الأقصى في خطر .. "إسرائيل" تشيّد أكبر مشروع تهويدي بالقدس
تعيش مدينة القدس المحتلّة أسوأ أوقاتها؛ بسبب تصاعد العمليات الاستيطانية والتهويدية لحكومة الاحتلال، والتي باتت تشكّل خطراً حقيقياً يستهدف هوية المدينة العربية والإسلامية.
مشاريع التهويد والاستيطان وتشريد المقدسيين متواصلة، ولم تتوقف لحظة واحدة، وزادت عليها حكومة الاحتلال بتنفيذ أكبر تلك المشاريع وأخطرها؛ حيث شرعت بإقامة أكبر مجمع سياحي تهويدي يطلّ مباشرة على المسجد الأقصى.
وأظهرت صور فوتوغرافية التقطها ناشطون مقدسيون لساحة البراق قيام طواقم فنية وهندسية بنصب رافعة عملاقة في الساحة، تُتيح لطواقم العمل التي شكّلها الاحتلال الشروع في بناء هذا المجمع التهويدي، بعد أن قامت بصبّ قواعد أسمنتية ضخمة قبل أربع سنوات للبدء بأعمال البناء، التي يُتوقع أن تستمرّ عدة سنوات.
وذكر شهود عيان أن سلطات الاحتلال نصبت الرافعات الكبيرة، مساء الثلاثاء 13 فبراير 2018، بالقرب من مشروع "بيت هليبا"، الذي سيُقام على أنقاض حارة المغاربة والشرف، غربي البراق.
- المشروع الأخطر
ومشروع "هليبا" هو عبارة عن بناء مكوّن من طابقين لاستقبال أكبر عدد ممكن من السياح والجنود، ويبلغ ارتفاع البناء نحو 4.7 أمتار، وتترواح مساحته الإجمالية بين 1500 إلى 1700 متر مربع، وفق حديث الشخصيات.
ويقول سكان قريبون من المنطقة: "إن هذا المشروع الخطير سيغيّر معالم وطبيعة المكان".
وقالت جهات مقدسية، إن طواقم فنية وهندسية وإنشائية إسرائيلية "شرعت بنصب الرافعات الضخمة في المنطقة المذكورة" تمهيداً لإقامة المجمع السياحي التهويدي الضخم ومتعدّد الوظائف والاستخدامات.
ويهدف هذا البناء إلى استجلاب نحو "مليون زائر يهودي وأجنبي لتدنيس حرمة البراق سنوياً، والسيطرة الكاملة على أجزاء من حارة المغاربة والشرف، وطمس المعالم الإسلامية، وعرض موجودات أثرية مدّعاة من فترة الهيكل الأول والثاني المزعومين، وكذلك تمرير روايات تلمودية مزعومة".
وفي السادس من أبريل 2017، طرح مركز "بيت هاليبا" الديني المتطرّف عطاءً لبناء ما يسمّى بـ "صندوق تراثي حائط المبكى"، ليتم بناؤه في ساحة حائط البراق، ضمن مشروع ما عُرف في حينه بـ "تطوير ساحة حائط البراق".
كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، وصف المشروع الإسرائيلي الجديد بأنه "الأخطر" الذي يستهدف المدينة المقدّسة بشكل عام، والمسجد الأقصى بشكل خاص.
وأكّد الخطيب أن حكومة الاحتلال "تستغلّ كل الظروف الفلسطينية والعربية والدولية لتنفيذ أخطر مشاريعها التهويدية، والتي تمسّ بشكل مباشر المكانة العربية والإسلامية للمسجد المبارك".
وأشار إلى أن إقامة هذا المبنى الكبير والضخم "هو جزء ضمن المخطّطات التي تسعى لتنفيذها الحكومة الإسرائيلية لفرض سياسة الأمر الواقع على القدس وتزييف كل معالمها، بما يتماشى مع مصالحها وحربها المستمرّة على القدس، خاصة بعد حصولها على الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية".
واعتبر أن ما يجري بالقدس "تجاوز لكافة الخطوط الحمراء"، لافتاً إلى أن حكومة الاحتلال "تسابق الزمن، خلال فترة حكم دونالد ترامب، لتنفيذ كل المشاريع الاستيطانية والتهويدية".
لكنه أكّد أن هذا الواقع "لا يمكن القبول به أو السكوت عنه، لأنه سيصل في النهاية إلى قدس إسرائيلية بامتياز".
كما شدّد الخطيب على أن القدس وأهلها "لن يقبلوا بهذا الواقع العنصري الجديد الذي يسعى الاحتلال لفرضه بلغة القوة والسرقة"، مؤكداً أن "ما جرى في الشهور الأخيرة من انتفاضة أهل القدس بوجه المحتلّ والدفاع عن المدينة ومسجدها المبارك دليل كافٍ على أنهم صامدون وثابتون وسيتحدّون هذا المحتلّ".
