تفاصيل إشراف "حبيب العادلي" على جهاز أمن الدولة السعودى .. وعلاقته بإعتقال الأمراء والوزراء!

مجدداً يعود اسم وزير الداخلية المصري الأسبق حبيب العادلي إلى الواجهة؛ بعد أنباء تؤكد وجوده في السعودية وإشرافه على حملة الاعتقالات المفاجئة التي شنتها الرياض على أمراء ووزراء، وأكثر من 200 رجل أعمال بارز، في مشهد دراماتيكي وصفته صحف غربية بأنها "المذبحة الكبرى" في تاريخ المملكة الحديث.


العادلي، الذي كان آخر وزير داخلية في عهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، كان قد هرب من إقامته الجبرية في مايو الماضي، واختفى عن الأنظار قبل أكثر من شهرين، وثارت أحاديث عن هروبه خارج البلاد، قبل أن تتواتر أنباء عن وجوده بالرياض كمستشار أمني للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز.

منتصف سبتمبر الماضي، كتب الحساب السعودي المثير للجدل والمعروف باسم "مجتهد"، على موقع "تويتر"، أن ولي العهد بن سلمان يسعى لتطبيق خطة داخلية تقوم على "تغريب" السعودية، ومنع الانقلاب عليه؛ بإحكام السيطرة الأمنية الكاملة على البلاد واعتقال معارضيه، مستعيناً في ذلك بمئات الضباط المصريين.

والأنباء التي كشفها "مجتهد"، الذي عادة ما ينشر أخباراً وأسراراً من داخل العائلة المالكة في السعودية، حول تعيين ضباط وعسكريين مصريين جاءت هذه المرة تأكيداتها من واشنطن، إذ نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية (14 نوفمبر 2017) عن طبيب عالج سعوديين تعرضوا للتعذيب خلال حملة الاعتقالات الأخيرة، بقيادة بن سلمان، مؤكدة أن الأخير استعان بالعدلي وعيَّنه مستشاراً له.

ولم تغفل الصحيفة الأمريكية عن ذكر تاريخ رجل مبارك القوي، إذ ذكرت أن العدلي صاحب السمعة السيئة والتعذيب الوحشي إبان فترة مبارك، محكوم عليه بالسجن غيابياً لمدة سبع سنوات، وأن محاميه يعتزمون تقديم الطعن بهذا الحكم.

في أكتوبر الماضي، اعتلقت الأجهزة الأمنية السعودية عدداً كبيراً من الدعاة والمشاهير السعوديين، من بينهم سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، على خلفية اتهامهم بالعمل لحساب جهات أجنبية. وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن الاعتقالات التي نفذها بن سلمان خارج نطاق القضاء، وقد تقوض مشاريعه الاستثمارية التي يسعى إلى دفع اقتصاد المملكة إلى التنوع، وأهمها طرح "أرامكو" المرتقب.

- توقيتات
ويبدو إصدار العاهل السعودي، في يوليو 2017، قراراً بإنشاء جهاز أمن الدولة الذي يضم المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، وكل ما يتعلق بمهمات الرئاسة، ومن ذلك مكافحة الإرهاب وتمويله والتحريات المالية، يتزامن مع أنباء تعيين رجال مبارك مستشارين لولي العهد؛ لأن لديهم تاريخاً أمنياً عريضاً في التعامل مع المعارضين والمخالفين، وتعذيب المعتقلين، وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يعتزم بن سلمان الاستفادة منه لإحكام قبضته على المملكة بوليسياً، بحسب الصحيفة الأمريكية.

حيث رافق حملة الاعتقالات التي طالت دعاة ومعارضين بالمملكة، أنباءً تناقلها نشطاء على مواقع التواصل عن تولي العادلي مهمة إدارة هذا الجهاز.

وكانت وسائل إعلام مصرية زعمت، قبل عدة أشهر، أن الوزير المصري السابق قد هرب خارج البلاد، فيما رجحت صحف غربية أنه ذهب إلى دولة الإمارات، وذهبت صحف أخرى إلى أنه هرب إلى السعودية بتنسيق بين السيسي وبن سلمان، ليتقلد منصب المستشار الأمني للملك سلمان وولي عهده، بشكل سري.

وتقول "نيويورك تايمز" إن 17 معتقلاً من الذين احتجزتهم السلطات السعودية تعرضوا للتعذيب، واحتاج الأمر إلى تدخل طبي.

والغريب في الأمر أن الحديث عن وجود العادلي بالرياض لم تؤكده لا السلطات السعودية ولا المصرية، التي من المفرض أن تطالب المملكة به لتقديمه للعدالة ومواجهة التهم الموجهة إليه، لكن رد سفارة الرياض بواشنطن على تساؤلات صحيفة "نيويورك تايمز" قد عززت هذه الفرضية، حيث رفضت التعليق على الموضوع بطريقة براغماتية وقالت: "لا تستطيع السفارة نفي أو تأكيد هذه المعلومات".

