هل تندلع ثورة أخرى في إيران؟
خاص سياسي - جهاد السقا
تجمع الأسبوع الماضي عدد من الأشخاص في مدينة مشهد الإيرانية للتظاهر ضد السياسات الاقتصادية للحكومة. وتعتبر مدينة مشهد مكانا مقدسا لـ 250 مليون شيعي مسلم حول العالم حيث يرقد الإمام رضا وهو ثامن الأئمة الشيعة في مقبرته هناك.
ويعتبر مقام الإمام رضا أيضا مالكا لمجموعة شركات تجارية ضخمة تساوي مليارات الدولارات حيث تملك العديد من المصانع والبنوك والمستشفيات في أماكن مختلفة بإيران. ويتولى الإشراف على تلك الأعمال المرشد الأعلى للثورة علي الخامنئي.
ووجود مجموعة شركات الإمام رضا في مدينة مشهد يجعلها ثالث أهم مدينة في إيران بعد العاصمة طهران ومدينة قم وهو المكان الذي يعيش فيه معظم القادة الإيرانيين. لذا فالمدينة تحظى باهتمام شديد من قبل الجهات الأمنية والاستخباراتية بما فيها وزارة المخابرات الإيرانية ووحدة استخبارات الحرس الثوري والشرطة وذلك للتأكد من ضمان سلامة وأمان ملايين الحجاج الذين يأتون من جميع نواحي إيران والعالم أجمع.
لذا فالتظاهر في تلك المدينة يحمل معنى رمزيا معينا وهو ان الشعب باستطاعته أن يعبر عن رأيه حتى في ظل وقوعه تحت مراقبه شديدة من جميع الجهات الأمنية فإذا كان بإمكان الإيرانيين التظاهر في مدينة مشهد هذا يعني أن لا أحد يمكنه منعهم من التظاهر في أي مكان.
فقد اجتمع آلاف من المتظاهرين الإيرانيين في مدينة مشهد للتعبير عن غضبهم بشأن السياسات الخارجية للحكومة والحكومة الإسلامية التي تسيطر على الحكم منذ عام 1979.
اشتملت المظاهرة على موظفين في القطاع العام والخاص الذي يعانون من ارتفاع الأسعار منذ سنوات ومتقاعدين يشتكون من تأخر صرف المعاشات وأشخاص فقدوا أموالهم بسبب الاستثمار في خطط استثمارية مختلفة وأخرون يعتقدون أن حقهم كمواطنين إيرانيين مهدر بسبب قرارات الحكومة.
وندد العديد من المتظاهرين بالإصلاحات الأخيرة التي تقوم بها الحكومة قائلين إنها تزيد من الحالة الاقتصادية السيئة للشعب الإيراني. ففي 10 ديسمبر قدم الرئيس الإيراني حسن الروحيني ميزانية الحكومة والتي من شأنها أن تزيد من غلاء المعيشة كما تحتوي على تخصيص مبالغ هائلة للمؤسسات الدينية في إيران وغيرها. لذا فقد هتف المتظاهرون بشعار " ليس غزة ليس لبنان أنا أعطي حياتي لإيران".
ويرى العديد من الإيرانيين أن المساعدات الاقتصادية التي تقدمها إيران لحماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني ونظام الأسد في سوريا والحوثيين في اليمن عبء على الاقتصاد الإيراني ولا تجني أي فائدة.
وعلى الرغم مما أثارته تلك المظاهرة من حماس إلا أن لا أحد يفهم بالضبط ما يحدث في يران. فالأمر مربك للمحللين والسياسيين الذين اختاروا الصمت فالمتظاهرين لا يدعمون أي شخص أو مجموعة بل هتفوا بعبارات ضد روحيني وخامنئي معا ولكن الوضع يختلف عما حدث في 2009 فلا يوجد قائد لتلك المظاهرة.
وقيل إن الرئيس روحيني جمع الوزراء والمستشارين للنقاش بشأن ما حدث وقد ألمح نائب الرئيس أن المتشددين يستغلون المشاكل الاقتصادية للشعب لإسقاط الحكومة. وقيل إن بعض المتشددين أثابهم الغضب بسبب الشعارات ضد الخامنئي لأنه من المفترض أن له قدسية بين الشعب.
وتم إلقاء القبض على المئات من الأشخاص خلال اليومين الذين تلوا المظاهرة مباشرة. ولم يتم إطلاق سراح أي منهم.
وتدل تلك المظاهرة على استياء الإيرانيين من النظام بشكل عام سواء كان ذلك في شكل الرئيس الإيراني روحيني أو القائد الأعلى الخامنئي.
لذا قد يكون ذلك سببا لتوحيد صفوف الجبهتين لفترة ولو قصيرة ولكن حتما سيعود الاقتتال الداخلي مرة أخرى. فروحيني والخامنئي لديهم العديد من الخلافات التي تمنعهم من التعاون معا بشكل دائم. فلا يمكن أن يتجاهل روحيني الدور المدمر لاتباع الخامنئي في الحرس الثوري وسيطرتهم المحكمة على الاقتصاد.
فالحراس بالفعل يديرون سياسات إيران على النطاق الأوسع فمثلا يقدمون مساندات لبشار الأسد وحزب الله كما يتهكمون من محاولات روحيني لإعادة العلاقات مع جيران إيران والغرب.
ومن الناحية الأخرى لا يستطيع القائد الأعلى الإيراني إرضاء ملايين من الإيرانيين الذين يرغبون في الحصول على الرخاء والحرية وإرضاء داعميه الذين يتمتعون بسلطة مطلقة منذ أربعين عاما في نفس الوقت.
وهل تعتبر تلك المظاهرة بداية ثورة؟ لا ليس بعد ففي الوقت الحالي تعتبر الحكومة الإيرانية هي أسوأ عدوا لها والشعب الإيراني يعي ذلك جيدا. فوحدها الازمات الاقتصادية التي تزيد من الاقتتال الداخلي هي القادرة على إسقاط هذا النظام الفاسد.