بالابتزاز والتهديد .. هكذا دعمت السعودية خزينتها المتهاوية

بالابتزاز والتهديد .. هكذا دعمت السعودية خزينتها المتهاوية
بالابتزاز والتهديد .. هكذا دعمت السعودية خزينتها المتهاوية

طُويت صفحة معتقلي "الريتز كارلتون" الأكثر رفاهة في التاريخ، بإعلان النائب العام السعودي، الشيخ سعود بن عبد الله المعجب، الثلاثاء 30 يناير 2018، انتهاء مرحلة التسويات بقيمة تقديرية بلغت حتى الآن أكثر من 400 مليار ريال سعودي (106 مليارات دولار أمريكي).


السلطات السعودية كانت تمنِّي النفس بجمع 100 مليار دولار؛ إلا أن إطلاق سراح الأمير الوليد بن طلال آل سعود، دون إعلان التسوية معه، زاد المبلغ 6 مليارات دولار.

وبيّن النائب العام، وفق موقع "سي إن بي سي" الاقتصادي، أن 56 شخصاً ما يزالون موقوفين ضمن تحقيقات الفساد في السعودية، مشيراً إلى "إحالتهم للنيابة العامة، بعد أن رفضوا التوصّل إلى تسوية".

وبلغ العدد الإجمالي لمن جرى استدعاؤهم في تحقيقات الفساد 381 شخصاً، وفق النائب العام السعودي، موضحاً أن التسويات في قضايا مكافحة الفساد تشمل عقارات وكيانات تجارية وأوراقاً مالية ونقداً وأصولاً أخرى.

وقبل نحو أسبوع، أكّد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في تصريحات صحفية على هامش حضوره منتدى "دافوس" الاقتصادي العالمي بمنتجع دافوس السويسري، أن تسويات الفساد النقدية بلغت حتى الآن 50 مليار ريال سعودي (13 مليار دولار) فقط، وذلك في الوقت الذي أعلن فيه المدّعي العام أنه تم الإفراج عن 90 شخصاً من محتجزي فندق الريتز وبقاء 95 آخرين.

ونقلت وكالة "رويترز" للأنباء، عن مسؤول سعودي قوله إنه لم يعد هناك أي محتجزين داخل فندق "ريتز كارلتون الرياض"، ضمن تحقيق الفساد الذي بدأته السلطات السعودية في نوفمبر الماضي.

- اعتراضات دولية
حملة مكافحة الفساد أثارت شكوكاً واسعة حول الاقتصاد السعودي، خاصة بعد سيطرة الحكومة على مجموعة "بن لادن" للمقاولات، ما شكَّل هاجساً مرعباً لرجال الأعمال الأجانب؛ دفعهم للبحث عن دول أخرى للاستثمار فيها؛ إذ أصبحوا يرون أن مستقبل الاستثمارات في المملكة غير مضمون، وحوّل التفكير في أي استثمارات إلى "مقامرة" غير مضمونة النتائج.

ففي 11 يناير 2018، كشفت صحيفة "ذي وول ستريت جورنال" الأمريكية عن أن رئيسَي فرنسا السابقين؛ نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند، عبَّرا عن مخاوفهما لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إزاء استمرار احتجاز الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، وأكدا له أن استمرار القبض عليه يثير مخاوف المستثمرين الأجانب.

ونقلت الصحيفة عن مستشارين حكوميين سعوديين وفرنسيين قولهم إن ساركوزي وهولاند نقلا إلى بن سلمان قلق رجال الأعمال في أعقاب القبض على مئات الشخصيات بالسعودية، بداية نوفمبر الماضي.

وشهدت السعودية حملة اعتقالات واسعة، شملت أمراء ووزراء وشخصيات نافذة، بتهم الفساد، بداية نوفمبر 2017، كان أبرزهم الوليد بن طلال، والأمير متعب بن عبد الله الذي أُطلق سراحه خلال ديسمبر 2017.

وتمكّنت السلطات من الحصول على أجزاء كبيرة من ثروات رجال الأعمال المعتقلين مقابل الإفراج عنهم، بعد أن سبق أن أعلن مسؤولون أنهم يهدفون من حملة الاعتقالات هذه إلى استرداد 100 مليار دولار من "أموال تنتمي إلى الدولة".

ومن أبرز المحتجزين الذين وافقوا على دفع تسوية مالية مقابل الإفراج عنهم، الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز، الذي قالت وسائل إعلامية إنه دفع مليار دولار مقابل تسوية مالية.

- أموال طائلة تفضح التسوية
رغم نفي الوليد بن طلال والسلطات حصول تسوية بينهما، فإن تصريح وزير المالية المذكور، أشار بوضوح إلى حصول السلطات على 350 مليار ريال في غضون أسبوع واحد، وهي الفترة التي أُفرج فيها عن بن طلال ومدير مجموعة "إم بي سي" وليد الإبراهيم وغيرهما.

فقد تخلى "الوليد"، وبحسب مجلة "فوربس" الأمريكية، عن ممتلكاته في إطار تسوية تمت بينه وبين السلطات السعودية، جرى بموجبها إطلاق سراحه.

