بقلم خالد البرى: ميشال عون وحزب الله .. الجنرال في متاهته
نحن الآن في مسرحية عن علاقة الجنرال ميشيل عون بحزب الله. رأينا منها حتى الآن 5 مشاهد.
أولها رفضه التوقيع على اتفاق الطائف عام 1989 بسبب سماح الاتفاق لميليشيا حزب الله بالإبقاء على سلاحها حتى زوال الاحتلال الإسرائيلي. الاعتراض الذي عزله عربيا ودوليا وقتها، وجعله يلجأ إلى فرنسا.
المشهد الثاني وقف فيه الجنرال أمام الكونغرس الأميركي ليدلي بشهادته، عام 2003، بشأن التدخل السوري ودور ميليشيا حزب الله في لبنان. على إثر هذه الشهادة صدر قانون محاسبة سورية، ثم قرار مجلس الأمن 1559 الذي يدعو إلى حل سلاح الميليشيات في لبنان.
هذا الفصل من علاقة ميشال عون بحزب الله ينتهي بالمشهد الثالث: عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في فبراير 2005، حمّل عون حزب الله مسؤولية الاغتيال، وفي سياق المظاهرات التي أدت إلى خروج الجيش السوري من لبنان عاد إلى بلاده، كأحد رموز الاستقلال.
أسدل الستار.. رفع الستار
المشهد الرابع كان مفاجئا للجميع، وبه بدأ عون الفصل الثاني من مسرحيته السياسية. في فبراير من عام 2006 وقع وثيقة التحالف مع ميليشيا حزب الله. واستمر في هذا التحالف حتى والميليشيا تعرض لبنان إلى الامتحان الأصعب الذي طالما حذر منه معارضو السلاح الميليشياوي.
قرار منفرد لحزب الله جر لبنان إلى حرب لم يستعد لها. ضربت فيه بنيته التحتية. ودفع الشعب كله ثمن قرار اتخذه حسن نصر الله بالتشاور مع دولة أخرى يعلم الجميع، وأولهم ميشيل عون كما وضح في تصريحات سابقة، أنها صارت المحرك الفعلي لقرار الدولة اللبنانية.
آخر ما رأينا من هذه الدراما اللبنانية، قبل الاستراحة، كان المشهد الخامس. النهاية السعيدة التي حلم بها ميشال عون منذ حرب التحرير في 1988، ولم ينلها إلا في أكتوبر من عام 2016، عين رئيسا للجمهورية اللبنانية، بعد سنتين ونصف ظل فيها المنصب خاليا، وكان فيها داعمه الأساسي .. خمن؟ ميليشيا حزب الله، التي من أجلها رفض التوقيع على اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، واختار المنفى.
دخلنا أثناء الاستراحة في نقاش حول المسرحية.
بعضنا يقول إن الفصل الثاني، الذي تحالف فيه عون مع الميليشيا، يمثل شخصية البطل الحقيقية، فلم يكن في اعتراضاته السابقة وتحالفاته اللاحقة متناقضا، بل كان دائما نفس الشخص، مهووسا بمنصب الرئاسة، شاعرا أنه وحده المستحق له.
كل مرة نطق فيها اسم لبنان كان يقصد عون، كل مرة تحدث فيها عن نزع سلاح الميليشيات كان يقصد إخلاء الساحة لنفسه ليكون الملك المظفر، كان يقصد إلغاء الآخرين، على ما سميت حربه الثانية قبل انكساره الثمانيناتي، ليكون هو البطل الوحيد.
كان هذا هو الهدف. وحين رأى أن تحقيقه يستلزم قلب الشعارات على ظهرها فعل ذلك. حين وجد من يخلصه من "المنافسين"، من يغتال رفيق الحريري، ويقمع سعدا، ويطوق حصن جنبلاط، ويكسر إصرار جعجع، تحالف معه.
رأى البعض في هذا دهاء سياسيا، ورآه آخرون نفاقا. رأى البعض في هذا تتويجا لتاريخه، ورآه آخرون إهدارا لهذا التاريخ.
تناقشنا في هذا واختلفت آراؤنا. لكنه لم يكن الجزء المهم من النقاش. الجزء المهم انصب على ما نتوقعه في المشهد المقبل.
بعضنا يصر أنه لا يملك إلا أن يدور في فلك حزب الله، وأن انكسار الميليشيا معناها فقدانه الحليف الوحيد، وعودته إلى العزلة.
لكن آخرين يقسمون بالله أنه كما تحالف مع الميليشيا من قبل، مستفيدا منها في إزاحة خصومه وتمهيد الطريق أمامه، فلن يمانع في التحالف مع من يكسر صديقه اللدود، دائنه. ويعلم أنها فرصة لن تتكرر. إن انكسرت الميليشيا سيجمع الحسنيين، رئاسة لبنان، مع الاحتفاظ بصورة بطل الاستقرار موحد السلاح.
نتخيل الجنرال الآن حائرا في متاهته. لكن، عفوا، دق الجرس، انتهت الاستراحة ولا بد أن نعود لإكمال المسرحية.