"احرق مسلمًا لتفُوز بالجائزة" .. لعبة الكراهية تبلغ ذروتها في بريطانيا
لقد آذوك، لقد جعلوا أحبّاءك يعانون، لقد آلموك وأدموا قلبك، ما الذي ستفعله بشأن هذا؟ هل أنت نعجة مثل غالبية السكان؟ أنت وحدك من تستطيع إيقافهم، أنت وحدك من تمتلك القوة، لا تكن نعجة!
في ذلك اليوم بدا أنَّ كل شيء يسير بشكل طبيعي بالنسبة لرياض أحمد، عضو المجلس المحليّ في مقاطعة يوركشاير البريطاني. استيقظ رياض مبكرًا وذهب كعادته للعمل، انتهى منه وأخذ يتفحص الخطابات البريدية التي وصلت إلى عنوان عمله الخاص، وجد واحدًا منها يحمل طابعًا من الدرجة الثانية، ولا يوجد عنوان الشخص المرسل عليه، ثم فتح رياض الخطاب وبدأ في قراءته ليتغير كل شيء بعد ذلك.
كُتب: «من يهين مسلمًا بشكل لفظيّ يحصل على 10 نقاط، أما من ينزع الحجاب عن امرأة مسلمة فيحصل على 25 نقطة، ومن يُلقي حمضًا حارقًا على وجه مسلم يحصل على 50 نقطة، ومن يعذّب مسلمًا بالصاعق الكهربائي أو السلخ سيصل لـ250 نقطة، ومن يحرق مسجدًا يحصل على 1000 نقطة».
الثالث من أبريل (نيسان) إذًا هو اليوم الذي حدده شخص، أو جهة مجهولة، وأسمته بـ«يوم عقاب المسلمين». بدت الرسالة مروّعة بالنسبة لرياض، وما أن أبلغ عنها الشرطة ليكتشف أنها لم تصله وحده، بل وصلت كذلك للعديد من المسلمين في بريطانيا.
لم يحمل الخطاب أيّ توقيع؛ لكنه وعد بمكآفأة لم يسمّها لمن يفعل ما جاء به على حسب عدد النقاط التي يحصدها، فمن يحصد نقاطًا أكبر يحصل على مكافأة أكبر.
بدأت شرطة مكافحة الإرهاب في بريطانيا التحقيق في محتوى الرسائل ومحاولة الوصول إلى مرسليها، وأخذت الرسائل تنتشر شيئًا فشيئًا؛ إذ تم إرسالها عبر البريد إلى العديد من الأسر المسلمة في لندن، ويوركشاير، وليستر، وشيفلد، ومقاطعات بريطانية أخرى. أحدثت الرسالة موجة ذعر لدى العديد من المسلمين داخل بريطانيا، بحسب إيمان عطا مديرة مؤسسة «Tell Mama» المعنية بتسجيل حوادث الكراهية ضد المسلمين، وتقول إيمان: «إن العديد من الأسر المسلمة اتصلوا بها وسألوها عما إذا كانوا آمنين، وهل يمكن لأطفالهم الخروج إلى الشارع أم لا».
لم تصل شرطة مكافحة الإرهاب حتى الآن إلى المسؤولين عن هذا الخطاب، ولا يُعرف الغرض من تحديد يوم 3 أبريل يومًا لعقاب المسلمين، لكن الخطاب أعاد للأذهان العديد من حوادث العنصرية ضد المسلمين في بريطانيا، وفتح من جديد باب النقاش حول مدى انتشار «الإسلاموفوبيا» في بلاد الضباب.
مريم مصطفى .. روح لم يُعرف من أزهقها بعد
أريد منكم أن تتخيلوا، لو كانت مريم هي التي ضربت بنتًا بريطانية حتى الموت؟ سوف تقوم الدنيا ولا تقعد، وسوف يُلام العرب والمسلمون والمهاجرون *خال الطالبة مريم مصطفى
بينما كانت مريم مصطفى، الطالبة المصرية ذات ـ18 عامًا، والتي تدرس الهندسة في بريطانيا، تسير في أحد شوارع العاصمة، فاجأتها 10 فتيات من أصحاب البشرة السمراء، وقمن بالاعتداء عليها وضربها على رأسها، والوقوف عليها بحسب رواية والدة الطالبة.
