مطلع 2018 .. غلاء الأسعار يجتاح 7 دول بالمنطقة ويدفعها للتظاهر

مع مطلع عام 2018، أقرّت عدة دول عربية إجراءات جديدة تمخّضت عن زيادة في أسعار عدد من المواد الغذائية والخدمات الأساسية.
وفي الوقت الذي تستنكر فعاليات سياسية في عدة دول هذه الإجراءات، عرفت دول أخرى كتونس احتجاجات وُصفت بـ "الحاشدة"، في حين يطرح مراقبون عدة تساؤلات بخصوص مآل هذه الاحتجاجات وتداعياتها.
- إيران: غلاء تحوّل لمطالبة بـ"إسقاط النظام"
وشهدت إيران في الأيام القليلة الماضية مظاهرات وُصفت بـ "الأضخم من نوعها" منذ سنة 2009، أدّت إلى مقتل العشرات وسجن المئات.
وخرجت الاحتجاجات في البداية بسبب موجة الغلاء وتزايد الفساد، وسرعان ما تحوّلت المظاهرات في عدة مدن إلى المطالبة بإسقاط النظام في البلاد، والمرشد علي خامنئي.
وانطلقت المظاهرات في البداية بـ 3 مدن؛ احتجاجاً على ارتفاع الأسعار والفساد، وسياسات الحكومة التعسّفية ضد الفقراء والمهمَّشين، ثم امتدّت خلال اليوم الثاني إلى نحو 15 مدينة وبلدة، ليتجاوز عدد المدن المحتجّة فيما بعد الـ 70 مدينة.
وفي الوقت الذي اتّهم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، "أعداء إيران" بـ "تأجيج هذه الاحتجاجات وتضخيمها، كان لأمريكا وبريطانيا ودول أخرى مواقف داعمة لهذه الاحتجاجات.
وفي أعقاب ذلك، أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني، عبر خطابٍ متلفز، انتهاء ما وصفها بـ "الفتنة"، في إشارة إلى المظاهرات المناهضة للنظام.
- السعودية: إنقاذ للموازنة و"إغراق" للمواطنين
وتسبّبت الإصلاحات الاقتصادية التي تنهجها السعودية في زيادة مباشرة في الضريبة على القيمة المضافة، وأيضاً في أسعار المحروقات والكهرباء، ومواد أساسية أخرى.
ويتذمّر المواطنون السعوديون من "غلاء" المعيشة، خاصة أن "المعاشات لم تعرف زيادة بموازاة ذلك".
وفي الوقت الذي عمّت شبكات التواصل الاجتماعي منشورات منتقدة لهذه الإجراءات، أمر العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بصرف تعويضات للمواطنين، سواء العسكريون أو غيرهم.
تونس
وفي تونس، تتّسع رقعة الاحتجاجات يوماً بعد آخر؛ بسبب الزيادات الضريبية التي أقرّها قانون المالية الجديد، لتؤثّر مباشرة في أسعار المواد الأساسية.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية، إن بلاده أوقفت 773 شخصاً؛ بتهمة المشاركة في "أحداث الشغب" التي اندلعت مؤخراً.
وهذه الإجراءات تقول الحكومة التونسية إنها مهمّة للحدّ من عجز الموازنة، الذي بلغ 6% في العام 2017.
وطالت الزيادات المحروقات، وبطاقات شحن الهواتف، والإنترنت، والعطور، ومواد التجميل، وستشمل تدريجياً مواد أساسية؛ مثل الخبز والبن والمياه والشاي، بحسب مصادر حكومية.
وقرّرت الحكومة التونسية، السبت الماضي، تخصيص 100 مليون دينار (نحو 40 مليون دولار) زيادةً في منحة العائلات الفقيرة، وكفالة الرعاية الصحية المجانية لـ 200 ألف أسرة، وذلك لإنهاء الاحتجاجات.