- ترتيب دولي وحضور إماراتي
وتقول الصحيفة: إن "مؤيدي بن سلمان يرون أنه يتخذ هذه الإجراءات في إطار خطة لتحويل الاقصاد الذي يعتمد على النفط وكان سبباً في الكسب غير المشروع في المملكة، إلا أن كثيراً من المحللين يعتقدون أن هذا الاندفاع والتهور هو محاولة ورغبة في توطيد السلطة بيده قبل خلافته لوالده، كما أنها طريقة للحصول على مزيد من الأموال لدفع خططه في مجالات الاقتصاد والتنمية، ليبدو أنه المنقذ الوحيد للمملكة في الوقت الراهن".

ورغم حماسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دعم بن سلمان، فإن دوائر القرار الأمريكي؛ الخارجية والبنتاغون ووكالات الاستخبارات، دائماً ما تعبر عن خشيتها من أن يتسبب ولي العهد السعودي في زعزعة استقرار الشرق الأوسط.

وفي ظل كل تلك المعطيات يبرز التساؤل المهم: هل ما يحدث في السعودية حالياً هو ترتيب وتخطيط بين دول إقليمية ينفَّذ بواسطة أذرع لها تاريخ واسع في مثل هذه الأمور، أم هو تخطيط وتنفيذ يخص بن سلمان أو المملكة بعينها؟

وهنا لا يمكن إغفال الدور الإماراتي في ما يجري، فولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ليس بعيداً أبداً عما يقوم به ولي عهد الرياض، بحسب تقارير وصحف غربية، ومن ثم فإنه حتى الحديث عن دور لوزير داخلية مصر الأسبق في هذا "الزلزال السعودي" ربما يرتبط بترتيب إماراتي، لكون أبوظبي لها تاريخ حافل في إقصاء التيارات المعارضة في العالم الإسلامي، من خلال الاعتماد على جنود وضباط مرتزقة من كمبوديا وكولومبيا وشركة "بلاك ووتر"، ومنظومات أمنية إسرائيلية ساعدت بشكل كبير على إحكام قبضته على مفاصل الدولة أمنياً، بحسب ما تشير شبكة "الجزيرة" الإخبارية.

وتؤكد "نيويورك تايمز" الأمريكية أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، قدم بن سلمان إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل وصول بن سلمان إلى ولاية العهد، "ويبدو أنه نجح في كسب رضاء ترامب، وشكل بن سلمان وبن زايد علاقة خاصة" مع صهر ومستشار ترامب جاريد كوشنر؛ الذي يصفه مسؤولون في الخارجية الأمريكية بأنه "لا يعني شيئاً غير أن الإماراتيين والسعوديين زرعوه في الدوائر الرسمية لأجل التنسيق معه"، مشبهاً إياه بـ"الثقب الأسود".

- الإمارات ودورها الخفي
الصحفي الإسرائيلي سيمون آران، كتب على موقع تويتر، الخميس (9 نوفمبر 2017)، أن فرقة من مرتزقة "بلاك ووتر" الأمريكية، نفذت عمليات اعتقال الأمراء السعوديين، وأنها هي من تحتجزهم. وهو حديث يدعم فرضية التدخل الإماراتي في العملية بالنظر إلى اعتمادها المعروف على بلاك ووتر في كثير من الأمور.

وتبدو أن الأمور في المملكة أكبر مما يتصوّر أو يظن البعض، والمسألة ليست قاصرة على ترتيبات بيت الحكم السعودي وحسب، ولكنها متعلقة بتغييرات كبرى سعودياً وشرق أوسطياً، وهي تغييرات ليست بعيدة عن دول كالولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والإمارات.

ويعزز هذه الفرضية قول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام، في جملة قصيرة في أثناء خطابه أمام كتلة حزب العدالة والتنمية، وتكاد تختصر الرؤية التركية للمتغيرات المتسارعة في المنطقة مؤخراً: إن "التطورات في المنطقة ليست عشوائية، بل هي سيناريو سيحدد شكلها ومصيرها لقرن قادم".

النظام المصري معروف بتماهيه مع الرؤية الإماراتية في عديد من الملفات السياسية، فضلاً عن وضع مشابه فيما يتعلق بحل كل المشكلات السياسية من خلال العقلية الأمنية، ومن ثم فإن الحديث عن دور حبيب العادلي في الطبخة السياسية التي تجري تسويتها حالياً على أرض المملكة، يبدو منطقياً بنظر البعض.

الطريقة غير المقنعة التي اختفى بها العادلي عن الأنظار في مصر، وهروبه خارج البلاد وهو الموضوع تحت الإقامة الجبرية، مع التجاهل المصري الرسمي لغيابه، والصمت الإماراتي السعودي تجاه من يثار حوله من أقاويل، يجعل إشرافه على هذه الهزة السياسية السعودية الكبيرة أمراً ليس بالبعيد، وإن ظل غير مؤكد.

وتقلّد العادلي منصب وزير الداخلية منذ العام 1997 حتى اندلاع الثورة المصرية في الـ25 من يناير 2011. وهو يواجه حكماً بالسجن سبع سنوات على خلفية اتهامه بـ"الاستيلاء على 529 مليون جنيه من أموال وزارة الداخلية". وقد أكد المحامي المصري فريد الديب، أن العادلي سيكون حاضراً في جلسة النقض المقررة في 11 يناير المقبل، حتى لا يتم تأييد الحكم عليه بشكل نهائي، وهو ما يمهد لإزالة التهم عنه وإظهاره بصفة "البريء" المفترى عليه وممارسة مهامه إلى جانب بن سلمان بشكل رسمي.