بقلم عبدالله بن بجاد العتيبي: انشقاقات «الإخوان» بين الوهم والحقيقة
المبايعون لا ينشقون عادةً، إلا في حالاتٍ نادرةٍ، والذين ينشقون ينشئون -في الغالب- جماعاتٍ وتنظيماتٍ تكون أكثر تطرفاً وتشدداً وإرهاباً، حدث هذا في التاريخ قديماً وحديثاً.
في التاريخ القديم، حدثت انشقاقاتٌ متعددةٌ لدى فرقة الخوارج كانت تنحو نحو مزيدٍ من التطرف والعنف والإرهاب، وإن لم يمنع ذلك أن يكون خروج المرجئة -في بعض الأقوال- كان من رحم الخوارج، بناء على مبدأ «الخطورة بالقرب» الذي غالباً ما تتبناه الجماعات والتنظيمات المؤدلجة وهو ما يؤدي للتشظي والخصومة الشديدة.
خرج من ضئضئ جماعة الإخوان المسلمين جماعاتٌ وأحزابٌ وتنظيماتٌ كلها كانت تجنح باتجاه مزيد تشددٍ وتطرفٍ وإرهاب، ومن ذلك تنظيمات العنف الديني في السبعينيات في مصر كجماعة الجهاد وجماعة الفنية العسكرية وجماعة التكفير، وانشق مروان حديد عن إخوان سوريا، وخرج حزب التحرير وجماعة السرورية نسبة إلى الإخواني السوري المنشق محمد سرور زين العابدين، كما خرج من نفس الرحم تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش».
أعلن راشد الغنوشي أكثر من مرةٍ رغبته في الانشقاق عن جماعة الإخوان المسلمين ولكنه كان يعود إليها كلما تغيرت الظروف والمعطيات، وتفكر حركة «حماس» الإخوانية أن تعلن انشقاقها عن الجماعة، ولكن هذه الانشقاقات فيما لو حدثت بالفعل فهي مجرد تغييراتٍ شكليةٍ لا تمس الولاء ولا الانتماء ولا البيعة للجماعة الأم في مصر.
الانشقاقات عن الجماعة تشبه بشكلٍ ما مراجعات الجماعات الإسلامية التي قدمتها عبر عقودٍ مضت، والتي اتضح لاحقاً أنها مجرد شعاراتٍ شكليةٍ لكسب الوقت وتخفيف الضغط، ثم لا تلبث أن تعود لأسوأ مما كانت عليه، ويستثنى من ذلك الانشقاقات الفردية التي يمتلك أصحابها تجارب خاصةٍ لا تنظيمات ولا جماعاتٍ، أو الدولة التي تثبت بالفعل والسياسات أنها لم تعد تنتمي للجماعة.
شواهد الأول كثيرةٌ في أكثر من بلدٍ عربيٍ وفي بعض دول الخليج بعد 1990 وغزو العراق للكويت، وشاهد الثاني في دولة السودان التي اتجهت مؤخراً لدعم «التحالف العربي» في اليمن والانحياز لدول الخليج العربي والدول العربية وترك جماعة الإخوان المسلمين والنظام الإيراني بالقول والفعل.
قدّم كاتب هذه السطور ورقةً لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية عام 2013 تحت عنوان «مستقبل الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين» كتب فيها أن الجماعة ستفترق إلى ثلاثة اتجاهاتٍ: الأول، الحرس القديم، الذين سيصرون ويخسرون، الثاني، العناصر المسلحة والمدربة، وستتجه للإرهاب، الثالث، الجيل الجديد أو جيل ما بعد الجماعة.
وقد حصل كثيرٌ مما كتب آنذاك، ولكن الجيل الجديد لم يخرج بعد لأسبابٍ معروفةٍ، وإن بدت بوادره في بعض التجمعات على بعض مواقع الشبكة العنكبوتية، ويمكن في هذا السياق النظر للوساطات التي يتم طرحها والمحاولات التي يتم تبنيها من عددٍ من الأطراف لخلق الفرصة المؤاتية لهذا الجيل للظهور والتعبير عن نفسه، ما سينتج عنه الدخول في مواجهة ربما تكون أكثر تعقيداً وتشابكاً.
ثمة ما يشبه خروج المرجئة من الخوارج، وهو في الأغلب كما تقدم يعبر عن تجارب فرديةٍ أو فردانيةٍ، وثمة خروج لا باتجاه التطرف والإرهاب ولكن باتجاه خلق ما عرف بـ«اليسار الإسلامي» أو باتجاه ما عرّفه كاتب هذه السطور بـ«الليبروإخوان» أو الليبراليون الإخوانيون، ولكن الأولى مثلاً تعبر عن محاولةٍ فاشلةٍ لخلق تيارٍ مختلفٍ، بينما الثانية تعبر عن تجربةٍ اختلطت فيها المصالح الشخصية بنفاق الجماهير في لحظة اضطرابٍ كبرى، وبالتالي لم تحظ بالنجاح.
الخلافات المعلنة بين أتباع محمود عزّت وبين أتباع محمد كمال، والاضطرابات الشديدة في مواقف الجماعة وآخرها الموقف تجاه البيان الذي خاطب الجامعة العربية وقبله الخلافات حول السرقات المالية تؤكد التضعضع الكبير الذي تمرّ به الجماعة.