حوادث الطائرات تلاحق وزراء داخلية المكسيك .. ما دور المافيا؟

يبدو الأمر طبيعياً حين تسقط طائرة مروحية والسبب خلل ما أخرجها عن سيطرة قائدها، لكنه يكون لافتاً للانتباه إن كانت الطائرة تقلّ وزير داخلية بلد ما.
واللافت للانتباه أكثر، والمثير للتساؤلات أيضاً، إن كانت هذه الحادثة ليست الأولى، فقد سبقتها أكثر من حادثة سقوط طائرة كان يستقلّها وزير داخلية سابق في هذا البلد أيضاً.
ففي المكسيك نجا من الموت وزير الداخلية، ألفونسو نافاريتي، الذي كان بصحبة أليخاندرو مراد، حاكم ولاية واهاكا، بعد تحطّم طائرة مروحية كانا يستقلانها وهما يتفقدان آثار الزلزال الذي هزّ ولاية واهاكا ومكسيكو سيتي بقوة 7.2 درجات، ليل الجمعة 16 فبراير 2018.
وقال موقع "جورنادا"، إن الطيار فقد السيطرة على المروحية وهي على ارتفاع 30 متراً تقريباً قبيل الهبوط؛ ما تسبّب بسقوطها على إحدى السيارات.
وأسفر الحادث عن مقتل شخصين، في حين نجا الوزير وحاكم الولاية.
- حوادث مشابهة
إن كان ألفونسو نافاريتي نجا من الموت فإن سلفيه السابقين لم تُكتب لهما النجاة في حادثين مشابهين وقعا سابقاً.
ففي 16 فبراير 2011، لقي وزير الداخلية المكسيكي، فرانسيسكو بليك مورا، مصرعه مع عدد من المسؤولين الحكوميين؛ وذلك في تحطّم طائرة مروحية.
وذكرت أليخاندرا سوتا، المتحدثة باسم مكتب الرئيس المكسيكي، فيليبي كالديرون، أن المروحية التي كانت تقلّ بليك مورا تحطّمت وعلى متنها 8 أشخاص، مشيرة إلى أنهم قُتلوا جميعاً في الحادث.
وذكرت بعض مواقع الإنترنت وشبكات التلفزيون المحلية أن مورا كان في رحلة بين العاصمة مكسيكو سيتي وولاية مورلوس المجاورة لها.
وكان مورا قد بدأ حياته السياسية في تسعينيات القرن الماضي كمسؤول حكومي في مسقط رأسه بمنطقة تيخوانا، وعمل عضواً اتحادياً بالكونغرس المكسيكي خلال العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، قبل أن يعيّنه كالديرون في يوليو 2010 وزيراً للداخلية في حكومته.
وفي 4 نوفمبر 2008، أعلنت سلطات المكسيك مقتل 8 أشخاص، بينهم وزير الداخلية خوان كاميلو مورينو، ومسؤولون حكوميون آخرون، أبرزهم خوسيه لويس سانتياغو فاسكونسلوس، أحد مسؤولي الحرب على عصابات المخدرات، وإصابة 40 شخصاً بجروح؛ من جراء سقوط طائرة صغيرة من طراز "ليرجيت" في العاصمة مكسيكو سيتي.
وكان مورينو ومسؤولون مكسيكيون على متن الطائرة عائدين من رحلة إلى مدينة سان لويس بوتوسي في وسط المكسيك، حين سقطت وتحطّمت فوق شارع بين مبانٍ إدارية شاهقة في حي للأعمال، ما أدّى إلى اشتعال النيران في بضع سيارات ومقتل وجرح ركابها وأشخاص آخرين على الأرض.
وقالت الإذاعة المكسيكية، نقلاً عن مراقب جوي في حينه، إن قائد الطائرة أبلغ عن عطل طارئ غير محدد عندما كانت على مسافة ثلاثة أميال من مطار مكسيكو سيتي، ثم فقد الاتصال معه.
