسه المولع بالولاء. تعليقًا على ذلك يقول أحد خبراء الأمن القومي: «إما أن نستنتج أن نفوذه كبير جدًا بسبب ما وصل إليه الحال في سوريا. أو أنها بداية النهاية لوجوده في إدارة ترامب».
لقد أكد الهجوم الأخير على سوريا انحسار نفوذ مستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض – تشدد سوزان – فقبل الهجوم بشهر بالضبط، أقال ترامب وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وعين بدلًا عنه مدير الاستخبارات المركزية مايك بومبيو، تبع ذلك عملية إحلال وتجديد استمرت لأربعة أسابيع. فبعد الإطاحة بتيلرسون، أقيل مستشار الأمن القومي ماكماستر بشكل مفاجئ. وجرى اختيار جون بولتون – الشخصية المثيرة للجدل الذي منعه رئيس هيئة الأركان جون كيلي من العمل في المكتب البيضاوي في الصيف الماضي – لهذا المنصب من قبل ترامب نفسه في ما اعتبره الكثيرون توبيخًا لكيلي، الذي من المنتظر أن تتم إقالته قريبًا.
عندما وصل بولتون إلى البيت الأبيض ليخلف ماكماستر، قام على الفور بإقالة مستشار الأمن الداخلي، توماس بوسرت، وكلٍّ من نائبي مستشار الأمن القومي، والمتحدث باسم مجلس الأمن القومي. وحشد مساعدين آخرين في اجتماعات الحرب الخاصة بسوريا. في هذه الأثناء، وقع كلٌّ من كيلي وسفيرة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هبلي في مرمى نيران معركة الإقالات.
نجا ماتيس من مذبحة الإقالات بسلام، ولكن يبدو أيضًا أن نفوذه قد تضاءل بطرق لم تتضح بعد بالكامل: فهل سيثبت بومبيو أنه حليف أو منافس لوزير الدفاع؟ تتساءل سوزان. وهل سيكون بولتون، بعد أن خسر الجولة الأولى في سوريا، أكثر نجاحًا ضد ماتيس في النزاعات السياسية المستقبلية؟ هل قرر ترامب أخيرًا التخلص من ماتيس الذي اختلف معه كثيرًا؟ سرعان ما أطلق الديمقراطيون القلقون والجمهوريون المناهضون لترامب على الفريق المتشدد الجديد المكون من بولتون وبومبيو بـ«حكومة الحرب» وحذروا من تبني ترامب للبديل العسكري في حل النزاعات الدولية. لكن سوزان ترى أنهم لا يملكون محاربًا فعليًا ضمن الفريق. ويقول جوليان سميث، وهو مسؤول بارز سابق في البنتاجون، وأصبح لاحقًا نائب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق جو بايدن: «قد يكون ماتيس آخر رجل يصمد، ولكن إلى متى؟».
عُرف كل من ماتيس وتيلرسون وماكماستر في الإعلام بأنهم «محور الكبار»، الذين سيتعاونون مع كيلي لكبح جماح رئيس متهور وقليل الخبرة.
وما زال الكثيرون يعتقدون ذلك. لكن سوزان تكشف أن مسئولين سابقين في البيت الأبيض والبنتاجون ووزارة الخارجية، بالإضافة إلى مستشارين آخرين مقربين من أطراف النزاع قد أكدوا لها أن الأمر ليس على هذا النحو. إذ كان ماكماستر قد اختلف مع ماتيس وتيلرسون حول النفوذ، كان نزاعهم على الأقل جزئيًا حول ترامب نفسه، وحول كيفية إرضاء الرئيس الغاضب معظم الأحيان الذين أقسموا على مساعدته. صرح مسؤول حكومي سابق لسوزان بالقول: «يتبع ترامب نهج التنمر تجاه العالم. فعندما يغضبه أحدهم، يسارع إلى إبداء رغبته في لكمه».
اشتعلت الحرب بين «محور الكبار» حول كيفية التعامل مع ترامب – تؤكد سوزان. فهل يجب الاستسلام أمام نوبات غضب الرئيس؟ وإيجاد طريقة لإلهائه عندما يطالب بمهاجمة السفن الإيرانية في الخليج؟ أو مناقشة الخيارات العسكرية علانية في فنزويلا دون سابق إنذار؟ كان كل ذلك يتعارض مع سير الأحداث العالمية التي لا تنتظر البيت الأبيض كي يحدد سياسة للتعامل معها، بدءًا من التوترات المتصاعدة مع روسيا إلى الحرب الأهلية السورية.
