المرأة الجزائرية والترشح للانتخابات .. عزوف أم تغييب؟
"المرأة حتى وإن كانت مثقفة أو متعلمة، فإن زوجها يمنعها من حقها في ممارسة السياسة، أو الترشح للانتخابات؛ بل ويحرمها من التعبير عن رأيها، ومن ممارسة حقها وواجبها تجاه الوطن".
هكذا وصفت نسيمة واعلي، وهي ناشطة في جمعية ترقية المرأة الريفية بمحافظة سطيف (400 كم شرقي العاصمة الجزائر)، حال المرأة الجزائرية مع السياسة.. وفى هذا الموضوع سنتناول أسباب عزوف النساء عن الترشح في الانتخابات، فهل هو عزوف إرادي أم قهري؟
خلال الأسابيع الماضية، التي تمثل عمر الفترة الممنوحة قانوناً لمختلف الأحزاب السياسية لتشكيل وإيداع قوائمها الانتخابية لخوض غمار الانتخابات البلدية المقررة في الــ23 من نوفمبر المقبل، تحوّلت المرأة المترشحة إلى عملة نادرة، والسبب نظام الحصة الخاص بالنساء، حيث وجد الكثير من المترشحين مصاعب كبيرة جداً في إيجاد نساء يقبلن الترشح؛ ما دفع الكثير منهم إلى الاستنجاد بزوجاتهم وأخواتهم، وإدراجهن في قوائم الترشح.
ويحدد نظام الحصص الإجباري، الصادر عام 2012، كيفية توسيع نسبة تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، من خلال الأخذ بالنظام الإجباري للحصص ضمن قوائم المرشحين، وفي المقاعد المتنافس عليها من كل قائمة.
ويحدد القانون نسبة تتراوح ما بين 20% و50% بالنسبة لمقاعد الجالية الجزائرية بالخارج وفي انتخابات البرلمان، وما بين 30 و35% بالنسبة لانتخابات المجالس الشعبية البلدية.
ورغم أن دراسة صادرة عن أكاديمية الدراسات الاجتماعية والإنسانية بالجزائر تشير إلى أن نتائج الانتخابات التشريعية لعهدة 2012-2017، تكشف أن تطبيق قانون الحصة أسهم في توسيع حظوظ مشاركة المرأة بالمجالس المنتخبة، وفي ارتفاع معتبر بعدد النساء في البرلمان، حيث بلغ عددهن 145 من إجمالي 462 نائباً، وهو ما يقارب ثلث أعضائه.
لكن برأي البعض، فإن النتائج السابقة لا تعكس تعزيزاً لمكانة المرأة في المشهد السياسي بالبلاد؛ لأن القانون منحها تمثيلاً شكلياً في مختلف المجالس، ولم يساعدها على فرض نفسها كفاعل مؤثر في صناعة القرار السياسي.
وكشف الأمين العام لوزارة الداخلية والجماعات المحلية، صلاح الدين دحمون، خلال ندوة صحفية، عُقدت مؤخراً، أن نسبة المترشحين من العنصر النسوي لانتخابات المجالس البلدية المقبلة لا تتجاوز 18% من مجموع 16 ألف مترشح.
- مجتمع ذكوري
وفي حدث هو الأول من نوعه في تاريخ الانتخابات الجزائرية، شهدت الانتخابات النيابية التي جرت في الرابع من مايو الماضي، واقعة أثارت جدلاً واسعاً حينما رفضت العديد من النساء المترشحات لعضوية البرلمان ظهور وجوههن في الملصقات الدعائية الخاصة بأحزابهن، والغريب في الأمر أن تلك الملصقات خاصة بأحزاب ذات توجه ديمقراطي وحداثي!
هذه الحادثة رغم أنها لاقت استهجاناً واسعاً، فإنها تكررت مع بداية الحملة الانتخابية قبل ثلاثة أيام من الآن، حيث فضَّلت الكثير من الأحزاب نشر ملصقات دعائية لقوائمها دون ظهور وجه المترشحات، واكتفت بتظليل صورهن فقط مع الإشارة إلى اسم المترشحة ووظيفتها. ووصف القيادي الأسبق في حركة مجتمع السلم (حزب إسلامي معارض) لخضر رابحي، في صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك "، عدم ظهور المترشحات بوجوههن في الملصقات الانتخابية بــ"الخطأ الكبير".
وكتب رابحي: "خطأ كبير ترتكبه بعض القوائم وهي تعرض صور النساء المترشحات مطموسات الوجوه، مَن عندها مشكل مع الصورة فكيف تصلح أن تكون منتخبة محلية، شُغلها الدائم مع الناس؟!".
وتابع: "عرضُ صور مطموسة لا يدل على إدراكٍ من القائمين لتأثيراتها السلبية، ليس فقط على مستوى بلديتهم؛ بل على مستوى رمزهم الحزبي، وعلى مستوى الإعلام محلياً ودولياً، وعلى مستوى الراصدين والدارسين من المراكز والهيئات".
عدم ظهور هؤلاء المترشحات، حسب الإعلامي خرفي سفيان، "مؤشر طرحَ أسئلة جدية بخصوص علاقة المرأة الجزائرية بالسياسة، ويعطي صورة عن الحجم الهائل من الضغوطات التي تتعرض لها لخوض المعترك الانتخابي والسياسي في مجتمع يطغى عليه الطابع الذكوري، وينظر نظرة الازدراء للمرأة التي تكسر التابوهات، وتسعى لفرض نفسها في كل الميادين، التي من ضمنها مقارعة الرجل في الميدان السياسي".
واشارك أن "للمرأة الجزائرية، وخاصة الريفية منها، دوراً مهماً في الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، حيث حملت السلاح جنباً إلى جنب مع الرجل خلال ثورة التحرير، والآن تُحرم من حقوقها السياسية بحجة العادات والتقاليد التي تلزم المرأة ببيتها، والاعتناء فقط بعائلتها".
- موانع اجتماعية
ويعتقد أن "التحول الواضح في عدد النساء بالمجالس المنتخبة بعد تطبيق نظام الحصص الإجباري، لم ترافقه تحولات أساسية كان يجب أن ترافق هذا التغيير، فالأحزاب السياسية لم تعطَ فرصة لتكوين نخبة نسوية قادرة على تولي المناصب القيادية، من خلال غياب آليات تثمين توسيع وتمكين مشاركة المرأة في برامجها".
وتكشف رئيسة جمعية ترقية المرأة الريفية، آمال علواني، أن "المرأة الريفية في الجزائر مهما تدرجت في المستويات التعليمية، فإن مساهمتها في الحياة العامة والحياة السياسية بشكل خاص تبقى رهينة العديد من المعوقات الاجتماعية والثقافية المعقدة التي تحكم المجتمع".
فالكثيرات من النساء، كما تؤكد، "يرغبن في المساهمة بالحياة السياسية، إلا أن المنع يكون من طرف الأزواج أو الآباء أو الإخوة، الذين يرون أن دور المرأة يقتصر على تربية الأولاد، والاهتمام بشؤون العائلة، ويعتقدون أن حقل السياسة فاسد لا يليق بالنساء".