بقلم عبد المنعم سعيد كلام ساكت..!!

الإخوة السودانيون هم الذين تعود لهم الحقوق الحصرية لتعبير «كلام ساكت»، وهو لديهم ذلك الكلام الذى ليس له معنى، ولا تُجنى من ورائه فائدة، هو لغو بمعنى آخر فى الحياة العملية.


ربما كان للتعبير معانٍ أكثر اتساعا، حيث يكون للكلام معنى، ولكنه لا ينطبق على مقتضى الحال، أو أنه لا يزيد عن تقرير ما هو معروف أو بديهى، وأحيانا للتغطية على أن صاحبنا الذى يقول لا يعرف شيئا عن الموضوع. 

أقرب الموضوعات إلى أذهاننا هذه الأيام هو «كرة القدم»، التى ألحت علينا عندما كنا لا نذهب إلى كأس العالم، ثم ألحت علينا مرة أخرى بعد أن ذهبنا إلى كأس العالم.

 وكأن هذا الهدف النبيل لا يكفى، فقد باتت كرة القدم «تستحوذ»- وهو تعبير كروى شائع- على أذهاننا، وصدق أو لا تصدق بسبب انتخابات الأندية، التى كانت نسبة الحضور إليها تتجاوز 40% ممن لهم حق التصويت، وهى نسبة لم تحققها من قبل انتخابات برلمانية ولا رئاسية.

 ومع كل هذا الاهتمام، فإن الذين يتحدثون عن المباريات يقولون لنا عبارات مثل أن هذا أو ذاك من المدربين سوف يخوض المباراة باستراتيجية تقوم على التوازن بين الدفاع والهجوم، ولما كنا نعرف أنه لا توجد استراتيجية تقوم على خلل التوازن بين الدفاع والهجوم، فإن ذلك الإقرار بالتوازن لا يضيف لنا كثيرا من المعرفة. 

مثل ذلك يحدث أيضا عندما يكتب الكاتب، أو يقول الخبير فى الاستوديو التحليلى، إن الفريق كذا سوف يسعى إلى إحراز هدف مبكر لكى يسبب القلق للفريق المنافس.

 ورغم سماع هذه الحكمة الذائعة كثيرا، فإن الواقع لا يفاجئنا عندما لا نجد هدفا مبكرا ولا متأخرا. الحقيقة وراء هذه الكلمات شبه المحفوظة هى أنه لا الكاتب يعرف، ولا كذلك المحلل، هو كلام ساكت لا أكثر ولا أقل.

ولكن الكلام الساكت لا يكثر لدينا فقط، بل إنه شائع فى «أوروبا والدول المتقدمة» عندما يخصنا نحن فى مصر، وعندما يتعلق الأمر بأخطر الأمور: الإرهاب. ومن المعلوم بالضرورة أن الإرهاب يقوم به إرهابيون، ولكن الصحافة والإعلام الغربى فى عمومه مصممان على أن العالم يعانى من «الإرهاب» و«الإرهابيين»، ولكنهم فى مصر وحدها يطلق عليهم أسماء أخرى مثل «المتعصبين» أو رجال «حرب العصابات» أو «المعارضة المسلحة».

 التعبير الأخير يناقض نفسه، فلا يمكن أن تكون «المعارضة» هكذا معارضة، وفى نفس الوقت تكون مسلحة، وإلا لتوقفت عن كونها كذلك وصارت شيئا آخر. كل التعبيرات على أى الأحوال تأخذ العالم كله بعيدا عن الوصف الذائع فى الدنيا كلها عن عمليات العنف التى توجه إلى المدنيين، بهدف بث الخوف والذعر والفزع لكى يخضعوا ويسلموا فى النهاية لإرادة سياسية فاشية من نوع أو آخر. 

مثل هذه الحالة عندما تحدث فى بلاد الدنيا كلها فإنها تسمى إرهابا، وفى مصر وحدها فإنها تصير نوعا آخر بأوصاف كلام ساكت يهرب من الموضوع الأصلى إلى موضوعات أخرى، ولها مكان آخر.

آخر الكلام الساكت جرى فى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عندما قامت جماعات بريطانية فاشية معروفة ببث ثلاثة فيديوهات للتدليل على إرهاب المسلمين عندما يقتلون بعضهم بعضا أو يقتلون الآخرين ويعتدون عليهم بلا رحمة. ثارت الدنيا فى لندن لأن الفيديوهات عنصرية، وتؤدى إلى الكراهية، وربما أيضا إلى العنف. الرئيس دونالد ترامب احتفى بالفيديوهات الثلاثة فى «تغريداته» اليومية، مؤكدا أن ذلك يدلل على سلامة موقفه ضد المسلمين وقدومهم إلى الولايات المتحدة منذ أيام حملته الانتخابية. 

الكلام حتى الآن ليس ساكتا، فالرجل فى هذا الشأن لم يكن أبدا لطيفا، ولا ناعما، ولكن الكلام الساكت جاء من صحيفة «واشنطن بوست»، التى اختارت الفيديو الثالث لكى تحكى قصصا أخرى لا علاقة لها بما جرى فى المشهد الذى جرى فى 28 يوليو عام 2013 بمدينة الإسكندرية عندما قام «إرهابى» بإلقاء طفل من أعلى مبنى إلى أسفله. كلنا نذكر هذا المشهد، ولكن الصحيفة الأمريكية لم تجد فى ذلك إرهابا، وإنما رأته جزءا من «العنف» المتبادل بين السلطة وأنصار الرئيس مرسى. كلام ساكت يهرب من الحقيقة الإرهابية إلى عالم آخر.