"سيرغي سكريبال".. جاسوس روسي ضرب علاقات لندن وموسكو
بعد سنوات من الهدوء الحذر في العلاقات بين موسكو ولندن، طفت مجدداً على السطح قضيّة الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال، الذي كان سبباً في إشعال الخلاف بين البلدين قبل أكثر من 10 أعوام.
فعلى مراحل متفاوتة توتّرت العلاقات الروسية البريطانية بشكل متراوح الحدّة، إلى أن بلغت الخلافات ذروتها في مارس الجاري؛ بعد محاولة اغتيال لسكريبال الموجود في بريطانيا، والتي اتُّهتمت روسيا بالوقوف وراءها.
وفي 4 مارس الجاري، عثرت السلطات البريطانية على ابنه الجاسوس الروسي في أحد شوارع مدينة سوسبيري، ما أدّى إلى إعادة تصدُّر اسم سكريبال مشهد العلاقات مجدداً بين موسكو ولندن.
- من هو؟
سكريبال، المولود في يونيو 1951، جرى تجنيده في الجيش السوفييتي بعد تخرّجه من المدرسة، إذ كان يؤدّي الخدمة العسكرية الإلزامية في قوات الإنزال الجوي، قبل أن ينتقل إلى القوات الخاصة التابعة لمديرية المخابرات الرئيسية.
وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، تخرّج سكريبال -الذي كان مولعاً في صغره برياضة الملاكمة- في الأكاديمية الدبلوماسية العسكرية، ليصبح أحد الوكلاء الروس في مالطا.
ولحنكته العسكرية، قرّرت المخابرات الروسية نقله إلى العاصمة الإسبانية مدريد، في 1994، لأداء مهمّة جديدة لصالح السفارة الروسية لدى إسبانيا، وبعدها بعام واحد بدأت قصة سكريبال مع الجاسوسية.
عام 1995 تعرّف سكريبال على رجل أعمال وطيار عسكري بريطاني سابق يدعى لويس، الذي عرض بدوره على العميل الروسي البحث عن زبائن مفترضين في موسكو، قبل أن يُعرّفه على العميل في المخابرات البريطانية، بابلو ميلر.
ميلر كان يدّعي أنه رجل أعمال من أجل التعاون مع سكريبال، لكن الأمر لم يدُم، خاصة بعد كشفه أوراقه، وعرض على الضابط الروسي الكشف عن أسماء في المخابرات الروسية مقابل مبالغ طائلة من الأموال، فوافق.
وبعد سنوات من العمل الجاسوسي، وتحديداً في 1996، أُصيب سكريبال بحالة نفسية، استدعته المخابرات الروسية على أثرها من مدريد إلى موسكو، لكن حالته الصحية تأزّمت أكثر، ما أثّر في أداء مهامه.
ولهذا السبب أُقيل من منصبه في جهاز المخابرات الروسية عام 1999، وكان هذا العام نقطة قطع علاقاته واتصالاته مع المخابرات البريطانية، قبل أن يعاودها مجدداً مع تولّي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
فبعد تولّي بوتين مقاليد الحكم، عام 2000، عرض ميلر على سكريبال استئناف نقل المعلومات، فوافق وعاود نقل الأخبار السرّية عن زملائه السابقين، مُستغلاً علاقاته الشخصية معهم.
- كُشف أمره
بعد أعوام من عودة التعاون بين سكريبال ولندن كُشف أمره بجهود جهاز الأمن الروسي، واعتُقل قرب منزله عام 2004، وأُدين بعد ذلك بعامين بتهمة "الخيانة العظمى" للدولة (الروسية) من قبل محكمة موسكو العسكرية، كما تم تجريده من جميع ألقابه وجوائزه.
واعترف الجاسوس الروسي خلال التحقيق معه بنقل معلومات سرّية عن عشرات الأسماء الاستخبارية الروسية خارج البلاد، وأقرّ كذلك بلقاءاته المتكرّرة في مدينة إزمير غربي تركيا.
وبعد عامين من التحقيقات حكمت المحكمة عليه بالسجن 13 عاماً، قبل أن يُطلق سراحه الرئيس الروسي السابق، ديمتري ميدفيديف، في يوليو 2010، بموجب صفقة تبادل جواسيس مع بريطانيا.
اشترى سكريبال بعد الإفراج عنه منزلاً في مدينة سوسبيري البريطانية، حيث يعيش بابلو ميلر أيضاً، وكان يلقي محاضرات حول أساليب عمل المخابرات الروسية في الأكاديمية العسكرية الملكية، بحسب موقع "روسيا اليوم".
وعلى الرغم من إطلاق سراحه وذهابه للعيش في بريطانيا فإن شبح الاغتيال ظل يرافقه لسنوات، خاصة في ظل تصريحات لبوتين بملاحقة كل العملاء الروس في الخارج.
- جاسوس ضرب العلاقات
في 4 مارس الجاري، وُجد سكريبال (66 عاماً) وابنته يوليا (33 عاماً) مغمىً عليهما في الشارع، حيث عثر عليهما شرطي نتيجة تسميمهما بمادة مجهولة، قيل لاحقاً إنه غاز الأعصاب السام.
هذه الحادثة كانت كفيلة بضرب العلاقات بين روسيا وبريطانيا، خاصة أن الأخيرة اعتبرت الأمر محاولة اغتيال تقف وراءها موسكو، والتي تنفي "بشدّة" الاتهمامات الموجّهة لها من طرف لندن.
وعلى أثر ذلك قرّرت السلطات البريطانية طرد 23 دبلوماسياً روسياً، وتجميد أصول الدولة الروسية الموجودة على أراضيها، وقطع الاتصالات "رفيعة المستوى" مع موسكو.
هذه الإجراءات اتخذتها لندن بعد أن تأكّدت من تورّط موسكو في محاولة اغتيال سكريبال، وهو ما أكّدته تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، مستندة إلى أدلّة حصلت عليها بلادها.
وقالت إنه سيتم طرد 23 دبلوماسياً روسياً، في عملية هي الكبرى منذ 30 عاماً، مضيفة أنه "سيتم تجميد أصول الدولة الروسية في بريطانيا"، وهو الأمر الذي ردّت عليه موسكو، معتبرة إياه "عملاً عدائياً غير مقبول وغير مبرّر".
وأعلنت ماي مقاطعة بلادها رسمياً (لا تشمل المنتخب) لكأس العالم (مونديال 2018) في روسيا، المزمع إقامته الصيف المقبل، قائلة: "لا وزراء ولا أفراد من الأسرة الملكية سيذهبون لحضور مباريات المونديال في روسيا".