وذكرت وكالة رويترز أن خبيراً في كوارث الطيران المدني لم يستبعد احتمال التخريب كسبب للحادث، إلى جانب أسباب أخرى محتملة مثل خلل في محركات الطائرة.
- هل يدُ المافيا وراء هذه الحوادث؟
حين مراجعة نشاطات هؤلاء الوزراء يتوضّح أنهم كانوا في صراع مع المافيا في المكسيك، البلد الذي اشتهر بوجود أخطر عصابات المافيا بالعالم فيه.
فبعد مقتل خوان كاميلو مورينو، عبّر الرئيس المكسيكي، فيليبي كالديرون (2006 - 2012)، عن حزنه العميق لفقدان معاون مقرّب وصديق عمل معه لعدة سنوات في الحرب على عصابات تجارة المخدرات ذات النفوذ في المكسيك.
وقال بصوت متهدّج في كلمة وجهها إلى شعبه عبر التلفزيون المكسيكي، بعدما قطع رحلته إلى مدينة وادي الحجارة غربي البلاد: "لقد خسرت المكسيك مواطناً عمل في خدمة بلده. إن كالديرون كان رفيق مسيرتي السياسية لسنوات عديدة وحلمنا معاً بوطن جديد. كان رجلاً متفانياً، لم يتوانَ يوماً عن تكريس حتى حياته نفسها لتحقيق التنمية في المكسيك".
بليك مورا، هو أيضاً لا يقل شأناً في التصدي للمافيات بالمكسيك عن سلفه مورينو؛ فقد اعتاد الانتقال إلى أشد المدن المكسيكية تضرّراً بنشاط شبكات الاتجار بالمخدرات، كمدينتي فيراكروز وشيوداد جواريز، للمساعدة في تنسيق ردود الحكومة على هذه الأنشطة.
وتولّى بليك مورا، الذي كان يعمل في الأصل محامياً، حقيبة الداخلية في 14 يوليو 2010، وهو نائب سابق وعضو في حزب العمل الوطني الحاكم، وعيّنه الرئيس كالديرون في هذا المنصب نظراً لخبرته في التنسيق بين أجهزة الأمن في الولاية التي وُلد فيها، كاليفورنيا السفلى، شمال غربي المكسيك، وكانت المهمة الرئيسية لبلاك مورا تنسيق مكافحة الجريمة المنظمة.
وكانت آخر رسالة بعث بها بليك مورا عبر حسابه في "تويتر" في ذكرى وفاة سلفه مورينو، تقول: "اليوم نتذكر خوان كاميلو مورينو بعد ثلاث سنوات على موته.. إنه شخص عمل من أجل بناء مكسيك أفضل".
وتخوض المكسيك صراعاً مريراً مع عصابات المخدرات، راح ضحيته عشرات آلاف الأشخاص في السنوات العشر الأخيرة.
وتشتهر البلاد بعصابات عديدة، بينها ما تُصنّف بأنها الأخطر بين مثيلاتها من المافيات العالمية.
وأشهر هذه العصابات ما تسمّى "سينالوا كارتل"، وهي عصابة المخدرات الأقوى في المكسيك، حيث تفرض نفوذها على 31 ولاية في البلاد، وتعتبر الوسيط بين تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية وموزعيها في الولايات المتحدة.
ويصل دخل عصابة "سينالوا كارتل" السنوي إلى نحو 3 مليارات دولار.
ويشار إلى أن العصابات المكسيكية لها سلطة فتاكة ولها تأثير قوي على الحكومة؛ حيث تمتلك السلاح وتمارس أعمال عنف كبيرة وواسعة النطاق.
ولا يتوقف الأمر فقط عند هذا الحدّ، بل إن كبار رجالات الشرطة في المكسيك متورّطون في علاقات وطيدة مع العصابات الكبرى في المكسيك، بحسب ما تفيد وسائل الإعلام المحلية.