بعد 3 أشهر .. فلسطين تواصل مسيرة رفض قرار ترامب "وحدها"
رُفع قلم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وجفّت صحيفة قراره بشأن إعلان القدس عاصمة لـ"إسرئيل"، لكن الدم في عروق الشباب الثائرين في الأراضي الفلسطينية، وتحديداً في مناطق الاشتباك مع جنود الاحتلال، لم يجف.
فعلى الرغم من مرور نحو 3 أشهر على قرار الرئيس الأمريكي، الذي ألهب المنطقة العربية والعالم، فإن المظاهرات الرافضة للقرار، في قطاع غزة والضفة والقدس المحتلتين، لم تهدأ.
وقد خصص الفلسطينيون أيام الجُمع من كل أسبوع موعداً للاشتباك مع الاحتلال في المناطق الحدودية شرقي قطاع غزة، وعلى مداخل قرى الضفة الغربية ومدنها.
وما إن تنتهي صلاة الجمعة من كل أسبوع، حتى يهب الشباب الفلسطيني نحو المناطق التي اعتادوا الذهاب إليها للتعبير عن رفضهم لقرار ترامب، وذلك استجابة لدعوات رسمية وشعبية.
- جُمع الغضب
في "جمعة الغضب" الأولى التي أعقبت القرار الأمريكي، استشهد 6 فلسطينيين إثر مواجهات بالأراضي المحتلة، وغارات شنّها الجيش الإسرائيلي على غزة، في حين ارتفعت حصيلة الجرحى بعد تجدد المواجهات لليوم الثاني على التوالي.
هذه الجمعة وحدها سجلت أكثر من 1100 إصابة، حسبما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، ويرجع ارتفاع عدد الإصابات والشهداء فيها إلى كونها الجمعة الأولى التي توافقت مع غضب شعبي ورسمي حول العالم.
وفي الجمعة الثانية التي حملت نفس الاسم، استشهد 4 فلسطينيين وأصيب أكثر من 500 آخرين، خلال مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، نصرة للمدينة المقدسة، وذلك بحسب ما أعلن بيان الصحة.
استمر الغضب في الأراضي الفلسطينية بالتزامن مع تواصل المسيرات الاحتجاجية في العالم، وصولاً إلى الجمعة الثالثة التي سجلت استشهاد فلسطينيين وإصابة نحو 700 آخرين بجروح متفاوتة.
وبعد شهر تقريباً على قرار ترامب، كانت رابع جُمع الغضب في فلسطين، إذ عزم شبابها على مواصلة مسيرات الرفض لمشروع ترامب الذي أغضب العالم بأسره.
ففي هذه الجمعة استشهد فلسطيني، وأُصيب 119 آخرون بالرصاص الحي والمطاطي، خلال مواجهات اندلعت مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، في مواقع متفرقة من الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
ومع دخول الشهر الثاني على القرار الأمريكي، بدأت تتراجع الاحتجاجات حول العالم، لكن مسيرات الفلسطينيين ومواجهاتهم مع جنود الاحتلال الإسرائيلي لم تتراجع البتة.
غير أن الجُمع اللاحقة لم تسجل سقوط شهداء خلال المواجهات، إلا في حالات نادرة، في حين تراجعت أعداد الإصابات وقلّت مناطق الاشتباك مع جنود الاحتلال، لكن الوضع ظل كما هو على حدود قطاع غزة.
وبدءاً بالجمعة الخامسة وصولاً إلى الجمعة الثالثة عشرة، سجلت وزارة الصحة الفلسطينية إصابات بجروح مختلفة، منها بالرصاص الحي والمطاطي، فضلاً عن إصابات باختناق من جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع.
وفي الفترة المذكورة، تراوحت أعداد الإصابات بين 70 و350 إصابة موزعة على ثمان جُمع، فيما لم تعلن وزارة الصحة الفلسطينية سقوط شهداء ما بين 2 فبراير و2 مارس.
- تراجع التضامن
حينما قرر ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية، شهد العالم انتفاضة عربية إسلامية حقيقية، بل إن العالم الأوروبي عارض القرار علناً، وانتقده بشدة.
المواطنون العرب عبّروا عن غضبهم بوسائل شتى من أول التظاهر والاحتجاج كما حدث في فلسطين ولبنان، أو في خطب المساجد، أو على صفحات التواصل الاجتماعي.
ومع أن العالم انتفض مباشرة فور قرار الرئيس الأمريكي، وخرج في مظاهرات حاشدة جابت عواصم عربية وعالمية على مدار أيام معدودة من الحدث، إلا أن التضامن تراجع بعد مضي نحو 3 أشهر.
وقد بدا واضحاً تراجع المظاهرات العربية والإسلامية المتضامنة مع القدس، وهو ما أرجعه مراقبون إلى تواطؤ الأنظمة العربية من جهة، وانشغال الشعوب بهمومها من جهة أخرى.
وقد أظهر استطلاع إلكتروني أجراه نشطاء فلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن 76.6% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن تراجع التضامن مع القدس يرجع إلى تواطؤ الأنظمة العربية، في حين اعتبر 23.45% أن انشغال الشعوب بقضاياها الداخلية هو السبب.
وفي مقال للكاتب عماد الدين حسين، قال إن "غالبية الحكومات قمعت شعوبها بصورة ممنهجة بحيث إنها ضعفت واستكانت، أو صارت منهكة ومشتتة ما بين شعورها القومي الطبيعي بالتضامن مع فلسطين والقدس، وما بين حياتها اليومية المعيشية البائسة".
وأضاف في مقاله الذي حمل عنوان "أين ذهب التضامن مع القدس؟"، ونشر في 20 فبراير الماضي: "كتبت مقالاً بعنوان التضامن مع القدس بتغيير صورة البروفايل، حذرت فيه من أن يكون ما حدث هو مجرد انتفاضة فيسبوكية، سرعان ما ستنتهي".
حسين قال أيضاً: "باستثناء الشعب الفلسطيني البطل والصامد داخل أرضه، فلم نجد تحركاً عملياً يواجه وعد ترامب أو ممارسات الاحتلال القمعية المتواصلة، التي أسقطت عشرات الشهداء والمصابين وآلاف المعتقلين".
وفي 6 ديسمبر 2017، أعلن ترامب القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، وهو ما أحدث غضباً شعبياً ورسمياً عالمياً، دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التصويت على مشروع قرار، تقدّمت به تركيا واليمن، يرفض تغيير الوضع القانوني للمدينة المقدسة.
وأكد القرار الذي صوتت لتأييده 128 دولة، في حين اعترضت 9، وامتنعت 35 عن التصويت، أن أي إجراءات تهدف إلى تغيير طابع القدس لاغية وباطلة، كما يدعو جميع الدول إلى الامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس.