نجيب محفوظ .. صاحب أول جائزة نوبل في الأدب العربي

نجيب محفوظ .. صاحب أول جائزة نوبل في الأدب العربي
نجيب محفوظ .. صاحب أول جائزة نوبل في الأدب العربي

تميز أدب الروائي الراحل نجيب محفوظ بالتصاقه ببيئته الشعبية، حيث استخدم كل عناصر الأمكنة التي عايشها، لينسج منها قصصه ورواياته، كما أنه لم يكن ثابتاً في أسلوبه ومنهجه، بل جرب الرواية التاريخية، والواقعية، إضافة إلى الرمزية، كذلك السيناريو والمسرح، لكن أدبه هذا كاد يودي بحياته، فمن هو هذا الرجل الذي لم يسافر لاستلام جائزة نوبل من ملك السويد!.


هو من أسطع نجوم الأدب العربي، كما أنه في رأي العديد من النقاد من أبرع من كتب القصة والرواية في العصر الحديث، فعبرت أعماله عن وجدان مجتمعه المصري البسيط، ما جعلها تخرج بانسيابية من الورق إلى الشاشة الكبيرة، إنه الأديب العربي الراحل نجيب محفوظ، الذي سنحاول تسليط الضوء على حياته وأدبه من خلال هذه المادة.

مخاض عسير أعطاه اسمه المركب
ولد نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد باشا في الحادي عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام 1911، في حي الجمالية المصري، ليكون الطفل الأصغر في عائلته، حيث أن له أربعة أشقاء وشقيقتين، أقربهم إليه يكبره بعشر سنوات، كما كان والده موظفاً بسيطاً ليس له اهتمامات ثقافية أو أدبية تذكر، أما اسم نجيب محفوظ؛ فقد شاء القدر أن يحمله الطفل بعد أن عانت والدته من مخاض عسير عجزت أمامه القابلة، فاضطر والده عبد العزيز لاستدعاء الطبيب نجيب باشا محفوظ (1882-1974)، حيث لم يكن من المقبول أن يقوم طبيب رجل بعملية الولادة، إلا في الظروف الصعبة كالتي مرت بها والدة نجيب، وتيمناً بالطبيب القبطي نجيب باشا محفوظ، أطلق الوالد اسمه كاملاً على طفله، وهو الاسم الأول فقط لأديبنا.

كانت طفولة نجيب محفوظ عادية لا تحمل أحداث مميزة على الصعيد الشخصي، إلا أن الفترة التي ولد فيها كانت مليئة بالأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى، حيث لم يكن قد تجاوز السابعة من عمره عند قيام ثورة العام 1919 في مصر، كذلك شهد في طفولته وشبابه على سطوع عمالقة الفن المصري بشتى مجالاته، مما ساهم في تكوين إدراكه وتوسيع آفاقه.

لكن وبحسب محفوظ؛ "لم يكن للعائلة دور في انتهاجي للأدب، القراءة وحدها جذبتني إلى الكتابة"، إضافة إلى التربية الإسلامية الصارمة التي تلقاها ضمن عائلته الملتزمة، إلا أن والدته فاطمة قشيشة ابنة أحد علماء الأزهر؛ كانت تحب زيارة المتاحف والآثار، حيث كانت تأخذه معها دائماً، فارتبط بالتاريخ المصري والآثار الفرعونية، هذا ما انعكس في أولى أعماله، كما كان للأحياء الشعبية التي ترعرع فيها محفوظ أثر كبير، بدا واضح الملامح في كل ما قدمه من أعمال لاحقاً.

على صعيد آخر كان نجيب محفوظ يكره المدرسة، ويحب لعبة كرة القدم، كما كان يحلم أن يصبح موسيقياً فيما بعد، أما والده كان يرغب أن يصبح ابنه طبيباً أو محامياً، لكن اطلاع محفوظ على أدب طه حسين (1889-1973) والمنفلوطي (1876-1924) وغيرهم؛ وضع قدمه على طريق الأدب.

تخلى عن دراسة الماجستير ليكون كاتباً
كان نجيب محفوظ ميالاً إلى المواد العلمية في مراهقته، لكنه غير رأيه لاحقاً عندما بدأ يطلع على الفلسفة والأدب، فالتحق بكلية الفلسفة في جامعة مصر (جامعة القاهرة الآن) عام 1930، حيث وقف حينها أمام لجنة القبول في كلية الآداب التي كان يرأسها عميد الأدب العربي طه حسين، فسأله "لما اخترت هذه الدراسة"، فأجابه محفوظ "أريد أن أدخل كلية الآدب لأدرس أصل الوجود"، عندها قال له طه حسين "أنت تقول كلام غير مفهوم، اذهب إلى كلية الفلسفة". فيما بعد أصبح طه حسين أستاذ نجيب محفوظ، على الرغم من أن حسين لم يكن يدرسه ضمن المقرر، لكن الطلبة كانوا يجتمعون حوله في أوقات فراغهم، ليستمعوا إلى آرائه.