سعى كل من ماتيس وتيلرسون بدرجات متفاوتة إلى كبح جماح ترامب. لكن ماكماستر سعى إلى تلبية مطالب الرئيس التعجيزية؛ مما أثار غضب حلفائه. تؤكد جلاسر أن المسئول الحكومي السابق أخبرها أن «الجنرال ماكماستر يحاول إيجاد طريقة لتنفيذ طلبات ترامب، وليس معارضته». لكن حلفاء ماكماستر يلقون باللائمة على تيلرسون وماتيس «عصابة الاثنين» كما يسمونهما، «لقد علق ماكماستر في الوسط. فالرئيس يريد استراتيجية، ومن الصعب وضعها بدون وزير الخارجية».
تقول سوزان إنها سمعت قصصًا عن الصراع في البيت الأبيت جعلتها تتساءل كيف يتمكن هؤلاء المسؤولون من التفكير في أمور الدولة. على سبيل المثال، لم يكن تيلرسون يثق بالسيدة هيثر ناويرت، مذيعة «فوكس نيوز» السابقة التي أرسلها البيت الأبيض لتكون المتحدثة باسمه، لدرجة أنه لم يسمح لها بالسفر معه، على الرغم من المناشدات المتكررة. ويعتقد مستشاروه المقربون أنها كانت تشي به لدى ترامب أملًا في أن تحل محله. «يبدو أن البيت الأبيض قد أكد ذلك؛ ففي غضون ساعات من إقالة تيلرسون، أقيل المشرف على مكتب نوير وعُينت مكانه».
كان تيلرسون قد أخبر المقربين منه بأن ماكماستر وهيلي أوعزا إلى ترامب بإقالته في اجتماع المكتب البيضاوي يوم الجمعة قبل إقالته يوم الاثنين. وقال مسؤول سابق في وزارة الخارجية لسوزان: «ظن الجميع أن ماكماستر وكيلي يقفان وراء ذلك». ولكن حينئذٍ، كان كيلي يسعى للتخلص من ماكماستر؛ مما جعل الأخير يعتقد أن كيلي كان مسؤولًا عن انقلاب ترامب ضده في الأيام التي أعقبت إقالة تيليرسون، زاعمًا أن كيلي قال إن مستشار الأمن القومي مسؤول عن تسريب جانب من محادثة حذر فيها ترامب من تهنئة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد فوزه في الانتخابات. وتؤكد سوزان أنها سألت مستشار ترامب عما إذا كان التسريب إلى صحيفة «واشنطن بوست» قد دفع نحو إقالة ماكماستر المفاجئة. فكان رده «حسنًا، لقد كان ذلك الأربعاء. وقد أقيل يوم الخميس».
وفي النهاية، فاجأ ترامب كلا الجانبين واختار بولتون، وهو شخصية محافظة ومثيرة للانقسامات، وكان قد فشل في الحصول على تأييد مجلس الشيوخ كي يكون سفيرًا لأمريكا في عهد جورج دبليو بوش. وقال عضو جمهوري: «بصرف النظر عما كان يخطط له البعض، فقد توقف المخطط بالقرار الذي اتخذه ترامب». وقد عبر أحد حلفاء ماكماستر بأسى لجلامر بالقول: «لم يعتقد جون كيلي أن هناك فرصة قط لتعيين بولتون. ولا شك أنهم في أشد الندم على رحيل ماكماستر الآن».
يزعم العديد من مستشاري ترامب أن التغييرات سيكون لها أثر إيجابي يؤدي إلى التوافق بين وزير الخارجية والرئيس. «يعتقد العالم أن وزير الخارجية متحدث باسم الرئيس. ولكن اتضح أن هذا لم يكن الوضع مع وزير الخارجية تيلرسون». يقول السيناتور توم كوتون الجمهوري من ولاية أركنساس، الذي أصبح واحدًا من أقرب مستشاري ترامب حول السياسة الخارجية: «ولكن أنا واثق من أن هذا سيكون الحال بين مايك بومبيو والرئيس».