وقالت المجلة نقلاً عن مصدر مطلع، إنه حصل مقابل ذلك على مخصصات مالية، وفي حال سفره لخارج السعودية سيرافقه شخص تختاره الحكومة، مضيفاً أن "الحكومة السعودية أبلغت الوليد أنه حال مغادرته المملكة دون عودة، فستحرك الاتهامات ضده وتطالب بتسليمه إليها"، في حين رفض المتحدث باسم الأمير "الوليد" التعقيب على الأمر، ما شكَّل نوعاً من الابتزاز له.

وكان مسؤول سعودي صرح لـ"رويترز" بأن إطلاق سراح الأمير بن طلال جاء بعد التوصل لتسوية مالية مع النائب العام.

وبعد إطلاق سراح "الوليد"، ارتفعت أسهم شركة "المملكة القابضة" التي يمتلك 95% من أسهمها، بنسبة 10% (الحد الأقصى)، وكان احتجازه قد أدى إلى تدهور أسهم المجموعة وخسارته ملايين الدولارات.

- مخاوف
صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، من جانبها، ذكرت في تقرير سابق لها، أن الاعتقالات بثّت حالة من عدم اليقين بين المستثمرين، الذين يخشون من توسّع الحملة ضد قادة الأعمال في المملكة.

وأشارت إلى أنه رغم أن الانكماش الاقتصادي والاضطرابات الجيوسياسية الإقليمية قد أدت بالفعل إلى هروب رؤوس الأموال من المملكة، على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن هذه التطورات الأخيرة ستسرّع وتيرة التدفقات الخارجة من السوق.

ولم يقتصر الأمر على السيطرة الإدارية، فقد أعلنت مجموعة "بن لادن"، في بيان على موقعها، السبت 13 يناير 2018، أن بعض مساهميها قد يتنازلون عن حصصهم للحكومة السعودية في إطار تسوية مالية مع السلطات، دون مزيد من التفاصيل.

وبالتزامن مع حملة الاعتقالات والسيطرة على إحدى أضخم شركات المقاولات بالشرق الأوسط، تواجه السعودية تهديداً مستمراً من مليشيا الحوثيين في اليمن؛ باستهداف عاصمتها بالصواريخ الباليستية.

وفي تحليله لتأثير السياسات السعودية على الاستثمار في البلاد، قال الخبير الاقتصادي عبد التواب بركات، في تصريح سابق: إن "النظام السعودي يتجه إلى السيطرة الحكومية على شركات خاصة ورجال أعمال مؤثِّرين في الاقتصاد الوطني، مثل مجموعة بن لادن العملاقة، سواء بالإدارة أو قد يتطور الأمر في المستقبل إلى الاستحواذ الكامل بالمصادرة والتأميم".

وأضاف بركات: "هذه المستجدات التي ظهرت بالمملكة بعد تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً وحيداً للعهد، تخلق أجواء غير مستقرة، ونظرة ضبابية تجاه نشاط المال والأعمال والاستثمار الوطني والأجنبي".

وتابع: "سواء كان الاستحواذ على مجموعة بن لادن واعتقال رجال الأعمال بهدف محاربة الفساد، حسبما يزعم النظام الحاكم، أو الاستئثار بالسلطة، مثلما يرى كثيرون، فإن ترؤس ولي العهد لجنة مكافحة الفساد بنفسه، يخيم بظلال سلبية على العلاقة الجديدة بين السلطة الحاكمة في المملكة ورجال المال والأعمال".

ويشير بركات إلى أن أمر الملك سلمان بن عبد العزيز بمنح لجنة مكافحة الفساد مهامَّ "خطيرة"، مثل تتبُّع الأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج، وتجميدها، ومنع نقلها أو تحويلها، وكشف الحسابات والمحافظ الاستثمارية، وإعادة الأموال المجمدة للخزينة العامة، يهدد أموال الشركاء والمستثمرين الأجانب بالتجميد أو المصادرة.

يشار إلى أن الاقتصاد السعودي يواجه تحديات قاسية؛ بسبب حرب اليمن، وتراجع أسعار النفط، إضافة للسياسات الجديدة للبلاد، ما ينذر بوصوله لحافة الهاوية، في حال استمرّت المملكة على الخطى ذاتها.

وبحسب بيانات رسمية سعودية، فإن احتياطي النقد الأجنبي لدى السعودية تراجع بعد الحرب، بشكل غير مسبوق، فبعد أن كان 737 مليار دولار، عام 2014، انخفض إلى 487 ملياراً، في يوليو 2017.

وأيضاً، فإن الدين العام للسعودية ارتفع بشكل كبير؛ فقد كشفت أرقام الموازنة العامة للمملكة لعام 2018، أن قيمة الدين العام للمملكة وصلت مع نهاية عام 2017 إلى 438 مليار ريال (116.8 مليار دولار)، مقابل 316 مليار ريال (84.4 مليار دولار) بنهاية عام 2016.