"ترامب" بصدد اتخاذ قرارا مدمرا للمرة الثالثة
خاص سياسي - جهاد السقا
أصبح الشرق الأوسط الآن مزعزعًا بسبب الأزمات والحروب الأهلية في عدد من الدول العربية، وفي وسط كل تلك الصراعات تعتبر قضيتان هما المشكلتان الأساسيتان أمام الولايات المتحدة: النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والبرنامج النووي الإيراني وكلاهما مشاكل لا يسهل حلها إطلاقًا.
وبسبب قرارين مندفعين للرئيس الأمريكي "ترامب" الذي تجاهل توصيات فريق الأمن القومي الأمريكي، تحول الوضع الحالي للقضيتين من سيئ إلى أسوأ.
والسؤال الذي يجب طرحه هنا هل سيستطيع مجلس الشيوخ الأمريكي أو التحالف الأوروبي منع "ترامب" من اتخاذ قرار ثالث كارثي؟
بتأمل تصرفات وقرارات "ترامب" نجد أن هناك قاسمًا واحدًا مشتركًا بينهما وهو تجاهل رأي بقية النظام الأمريكي والإصرار على تنفيذ رأيه فنجده قد رفض تجديد الاتفاق النووي مع إيران في أكتوبر كما أصر على الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل.
وكان رأي مجلس الشيوخ في كلا الحالتين هو تجديد نفس السياسة التي اتبعها الرؤساء من قبله فهم قد حثوه على الحفاظ على تلك السياسات لكي لا يعرض المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط للخطر.
ولكن تفكير "ترامب" مختلف فيبدوا أن السبب الرئيسي وراء اتخاذه لمثل تلك القرارات المدمرة هو أن يبدوا مختلفاً عن ما سبقوه من رؤساء فهو يرغب في أن يثبت أنه يختلف عن الآخرين لهذا لا يجب أن يفعل ما كان يفعله أوباما او بوش أو كلينتون. وهو قد صرح بذلك قائلا إن الرؤساء السابقين قد فشلوا في اتخاذ مثل تلك القرارات والأمر مختلف بالنسبة له.
وهذا يجعل مستشاري الرئيس الأمريكي في حالة من القلق محاولين أن يخلقوا لتلك القرارات سياقًا لتبدوا وكأنها ضمن استراتيجية معينة والحقيقة أن تصرفات "ترامب" لا تستند إلى خطة على الإطلاق. بل تسببت تلك القرارات في إضعاف علاقات أمريكا مع الدول الأخرى، الأمر الذي ظهر من خلال الاستقبال البارد لوزير الخارجية الأمريكية في بروكسل.
فقد وصف الوزراء الأوروبيين قرار "ترامب" بشأن القدس بأنه غاية في الخطورة وكارثي. كما تسبب في أحداث شغب في الضفة الغربية مما يثير المخاوف من عمليات إرهابية مستقبلية ضد أمريكا.
ويبدوا أن إيران هي أكبر مستفيد من تلك القرارات الأمريكية. فالاعتراف بأن القدس عاصمة إسرائيل سيضعف علاقات أمريكا مع دول الشرق الأوسط مما يؤثر على قدرتها على ردع الاعتداءات الإيرانية على المنطقة. كما يدعوا "حزب الله" و هو فصيل محالف لإيران إلى انتفاضة فلسطينية جديدة وإذا تحقق ذلك فسيسقط الرئيس الفلسطيني محمود عباس مما يتيح الفرصة ل"حماس"، حليفة إيران إلى تولي الحكم.
أما أكبر مكسب لإيران فستحصل عليه بإنهاء "ترامب" الاتفاق النووي معها فأمام مجلس الشيوخ 60 يومًا للتقرير بشأن إعادة فرض العقوبات على إيران والمجلس لن يوافق على ذلك مما يعني أن سيكون على "ترامب" اتخاذ قرار مصيري آخر إما بالاستمرار في تعليق العقوبات على إيران أو بالإطاحة بالاتفاق النووي بأكمله.
مما يثير القلق لمجلس الشيوخ والمسؤولين في أوروبا وخاصة أن مفتشين الأمم المتحدة أكدوا دائمًا احترام إيران لهذا الاتفاق مما يجعل الأوروبيين وروسيا والصين رافضين لقرار "ترامب" بإلغاء الاتفاق مع إيران. وبإلغاء الاتفاق تكون الفرصة قد سنحت لإيران إما بعزل الولايات المتحدة والاستمرار في تنفيذ الاتفاق أو اتخاذ قرار أمريكا كعذر لزيادة أنشطتها النووية وعندها لن يكون أمام الولايات المتحدة إلا الحرب وهي غير مستعدة لها إطلاقًا.
هذا الموقف يجعل المسؤولين الأوربيين وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في حالة من التأهب ومحاولة وضع بعض التشريعات التي لا تنتهك الاتفاق الحالي مع إيران وفي نفس الوقت تفرض بعض القيود عليها وهذا حل قد يكون مستحيل.
لذا فالحل هو تقييد الرئيس الأمريكي بوضع شروط تضمن عدم اتخاذه قرار بهذا الشأن إلا بعد مراجعة مجلس الشيوخ.