كيف سيتأقلم ماتيس مع هذا الوضع الجديد؟ تتساءل جلاسر. وقد أتاها الرد من أحد مستشاري ترامب «فيما يتعلق بالسياسة، ستكون علاقة ماتيس ببومبيو أضعف مما كانت عليه مع تيلرسون». ويرى أن هذا جيد.
لم توقف كل هذه التطورات عجلة السياسة الأمريكية – تشدد سوزان – إذ استضاف ترامب ولي العهد السعودي، وزعماء دول البلطيق الثلاثة المتاخمة لروسيا، وأمير قطر، ورئيس وزراء اليابان. كما التقى بومبيو سرًا بزعيم كوريا الشمالية. وفي الأسبوع المقبل، سيستضيف ترامب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع إقامة حفل عشاء في البيت الأبيض وإلقاء ماكرون خطاب أمام الكونجرس. وبعدها بأيام قليلة، ستأتي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى أمريكا. وفي شهر مايو (أيار) المقبل سيحدد ترامب مصير الصفقة النووية الإيرانية. وفي أوائل يونيو (حزيران) ستُعقد قمة غير مسبوقة مع زعيم كوريا الشمالية.
بالنسبة إلى الدبلوماسيين المحترفين المهتمين بالبروتوكول، فقد حدثت أزمة كبرى بسبب عمليات الإحلال والتجديد في المناصب مع وجود وظائف شاغرة. صرح مسؤول غربي كبير شارك في الاجتماعات سالفة الذكر لسوزان بالقول «المشكلة هي أنه لا يوجد أحد يمكن العمل معه».
راقب الأوروبيون عملية التطهير باهتمام بالغ، في محاولة لشرح ذلك لعواصمهم. قال أحد الدبلوماسيين الغربيين: «لقد أخبرتهم أن ترامب أمسك بالسلطة منفردًا. كان ماكماستر وتيلرسون يحاولان كبح جماحه. لكنه قرر أن هذا لا يعجبه. ومهمة الفريق الجديد الذي عينه هي السمع والطاعة».
بعبارة أخرى: فإن الوقت ليس مناسبًا لإقامة استقبال باذخ لماكرون. قال مسؤول فرنسي رفيع لمسؤول أمريكي سابق «نحن مرعوبون من هذه الزيارة. فهي صفقة خاسرة بالنسبة إلى ماكرون». تؤكد سوزان على أن ترامب لا يحظى بشعبية كبيرة في فرنسا، وعندما يزور ماكرون أمريكا، اتفق الطرفان بالفعل على عدم إصدار بيان مشترك «على ضوء كل الخلافات» بين الجانبين.
تتمثل مهمة ماكرون وميركل خلال زيارتهما إلى واشنطن في إقناع ترمب بعدم نسف الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما لا يريده ترامب. لقد كافح كل من ماتيس وتيلرسون بجد لإنقاذ الصفقة في السابق، وقد حاول مدير التخطيط للسياسة الخارجية في وزارة الخارجية، برايان هوك، إقناع الأوروبيين بأن تأييد نهج أكثر صرامة تجاه إيران قد يقنع ترامب بالحفاظ على الاتفاق.
وقال السيناتور كوتون، وهو معارض شديد للصفقة الإيرانية: «على مدى ثلاثة أشهر الآن من محادثاتي مع الأوروبيين، لم يتغير موقفهم، ولكن يجب أن لا يتفاجأ أحد إذا رفض الرئيس التخلي عن العقوبات في مايو».
بولتون نفسه قد أوضح ذلك بالفعل – تختتم سوزان بالقول – فقد حذر الفرنسيون والألمان من ألا يتوقعوا أن تؤثر زيارتهم إلى واشنطن على قرار ترامب بشأن إيران. قال بولتون لأوروبا: «من المحتمل جدًا أن ينسحب الرئيس من الصفقة الإيرانية. ولو كنت مكانه لفعلتها منذ ثلاثة أشهر». أما ماتيس، فنحن نعرف بالفعل ما يفكر فيه. لقد قال للكونجرس قبل أشهر في شهادته العامة: إنه ليس من «المصلحة القومية» نسف الاتفاق.