- السودان: العيشة بجنيه
وفي السودان، يحتجّ المواطنون على غلاء الأسعار، وبالأخصّ أسعار الخبز، التي تضاعفت بعدما قرّرت الحكومة التوقّف عن استيراد القمح، وعهدت للقطاع الخاص القيام بذلك، ما أثار استياءً كبيراً بين السكان.
ورفعت المطاحن سعر كيس دقيق القمح من فئة 50 كيلوغراماً من 167 (24.2 دولاراً) إلى 450 جنيهاً سودانياً (65 دولاراً)، ما أدّى لاندلاع مظاهرات معارضة للحكومة في بعض مناطق البلاد.
في المقابل، واجهت الحكومة هذه الاحتجاجات بـ "القمع"، متّهمة المحتجّين بـ "التخريب"، كما تحدّثت عن "تدخّل أيادٍ خارجية لتأجيج الأوضاع بالبلاد".
وتداول نشطاء سودانيون وسم (هاشتاغ) "العيشة بجنيه"، وذلك في إشارة إلى ارتفاع أسعار الخبز بالبلاد، في حين انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات تنتقد هذه الإجراءات الحكومية، مطالبة إياها بالتراجع عنها.
وترى فئة واسعة من المغرّدين أن زيادة الأسعار كشفت المسؤولين الذين لا يكترثون لمعاناة المواطن اليومية، بينما يعيشون هم حياة الرخاء والبذخ، بحسب قولهم.
- الأردن
من جهتها أعلنت الحكومة الأردنية، الاثنين 15 يناير، حزمة كبرى من زيادات الضرائب، بتوجيه من صندوق النقد الدولي، تقول إنها ضرورية لخفض المستوى القياسي للدين العام تدريجياً، ولإعادة الاقتصاد الذي تضرّر جراء الصراع الإقليمي إلى النموّ مجدداً.
كما رفعت الدعم عن الخبز، وسط أوضاع صعبة يعاني منها المواطن الأردني، ومخاوف من احتجاجات تعمّ البلاد رفضاً لارتفاع الأسعار.
- لبنان
كما تعيش السوق اللبنانية فوضى في أسعار السلع والخدمات، منذ مطلع العام الجاري، مع بدء الحكومة هناك تطبيق زيادة ضريبة القيمة المضافة بنسبة 1%، إلى 11%.
قرار الحكومة بزيادة ضريبة القيمة المضافة يأتي بموجب القانون رقم 64، الصادر في أكتوبر 2017، الهادف إلى تمويل سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام.
ورافق إصدار القانون قبل شهور، وتنفيذه مطلع العام الجاري، جدل كبير بين الأحزاب اللبنانية المؤيّدة والمعارضة، التي وصفته بالمجحف بحق المواطن الذي يعاني بطالة متصاعدة وفقراً.
وعلى الرغم من استثناء أكثر من 90 سلعة أوّلية من الضريبة، فإن غير التجار والمستوردين استغلّوا الظروف ورفعوا أسعار عشرات السلع المعفاة، خاصة الغذائية منها.
ومنذ العام الماضي، تشهد المالية العامة اللبنانية ضغطاً مع إعلان أول موازنة منذ أكثر من عقد، وسط خطوات حكومية لرفع الضريبة، وتوظيف الأموال المحصلة لصرفها على رواتب الموظفين العموميين والترقيات.
- المغرب: "لا لضرب مجانية التعليم"
وفي المغرب، يشتكي المواطنون ارتفاع أسعار المحروقات، بالإضافة إلى "غلاء المعيشة"، خصوصاً من خلال "ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه"، كما يتهمون الحكومة بـ "ضرب مجانية التعليم"، من خلال قانون يفرض رسوماً على الاستفادة من التعليم العمومي.
ويحذّر نشطاء الحكومة من "رفع الدعم عن قنينات الغاز"، وأيضاً "مجموعة من المواد الأساسية الأخرى التي تدعمها الحكومة".
