هل ستسعى أسرة "آل سعود" لعزل محمد بن سلمان كما حدث لعمه من قبل؟

هل ستسعى أسرة "آل سعود" لعزل محمد بن سلمان كما حدث لعمه من قبل؟
هل ستسعى أسرة "آل سعود" لعزل محمد بن سلمان كما حدث لعمه من قبل؟

مات الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود في العام 2015، تاركاً خلفه مملكة يحكمها من بعده اثنان من أبناء والده الملك المؤسس مؤهلان للحكم، لكن شقيقه ووريثه الملك سلمان، كسر القاعدة المستمرة منذ تأسيس السعودية، وقام بسلسلة خطوات أدت إلى وصول الأمير محمد بن سلمان آل سعود، وفتح الباب لأن يبقي عرش المملكة الغنية بالنفط في سلالته "السلمانية".


الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود
المراقبون والمحللون والساسة عجزت ألسنتهم عن تفسير صعود الأمير محمد بن سلمان آل سعود، فجأةً، لسلم ترتيب الحكم ثم ولاية العهد، متخطياً عمّه "مقرن"، وأبناء عمومته الأكبر سناً منه، وهو ابن 31 عاماً، في مملكة للأكبر سناً الأولوية فيها.

محمد بن سلمان
كسْره لنظامٍ عمره عقود أعاد للأذهان حادثة عزل عمه الأكبر الملك الراحل سعود بن عبد العزيز، من قبل العائلة وهيئة كبار العلماء، حيث اتهم بسوء الإدارة وتبديد الثروة، وهي الصفة التي يشترك فيها مع بن سلمان، بحسب ما تطرح صحف أجنبية.

ومحمد بن سلمان واحد من الأمراء السعوديين القلائل الذين لم يتلقَّوا تعليمهم في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، بل داخل المملكة، لكنه أبدى سياسة اقتصادية واجتماعية نالت رضى الولايات المتحدة في هذا الشأن، وسط تفسيرات صحف غربية عن إسناد غير مسبوق من إدارة ترامب لخطوات بن سلمان المُعبّدة من أبيه نحو الحكم.

- يحضر نفسه
وأصاب بن سلمان المملكة بزلزال شديد؛ إذ سمح للنساء بقيادة السيارة والدخول إلى الملاعب الرياضية، وأطلق خططاً ومشاريع كبيرة ضمن رؤيته 2030 الاقتصادية، أبرزها مشروع مدينة "نيوم" بتكلفة 500 مليار دولار تُديرها (الروبوتات)، بقوانين تختلف عن تلك المعمول بها في السعودية.

وبالتوازي مع ذلك كان العمل على نزع سلطة التيار الديني جارياً، إذ سحبت سلطات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كان يخشاها السعوديون سابقاً، وتم تحجيم العديد من المظاهر "الوهابية"، خصوصاً إقصاء أئمة الجوامع المتشددين لها، كما اعتقل دعاة من التيار الذي يوصف بالوسطية، والذي عرف سابقاً بـ"الصحوة"، ومن أبرز رجاله سلمان العودة وعوض القرني.

- خطوات غير مسبوقة بين العائلة الحاكمة
ولم يفعل أعمامه الراحلون الذين حكموا المملكة طيلة 8 عقود خلت ما أقدم عليه الأمير الشاب، الذي لم يجلس على عرش السعودية بعدُ، بل كان هناك هوامش مقبولة في التعامل مع أفراد الأسرة وطبقة رجال الأعمال ورجال الدين، وكانت السر في الحفاظ على استقرار البلاد.

فقد اعتقل بن سلمان كبار أبناء عمومته: متعب بن عبد الله والوليد بن طلال، وكبار رجل الأعمال بتهم "الفساد".

وبحسب النظام الملكي في المملكة، تنحصر جميع السلطات في يد الملك، وهذا ربما كان السبب في دفع الأمير الشاب إلى تحضير نفسه لتبوّء العرش من خلال ما سمي بـ"هيئة مكافحة الفساد"، في محاولة لكسر قبضة كبار السن من آل سعود، وبسط سيطرة مبكرة على الحكم.

يقول السير جون جينكينز، الذي كان سفير بريطانيا في السعودية بالفترة من 2012 إلى 2015، لصحيفة التايمز: إن "محمد بن سلمان كان يخطط لأن يصبح ملكاً منذ أن كان في منتصف العشرينيات، أي منذ العام 2011".