تخرج نجيب محفوظ بعد أن حصل على ليسانس بالفلسفة عام 1934؛ فبدأ بدراسة الماجستير في الفلسفة الإسلامية، لكنه تراجع قبل أن ينهي رسالته، وقرر أن يتفرغ للأدب، كما بدأ عمله في السلك الحكومي من خلال وزارة الأوقاف عام 1938، ليتنقل بين عدة وظائف حكومية أخرى حتى تقاعده عام 1971، حيث كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما.
من جانب آخر بدأ نجيب محفوظ بكتابة القصص عام 1932، ثم بدأ ينشر قصصه في جريدة الرسالة عام 1938، حيث نشر أكثر من ثمانين قصة مجاناً قبل أن يتقاضى جنيهاً مصرياً واحداً كأول أجر له، كما أصدر في العام نفسه مجموعته القصصية الأولى (همس الجنون)، التي وإن لما تتعدى المحلية آن ذاك، لكنها كانت الدافع ليقدم روايته الأولى (عبث الأقدار) عام 1939، ثم (كفاح طيبة) عام 1943، و(رادوبيس) عام 1944، حيث انتمت هذه الروايات إلى الرواية التاريخية - الفرعونية، وتحتوي جميعها على إسقاطات رمزية للواقع المعاصر، لكن بصبغة فرعونية.
فارقه وحي الأدب بعد ثورة تموز/يوليو عام 1952 فانتقل إلى كتابة السيناريو
عاصر نجيب محفوظ الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، حيث كان لتلك الحرب انعكاساتها على مصر، التي ترزح تحت الاحتلال الإنجليزي؛ وكان لأحداث الحرب أثر كبير على منهجية محفوظ أيضاً، فانتقل بعد انتهاء الحرب من الرواية التاريخية، إلى الواقعية الاجتماعية، كما بدل لهجته من التلميح إلى التصريح.

(القاهرة الجديدة) هي أول روايات محفوظ الواقعية
تلك التي كتبها عام 1945، بعد أن أدرك ضرورة الانتقال من الرواية التاريخية، إلى الواقعية، حيث تدور أحداث الرواية في منتصف الثلاثينيات، الفترة التي عرفت الصراع على الدستور الذي ألغاه الإنجليز رغماً عن الملك فاروق (1920-1965)، أما بطل رواية (محجوب عبد الدايم) هو شخص انتهازي، يحصل على وظيفة كبيرة جراء صفقة بينه وبين البيك، تقضي أن يشاركه البيك زوجته، فتتطور الأحداث ضمن سياق الرواية لتكشف الفروق الطبقية، وصراع الناس مع الفقر والجوع، فكانت المرة الأولى التي يتناول فيها محفوظ الواقع مباشرة.

قدم محفوظ روايته الثانية (خان الخليلي) عام 1946
ليخوض في الواقع أكثر، ويسلط الضوء على الحياة ضمن هذا الحي الشعبي المشهور، ثم قدم إنتاجاً كثيفاً في السياق الواقعي الاجتماعي، فقدم رواية (زقاق المدق) عام 1947، ثم (السراب) عام 1948، و(بداية ونهاية) عام 1949.

ثم نشر محفوظ أحد أهم أعماله؛ ثلاثيته المشهورة
(بين القصرين، قصر الشوق، السكرية) وهي التي كتبت دفعة واحدة، ثم قُسمت لاحقاً لثلاثة أجزاء، ونُشرت بداية عام 1952، حيث يذكر محفوظ أنه مذ قرأ رواية (شجرة البؤس) لــ طه حسين، أراد أن يكتب سلسلة تتحدث عن تطور الأجيال، حيث تدور أحداث الأجزاء الثلاث حول شخصية (أحمد عبد الجواد) وابنه (كمال)، فترصد حياة الأسرة حين يكون كمال طفلاً، ثم شاباً؛ فرجلاً، كما تتبع الأحداث التاريخية على طول الامتداد الزمنية للرواية، مثل اندلاع ثورة عام 1919 عندما يكون كمال في الثامنة من عمره، أي في نفس سن نجيب محفوظ عند وقوع الثورة، إضافة إلى أن الثلاثية لفتت انتباه النقاد إلى محفوظ أكثر من أي شيء أنتجه، علق طه حسين عليها بقوله "أتاح للقصة أن تبلغ من الإتقان والروعة ومن العمق والدقة ومن التأثير الذي يشبه السحر؛ ما لم يصل إليه كاتب مصري قبله"، ومن الثلاثية بدأت كلمات محفوظ تطرق باب العالمية.

توقف نجيب محفوظ عن الكتابة الأدبية بعد ثورة 23تموز/ يوليو 1952
حيث لم يكن قادراً على الكتابة في ظل الظروف السائدة، إضافة إلى حالة القلق التي تسود الشارع المصري آن ذاك، كما شعر أنه سيتوقف عن كتابة الرواية إلى الأبد، فسجل نفسه في نقابة المهن السينمائية ككاتب سيناريو محترف، وبدأ تعاونه مع المنتج والمخرج صلاح أبو سيف (1915-1996)، ليقدما معاً العديد من الأفلام السينمائية، التي حملت ذات السمة الواقعية التي انتهجها محفوظ.

فكان أول هذه الأفلام (رية وسكينة) عام 1953 المأخوذ عن قصة واقعية، الذي يتحدث عن قصة قاتلتين قامتا بقتل العديد من النساء في الإسكندرية عام 1920 بهدف السرقة، الفيلم من بطولة رياض القصبجي (حسب الله)، زوزو حمدي الحكيم (سكينة)، ونجمة إبراهيم (ريا)،ثم تبع ذلك فيلم (الوحش) عام 1954، ثم (بين الأرض والسما) عام 1959، فقدم نجيب محفوظ للسينما المصرية ما قدمه للرواية، حيث يعتبره النقاد من أهم رواد السينما المصرية الذين رسموا ملامحها وطوروا من أساليبها.

مُنعت رواية أولاد حارتنا في مصر ومعظم الدول العربية
توقف محفوظ عن الكتابة الأدبية طيلة خمس سنوات، ليعود "ملهوفاً" إلى الأدب، لكن هذه المرة من باب الرمزية، حيث قدم روايته الأكثر شهرة (أولاد حارتنا) عام 1959، التي سببت أزمة اجتماعية وسياسية في مصر آن ذاك.