ويطالب مواطنون بكلٍّ من مدينة جرادة (شرق)، وإقليم الحسيمة (شمال)، الحكومة بخلق فرص للشغل وإحداث مشاريع تنموية مدرّة للدخل.
في المقابل، تُرجع الحكومة ارتفاع أسعار المحروقات إلى "الأسعار الدولية"، مشددة على أن "الأسر الميسورة وحدها المعنيّة برسوم التمدرس".
وتقول الحكومة أيضاً إنها غير عازمة على رفع الدعم على أي من المواد الاستهلاكية محطّ الجدل.
ويعاني صندوق الموازنة بالمغرب من أزمة مالية منذ سنوات، اضطرّت بسببها الحكومة السابقة إلى رفع الدعم بشكل كامل عن المحروقات.
وفي هذا الصدد، يقول الإعلامي المغربي، ياسر الخلفي، إن السبب المباشر لهذه الاحتجاجات، سواء الافتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية والمغرب، أو التي خرجت إلى الشارع في السودان وتونس، يرجع أساساً إلى "سياسات هذه الدول طوال سنوات ماضية".
وقال الخلفي: "من الطبيعي في ظل عدم تطوير مصادر تمويل الدول أن يحصل خلل في موازين صناديق الدعم الموجه للمواد الحيوية". مضيفاً: "ومن ثم فإن الدولة لن تجد خياراً أمامها سوى رفع الدعم أو التقليل منه، إلى جانب الرفع من الضرائب أو خصخصة بعض القطاعات".
وأضاف: "من الطبيعي أن يحتجّ المواطن؛ لأنه أمام أمرٍ واقع، يتمثّل في ارتفاع تكاليف الحياة، مقابل بقاء راتبه على ما كان عليه منذ سنوات".
ولفت إلى أن الدول أصبحت واعية بخطورة مثل هذه الاحتجاجات، كما أنها طوّرت "تقنيات" لمواجهتها، مضيفاً: "لا أظن أنها ستتوسّع أكثر؛ لأن الزعماء سيحاولون إخمادها بإجراءات شكلية هنا وهناك، تماماً كما فعلت السعودية من خلال صرف علاوات وإنشاء صندوق حساب المواطن".
وعلى الرغم من نجاعة هذه الإجراءات الجزئية، وأيضاً مراهنة السلطات على عامل الوقت، الذي قد يؤثر سلباً على زخم الاحتجاجات، ويؤثّر على نفسيات أصحابها، (على الرغم من ذلك) تبقى هذه الحلول "ترقيعية" بحسب المتحدث.
وقال: "الأصل هو أن تتم إعادة النظر في طرق توزيع الثروة في دولنا العربية"، وأيضاً "النماذج الاقتصادية المعتمدة"، وإلا فسيأتي المستقبل بأوضاع أكثر تأزّماً لا تنفع معه الإجراءات الجزئية، بحسب قول الخلفي.
من جهتها تربط لمياء العمراني، الباحثة في العلاقات الدولية، بين اتساع رقعة الاحتجاجات و"سياسة الآذان الصماء" من طرف المسؤولين.
وأوضحت أن "الاحتجاجات الأولى في مصر أو تونس، إبّان الربيع العربي، كانت ترفع شعارات لتحقيق العيش الكريم"، لتستدرك: "لكن تجاهل السلطات لهذه المطالب، واستخدام العنف، جعلها تتوسّع وسقفها يرتفع إلى حدّ المطالبة بإسقاط النظام".
وشددت على ضرورة "عدم الاستهانة بأي حدث ولو كان صغيراً"، لأن من شأن ذلك في حالة تطوّره أن يأخذ مسارات غير قابلة للسيطرة.
ولفتت إلى أن "الحل الجذري هو تحقيق العيش الكريم للشعوب، وتوزيع خيرات البلدان بشكل عادل على المواطنين".