ويُضيف جينكينز: "لقد كان دائماً بجانب والده في اللقاءات، لا يتحدث كثيراً ولكن يستمع ويُدون الملاحظات، لقد سئمتُ من وصفه بـ(المتهور)، هذا ليس تهوراً؛ إنَّه أمرٌ مخططٌ له، لقد كان في انتظار ذلك لعدة سنوات".

- هل يعيد التاريخ نفسه؟
وكانت صحيفة "ناتشينال إنتريست" الأمريكية قد قالت إن "الاعتقالات الأخيرة التي قام بها بن سلمان أذهلت الجميع، وستضرب الاتفاقيات الرئيسية التي عُقدت بين العائلة المالكة السعودية ومختلف دول العالم".

وأوضحت أن "نظام الحكم في المملكة حتى الآن ينطوي على توزيع السلطة بين مختلف فروع العائلة المالكة، لكن مع الاعتقالات الأخيرة فإن وليّ العهد يضرب بهذا النظام عُرض الحائط".

هذا السخط قد ينعكس على بن سلمان نفسه إن لم يكن مدركاً بشكل كافٍ لخطورة ما أقدم عليه، فوفق خبراء، لم ينظر الأمير كما كان يُنظر إلى أعمامه على أنهم أبناء الملك عبد العزيز والأكبر سناً، ومن ثم يجب على الجميع السمع والطاعة لهم.

معارضة بن سلمان داخل الأسرة المالكة، خصوصاً بعدما وضع جميع السلطات في يده، يفتح احتمال تهيؤ أرضية كبيرة لأن يتحرك أفراد بالعائلة المالكة ضده، وبالتعاون مع الناقمين على سياساته من خارج العائلة المالكة، لا سيما رجال الأعمال ورجال الدين الذين حجّمهم بحملة الاعتقالات الأخيرة، التي تركت تساؤلات حول قوة من بقي في الخارج من "الساخطين".

احتمالية الانقلاب على سلطة بن سلمان لو تسلم العرش، أو على الملك سلمان الذي أفسح له الطريق حالياً، يعيد حادثة عزل أخيه الأكبر الملك الراحل سعود بن عبد العزيز، من قبل العائلة وهيئة كبار العلماء.

ففي العام 1964 كبرت الخلافات بينه وبين أعضاء الأسرة، خصوصاً ولي عهده حينها الأمير فيصل، بسبب "ضعف قيادته السياسية والاقتصادية للمملكة"، وبسبب ذلك دعا حينها الأمير الراحل "محمد" أكبر أبناء الملك عبد العزيز بعده وبعد الأمير فيصل إلى اجتماع للعلماء والأمراء، وأصدر العلماء فتوى تنص على أن يبقى هو ملكاً، على أن يقوم الأمير فيصل بتصريف جميع أمور المملكة الداخلية والخارجية بوجود الملك في البلاد أو غيابه عنها.

وبعد صدور الفتوى أصدر أبناء الملك عبد العزيز وكبار أمراء آل سعود بياناً يؤيدون فيه فتوى العلماء، وطالبوا فيه الأمير فيصل بكونه ولياً للعهد ورئيساً للوزراء بالإسراع في تنفيذ الفتوى.

وبعد صدور هذا القرار توسع الخلاف بينه وبين أخيه الأمير فيصل، كما ازداد عليه المرض، وهو ما دفع أبناء الأسرة المالكة للاقتناع أن الحل الوحيد لهذه المسألة هو خلعه من الحكم وتنصيب الأمير فيصل ملكاً.

أرسل الأبناء قرارهم إلى هيئة كبار العلماء لأخذ وجهة نظرهم من الناحية الشرعية، فاجتمع العلماء لبحث هذا الأمر، وقرروا تشكيل وفد لمقابلته لإقناعه بالتنازل عن الحكم، وأبلغوه أن قرارهم قد اتخذ، وأنهم سيوقعون على قرار خلعه عن الحكم، وأن من الأصلح له أن يتنازل، إلا أن الملك سعود رفض ذلك، فتم خلعه ونفيه إلى اليونان حيث مات فيها عام 1969.

- نتائج ملموسة .. وإلا!
وبالعودة إلى الاعتقالات التي قام بها بن سلمان ضد أبناء عمومته، يرى متابعون للشأن السعودي أن الدافع الحقيقي وراءها هو قمع أي معارضة من داخل العائلة المالكة ضد تنصيبه ملكاً، ورسالة قوية للساخطين على سياسته الليبرالية.