كانت المنطقة مكتظة بالمارة الذين لم يحاولوا الدفاع عنها، واستطاعت مريم التخلّص منهنّ، وخرجت وسط دمائها من تحت أقدامهم لتركب أول حافلة صادفتها في طريقها. بعد صعودها الحافلة طلبت من السائق إغلاق الباب والانطلاق بسرعة خوفًا من ملاحقة الفتيات لها، إلا أنه رفض واستمر في الوقوف، فلحقت به الفتيات، وقمن بضرب مريم داخل الحافلة مرة أخرى، إلى أن دافع عنها شخص من ذوي البشرة السمراء كما تقول والدتها، فاعتدين عليه أيضًا ونزلن بسرعة، وحين رأى السائق مريم في حالة خطرة قام بطلب سيارة الإسعاف التي أتت لإنقاذ مريم وتحويلها إلى المستشفى.
داخل غرفة العمليات كان الترقب يسيطر على الأطباء، فقد أصيبت مريم بنزيف في المخ جراء الضربات والركلات التي تعرّض لها دماغها، وكانت حالتها تزداد سوءًا داخل العناية الفائقة؛ إذ مكثت ثلاثة أسابيع داخل المستشفى، ثم فارقت الحياة يوم الأربعاء 14 مارس (آذار) بُعيد انتشار خطاب «يوم عقاب المسلمين».
ماتت مريم وهي التي كانت في انتظار إتمامها 19 ربيعًا الشهر القادم. تقول أسرة مريم: «إن الفتاة راحت ضحية للعنصرية، وإن هناك تباطؤًا من الشرطة في التحقيقات؛ إذ إنها تعرضت قبل أربعة شهور لعملية اعتداء مماثلة، وحينها قالت الشرطة: إن كاميرات المراقبة معطّلة، ولم تفعل شيئًا إلى أن تكرر الاعتداء عليها، وهذه المرة أودى بحياتها».
تُصرّ الشرطة البريطانية التي لم تستطع القبض على أيّ من المعتديات على مريم حتى الآن، على أن الجريمة ليس لها علاقة بالكراهية، ولم تجد أدلة حول ارتباطها بيوم «عقاب المسلمين» أو أية جماعات يمينية متطرفة، في الوقت الذي تسلمت فيه أسرة مريم جثة ابنتها بعد تشريحها، ولا تزال التحقيقات مستمرة في القضية.
أثارت تلك الحادثة الكثير من المخاوف لدى الأقلية المسلمة؛ إذا ثبتت صحة رواية عائلة مريم بشأن استهدافها لأسباب عنصرية، الأمر الذي يُحتمل أن يفتح معه الباب أمام موجات عنف قادمة بشكل ممنهج ضد المسلمين.
عمدة لندن .. «اقتلوه لنتخلص من إرهابيّ مسلم»
في تعقيبه على خطاب «يوم عقاب المسلمين»، ألقى عمدة لندن صادق خان؛ أول عمدة مسلم في تاريخ المدينة، باللّوم على شركات التكنولوجيا المسؤولة عن مواقع التواصل الاجتماعيّ لسماحها بانتشار خطابات الكراهية عليها. كذلك أفصح «خان» عن العديد من الرسائل التي وصلته هو بشكل شخصيّ من خلال مواقع التواصل، وكان من بينها رسائل كراهية تصفه بالإرهابي المسلم المثلي، وأخرى تدعو إلى قتله والتخلص من إرهابيّ مسلم واحد على الأقل.
Image result for SADIQ KHANتساءل خان عن تأثير هذه الرسائل على الأقلية المسلمة في البلاد، فإذا كان وهو السياسيّ المعروف يتلقى هذه الرسائل، فكيف بالشخص المسلم العادي الذي يعيش في البلاد، وكيف يمكن لطفل أو طفلة مسلمة أن يتطلّعوا للعمل السياسيّ، بينما يرون هذه الرسائل.
ونوه أن تلك الرسائل ازدادت بعد إعادة نشر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفيديوهات تحريضية ضد المسلمين، بثّتها حساب الحركة اليمينية المتطرفة، مثل «بريطانيا أولًا»، وقد قام موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بحظر الحساب بعد ذلك، وأضاف خان: «إذا كنت أقوى شخص في العالم يردّد رسائل منظمة متطرفة مثل «بريطانيا أولًا»، فإن ذلك سينعكس على كثير من الناس» .
الجدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد تعرض لانتقادات هائلة عقب إعادة تغريده لفيديوهات تحض على كراهية المسلمين في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وحين أدانه متحدث باسم رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، مشيرًا إلى أنه يدعو إلى تقسيم المجتمعات من خلال استخدام لغة تؤيّد الكراهية وتؤجج التوترات، خرج ترامب منتقدًا تيريزا ودعاها للانشغال بالإرهاب في بلادها.
