هل تتعلم السعودية الدرس من كوريا الجنوبية في محاربة الفساد؟
خاص سياسي - جهاد السقا
قبل شن حملة اعتقالات الأمراء السعوديين، عقد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مؤتمرا للاستثمار يضم عددًا من رجال الأعمال والمستثمرين للإعلان عن مشروع تنموي ضخم من شأنه أن يُحدث تغييرا جذريًا في اقتصاد المملكة، ثم جاءت تلك الاعتقالات بزعم قضايا فساد واستطاع عدد من هؤلاء الأمراء المحتجزين دفع مبالغ تقدر بالمليارات للحصول على حريتهم.
كما انتشرت مؤخرا عدة شائعات عن عزم الدولة على الاستحواذ على العديد من الشركات الخاصة وضمها لصندوق الاستثمار العام للحكومة؛ مما تسبب في كثير من المخاوف والقلق للمستثمرين وانعكس ذلك على العديد من الأعمال؛ فقد انخفضت أسهم شركات الأمير وليد بن طلال بما يزيد عن 21 بالمائة بما يساوي 2.8 مليار دولار مباشرة بعد تلك الحادثة.
وعامة فإن مثل تلك التصرفات من الحكومة تُرهب المستثمرين خاصة عند التفكير فيما تفعله الحكومة في المواطنين السعوديين البارزين وفي احتمال أن يحدث ذلك في أي مستثمر أجنبي أو عربي.
عندما ظهر النفط في سبعينات القرن العشرين شهد الاقتصاد السعودي ازدهارًا غير مسبوق وتوسعًا في المشاريع والأعمال التجارية الضخمة ولعب حينها رؤساء تلك الشركات دوراً محورياً في بناء الاقتصاد السعودي الحديث وتمتعوا بعلاقة وطيدة مع الحكومة السعودية التي منحتهم دعمًا قويًا مما ساهم في زيادة النمو، ولكن كان لهذا التطور السريع جانب آخر سئ؛ فقد انتشر الفساد في كل جوانب المجتمع السعودي بما فيهم أفراد العائلة المالكة السعودية.
وعلى الرغم من ضرورة محاربة الفساد والقضاء على الفاسدين إلا أن استهداف أفراد العائلة المالكة أصحاب المشاريع التجارية والأعمال الضخمة سيكون له تأثير سلبي أكيد على الاقتصاد، وتلك قصة قريبة الشبه بما حدث في كوريا الجنوبية.
فقد أدى سقوط رئيسة كوريا الجنوبية العام الماضي إلى كشف نظام كامل من الفساد؛ فبعد انتهاء الحرب بين الكوريتين حرص رئيس كوريا وهو والد رئيسة كوريا السابقة على تقديم تسهيلات وامتيازات قوية لرجال الأعمال والمستثمرين من أجل حثهم على بناء اقتصاد الدولة مقابل حصول الرئيس على حصة من أرباح تلك الشركات.
أدت تلك الاستراتيجية إلى ظهور مشاريع تجارية ضخمة تملكها عائلات معينة يحمل الكثير منها أسماءً معروفة مثل سامسونج وهيونداي. استطاعت تلك المشاريع إعادة بناء الدولة وجعلتها دولة صناعية قوية.
ولكن كانت السياسة التي تبنتها كوريا لمكافحة الفساد تختلف تماما عن السياسة التي تطبقها السعودية حاليا؛ فعلى الرغم من محاكمة الرئيس علنياً لم تتأثر الأعمال المرتبطة بتلك القضايا بأي شكل وبالتالي لم يتأثر الاقتصاد أيضًا، حتى بعد إسقاط رئيسة البلاد وحكومتها ظلت الأعمال المالية اليومية قائمة وتعمل كحالتها الطبيعية. وقد أكد هذا تصريح قائد البلاد حينها أن رحيل الرئيس لن يؤثر على استقرار الأعمال.
وما يحدث حالياً في السعودية هو أمر مختلف تماما عما حدث في كوريا؛ فعلى الرغم من إعلان السعودية عن خطة التنمية الشاملة "رؤية "2030، إلا أن نجاح تلك الخطة يعتمد على تطبيق مبادئ الشفافية والمساواة، ولكن أيضا المحافظة على استقرار الأعمال في البلاد هو عامل أساسي في نجاح تلك الخطة؛ فغالبية رجال الأعمال لديهم علاقة قوية بالحكومة السعودية ومصالح مشتركة ومحاربة هؤلاء بدون اتخاذ الاحتياطات اللازمة سيؤدي حتما إلى إضرار الاقتصاد، فبدلا من اتخاذ إجراءات متسرعة ضد الفساد والفاسدين يجب أولًا تطبيق مبادئ المساواة والشفافية وتطبيق القانون بدون محاباة لطرف عن الآخر، فلا يهم حقا ما يحصل عليه الأمير محمد بن سلمان من هؤلاء الأمراء فمهما يتحصل منهم من منافع لن تصب في مصلحة الاقتصاد القومي للبلاد.
يجب التفرقة بين الثروة التي يجمعها هؤلاء عن طريق الأعمال المشروعة والتي يتحصلون عليها فقط لكونهم أفرادًا من العائلة المالكة، فقد تسببت سيطرة العائلة الملكية في قطاع الأعمال خلال العقود الثلاث الماضية بالكثير من الأضرار للشعب السعودي والاقتصاد بشكل عام؛ فمثلا حصل هؤلاء الأمراء على ملايين من الأمتار المربعة من الأراضي مما أدى إلى ارتفاع أسعار المنازل على الشعب. كما دمروا مخزون المياه بحصولهم على تراخيص لحفر آبار لمزارعهم الخاصة.
فقد ساهمت العائلة المالكة في خلق طبقة فاسدة من رجال الأعمال الذين لم يقدموا أي فائدة للاقتصاد؛ لذا فإذا أراد محمد بن سلمان القضاء على الفساد عليه المحافظة على مبدئين رئيسيين: الثقة في الدولة، وتعزيز دور الشركات التجارية الكبيرة،ففقدان ثقة المستثمر تعني تنفيرهم من الاستثمار في تلك البلد.
ثانيا، يجب على محمد بن سلمان اعتبار الشركات الكبيرة التجارية في البلاد كثروات قومية تستحق الاهتمام والدعم.