ويكمن التحدي الأكبر الذي يواجهه ولي العهد في أن ينجح في إظهار أنَّ إصلاحاته تؤتي ثمارها، حيث سيؤدي فشل الإصلاحات الاقتصادية التي يقودها، إلى احتمالات بروز إجماع بالعائلة الحاكمة ضده.

وما يعزز هذه الفرضية تنبؤ العديد من التحليلات والتقارير الدولية بعد إصدار "رؤية 2030" بعدم ملاءمتها لأوضاع المملكة، سواء على مستوى الاقتصاد الوطني أو حتى على مستوى المواطن السعودي، والتي لحقها مشروع "نيوم" العملاق الذي يتطلب 500 مليار دولار أمامها استفهامات عدة يطرحها عجز الموازنة السعودية.

ونقلت وكالة "بلومبيرغ" الاقتصادية عن هليما كروفت، الرئيسة العالمية لاستراتيجية البضائع في شركة "آر بي سي كابيتال ماركت" الأمريكية، في تقرير لها في سبتمبر الماضي أن "الضغوط ستتزايد على محمد بن سلمان لتقديم نتائج إيجابية ملموسة لرؤية 2030، لو وجد نفسه بعد وقت قريب جالساً على العرش، وهنا عليه أن يسكت الأصوات المعارضة، وأن يعزز الدعم الشعبي له، وعليه أن يظهر بعض النتائج الاقتصادية".

وفي الوقت الذي يتوقع تَحَسُّن الاقتصاد بفضل إعلان الرؤية الجديدة، تراجع ترتيب المملكة في عدة مؤشرات.

فتنافسية الاستثمارات تراجعت من المركز الـ18 عام 2013 من أصل 44 دولة، إلى المركز الـ20 في 2014، والـ24 في 2015، والـ25 في 2016، وفي عام عرض رؤية المملكة تراجعت إلى المركز الـ29، بحسب تقرير الهيئة العامة للاستثمار السعودية نفسها.

سياسياً، ما تزال آثار الأزمة الخليجية، التي تشير تحليلات إلى علاقة بن سلمان المباشرة فيها، والتي تسببت بتمزيق البيت الخليجي، تلقي بظلالها على المملكة والمنطقة ككل، مع عدم خلوها من أبعاد اقتصادية أضرت عدة دول على رأسها الرياض ومن اشترك معها بحصار قطر (البحرين، والإمارات، ومصر).

ومست تغييرات بن سلمان "الخط الأحمر" عربياً وإسلامياً، إذ كتب محلل الشؤون العربية والشرق الأوسط، الصحفي عوديد غرانوت، قائلاً: إن "الملك سلمان بن عبد العزيز يسعى لتعزيز سلطة ولي عهده، الذي تتفق خطواته وسياسته مع المواقف الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية"، وسط تأكيدات صحفيين إسرائيليين أن بن سلمان قد قام بزيارة لتل أبيب، وهو ما نفته المملكة رسمياً.

وأثنى غرانوت، في مقال له بصحيفة "يسرائيل هيوم"، على سياسة ولي العهد، لافتاً الانتباه إلى أنه خلال العامين الأخيرين من ولايته كوزير للدفاع، وولي ولي للعهد سابقاً، كان بن سلمان بالواقع الحاكم الحقيقي من وراء الكواليس.

وأضاف أن بن سلمان قاد السعودية نحو تسونامي سياسي واجتماعي واقتصادي لم يسبق له مثيل، وشنّ حرباً شاملة باليمن، وقاد لمقاطعة وحصار قطر، وحدد إيران بأنها العدو الأول للمملكة، وهي الخطوات والإجراءات والاستراتيجية التي تحظى بدعم من الرئيس الأمريكي، وأيضاً فإن خطواته تتّفق مع المواقف الاستراتيجية لإسرائيل.

وبالرغم من ذلك، يبقى الاستفهام مطروحاً أمام هيئة كبار العلماء التي كان لها كلمتها في عزل الملك ولكنها اليوم تسارع إلى مباركة قرارات ملكية كانت قد حرَّمتها سابقاً، وعلى رأسها قيادة المرأة، فيما يلاحق رجالها مصطلح "مكافحة التطرف والإرهاب"، وهو سلاح جاهز لإسكات أي خطوات تحريضية على الحكم.