تيريزا ماي، لا تركزي عليّ، ركّزي على الإرهاب الإسلامي الراديكاليّ المدمر الذي يحدث في المملكة المتحدة، نحن نبلي بلاءً حسنًا* ترامب في تغريدة على تويتر.
قبل تلك التغريدة بنحو خمسة أشهر استقلّ دارين أوزبورن، مواطن بريطاني يبلغ من العمر 48 عامًا، شاحنةً وانطلق بها صوب مسجد فنسبري بارك، الواقع شمال لندن، في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين 19 يونيو (حزيران) عام 2017، وبينما كان المصلّون قد انتهَوا لتوّهم من صلاة التراويح، قام دارين بزيادة السرعة إلى أقصى درجة ليدهس عددًا من المصلين خارج المسجد، ومرددًا بحسب شهود عيان: «الموت لكل المسلمين»، إلى أن تمكّن بعض الأفراد من الإمساك به، وألقت الشرطة القبض عليه فيما بعد.
تبين بعد ذلك أن دارين كان قد استقبل قبل ارتكابه الحادثة رسالة عبر «تويتر» من أحد زعماء حركة «بريطانيا أولًا»، وهي تلك المجموعة التي أعاد ترامب نشر تغريداتها بعد ذلك. فيما بعد أدين أوزبورن بتهمة القتل العمد بدافع الكراهية، وتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ووصفت القاضية ما قام به من عملية دهس وقتل للمصلين بـ«العمل الإرهابيّ».
المسلمون في بريطانيا.. أيام قادمة من الرعب
في 22 مايو (أيار) عام 2017، وقع هجوم انتحاريّ في مدينة مانشستر البريطانية بمنطقة مانشستر أرينا؛ أدّى إلى مقتل 23 شخص وإصابة 119، ونفذ الهجوم سلمان العبيدي، بريطاني من أصل ليبي يبلغ من العمر 22 عامًا. عقب هذا الحادث خرج رجلان بريطانيان ملثّمان في شريط فيديو، أحدهما ممسك بما يشبه السيف، ومعلّقًا على رقبته ما يشبه القنبلة اليدوية، متوعدًا المسلمين كافة في بريطانيا بالعقاب والطرد. ومهددًا بتفجير المساجد وإفنائها من على ظهر الأرض، على حسب تعبيره.
لاحقًا قامت الشرطة البريطانية بالقبض على كلا الرجلين وإيداعهما السجن ليتم الحكم عليهما بأربعة أشهر، لكن تلك الحادثة أثارت المزيد من الأسئلة عن الدافع الحقيقي وراء تزايد موجة الإسلاموفوبيا وجرائم الكراهية ضد المسلمين، فالبعض يربطها بتزايد الهجمات التي تقوم بها «داعش» في الدول الغربية، بينما يرى آخرون أن تلك الجرائم متواجدة من قبل ظهور داعش، وأن لها علاقة بتصاعد موجات اليمين المتطرف في أوروبا.
وبغض النظر عن مدى دقة كلا الرأيين، فإن المؤكد أن هذه الجرائم آخذت في الازدياد وفقًا لآخر الإحصاءات البريطانية الحكومية وغير الحكومية. في عام 2017 تضاعفت الهجمات على المساجد البريطانية، بحسب منظمة «Press Association» البريطانية؛ إذ سجّلت 110 جريمة كراهية ضد المساجد في الفترة بين مارس ويوليو (تموز)، مقارنة بـ47 جريمة في نفس الفترة عام 2016.
كذلك ازدادت جرائم الكراهية ضد مسلمي بريطانيا عام 2017 بنسبة 29% مقارنة بالعام الذي سبقه، كما توضح «النيويورك تايمز» الأمريكية نقلًا عن الحكومة البريطانية، وتعرّض المسلمون البالغ عددهم ما يقدر بـ2.7 مليون شخص لـ80 ألف جريمة كراهية في 2017 مقارنة بـ62 ألف جريمة في عام 2016، في أعلى ارتفاع تسجله السلطات بهذه النوعية من الجرائم منذ عام 2011، ما يطرح بدوره تساؤلًا ليس من السهل الإجابة عليه بخصوص سبب تزايد هذه الجرائم، وما الذي يمكن أن يحدث يوم الثالث من أبريل القادم.