ويرتبط مخطّط بناء "المجمع السياحي" بمخطّطات أخرى يجري العمل على تنفيذها داخل وحول البلدة القديمة من القدس، وفي منطقة القصور الأموية جنوب المسجد الأقصى وحائط البراق، فهناك مبنى "دافيدسون" الواقع عند القصور الأموية جنوب الأقصى، وبناء مجمع "شطراوس" الضخم في ساحة البراق.
- استهداف القدس
الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، قال إن مخطط الاحتلال الجديد بإقامة أكبر تجمّع سياحي يطلّ على الأقصى، "تعدٍّ خطير على حرمة القدس وإعلان حرب على أهل المدينة".
وقال صبري: "البدء بتنفيذ هذا المشروع يعدّ تصعيداً مباشراً وخطيراً من قبل حكومة الاحتلال على المدينة وسكانها، وهو إعلان حرب صريح عليهم؛ لكون هذا المشروع يمسّ حياتهم اليومية بشكل مباشر".
وذكر أن الاحتلال دائماً ما يسعى إلى تغيير كافة ملامح المدنية المقدسة، معتبراً أن إنشاء هذا المبنى الضخم "يأتي في سياق تزييف تاريخ وواقع المدينة، وهو خطوة جديدة نحو السيطرة على المدينة بأكملها، تماشياً مع القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال".
وناشد خطيب المسجد الأقصى السلطة الفلسطينية والحكومات العربية والأوروبية بالتدخّل الفوري لإنقاذ القدس من المخطّطات الإسرائيلية الخطيرة التي تحيط بها من كل جانب، مؤكداً أن القدس "باتت في خطر كبير، وعلى الجميع التحرّك قبل فوات أوان تهويد المدينة وضياعها دينياً وتاريخياً وسياسياً".
بدوره أكّد ناجي بكيرات، رئيس أكاديمية الأقصى للعلوم والتراث، أن الهدف الأول للاحتلال من تلك المشاريع هو تغيير كافة معالم المدينة المقدسة، وإعطاؤها الطابع اليهودي، وسلخ الطابع والتراث الإسلامي عنها.
وأوضح أنه بعد سنوات قليلة قد تتغيّر كافة المعالم التي كانت تؤكّد هوية المدينة المقدّسة، وأن هناك مخطّطات إسرائيلية أخطر بكثير سترى النور قريباً، بعد حالة الصمت الإسلامية والدولية التي تُخيّم الآن، وتعطي دافعاً للمحتل للعربدة والتهويد والتشريد للمقدسيّين.
من جانبه وصف جمال عمرو، الخبير المختصّ في شؤون القدس والمقدّسات والاستيطان، البناء الجديد بأنه "بناء عدواني تتجسّد من خلاله حكومة مصغّرة على جميع المستويات الأمنية والسياحية والتربوية"، مشيراً إلى أنه "سيشكّل حال الانتهاء منه خطراً داهماً على المسجد الأقصى".
وأكّد عمرو، في تصريحات صحفيه، أن هذا المشروع "مرتبط بالرواية التوراتيّة عن المكان، ومزاعمهم بأن الأقصى شيّد على أنقاض هيكلهم المزعوم"، مشيراً إلى أن أعمال البناء للأساسات الأسمنتية والخرسانية الصلبة انتهى العمل بها أخيراً.
وقال الخبير المقدسي إنه صُدم من حجم الإنشاءات التي شارك فيها العديد من الطواقم الفنية والهندسية والإنشائية، ليل الثلاثاء 13 فبراير 2018، وفي هذه الأجواء العاصفة والماطرة، كي تنهي على وجه السرعة نصب هذه الرافعة العملاقة، والتي ستكون محور أعمال البناء للمجمع التهويدي السياحي.
وفي الثامن من الشهر الجاري، كشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن مخطط لبلدية الاحتلال في القدس المحتلّة، وما تسمّى "سلطة تطوير القدس"، لإقامة متنزه في جبل الزيتون يربط بين موقعين استيطانيين لليهود في داخل حي الطور بالمدينة.
كما صدّقت "اللجنة المحلية للتخطيط والبناء" في بلدية الاحتلال على مخطط آخر تعمل عليه بلدية الاحتلال و"السلطة لتطوير القدس"، والذي يتضمّن إقامة مركز زوّار في المقبرة اليهودية في جبل الزيتون.
ويهدف المخطط إلى تهويد المنطقة في شرقي البلدة العتيقة؛ من خلال تعقيد حصول العرب على تراخيص بناء وعدم تقديم الخدمات البلدية الكافية لهم، من جهة، ومن جهة أخرى إقامة مشاريع تهدف أساساً لخدمة الاستيطان في المدينة، وذلك بحسب جمعية "عير عميم" العبرية