كيف تحوّل صندوق النقد والبنك الدولي لأداة سياسية؟

كيف تحوّل صندوق النقد والبنك الدولي لأداة سياسية؟
كيف تحوّل صندوق النقد والبنك الدولي لأداة سياسية؟

يتناقض الحديث عن حقوق الإنسان والحرية الاقتصادية، في ظل دعم الديكتاتوريات وتعزيز تفرُّد السلطات بالدول النامية بما يخدم استمرار ولاء تلك الدول للقوى العظمى، مع المبادئ الأساسية التي وُجد من أجلها صندوق النقد، والبنك الدوليين.


الخبير الاقتصادي والمحامي الأمريكي ألفريد دي زاياس، يؤكد أن سياسات صندوق النقد الدولي تتعارض مع حقوق الإنسان، ودعا الأربعاء الماضي، لإعادة النظر في سياسته المتناقضة.

وقال دي زاياس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، إنه يجب على القائمين على تلك المنظمة ألا يتجاهلوا حقوق الإنسان عند منح القروض، وأن يتم التعامل فقط مع الدول التي تفي بالتزاماتها على صعيد التنمية واحترام الحقوق.

- الهيمنة السياسية
ومع بداية أربعينيات القرن الماضي، كان النظام العالمي يعاني تفاقم الأزمات الاقتصادية، وتخبُّطاً في السياسات المالية، فضلاً عن الآثار المدمرة للحرب العالمية الثانية.

كل ذلك دفع القوى العالمية، بقيادة الولايات المتحدة، إلى عقد اجتماع أممي في عام 1945، ضم 44 دولة، نتج عنه توقيع اتفاقية بريتون وودز، التي تم بموجبها إنشاء صندوق النقد والبنك الدوليين.

وكان الهدف الرئيس من إنشاء صندوق النقد الدولي هو تحقيق النمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، وتعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، إضافة إلى منع وقوع الأزمات المالية، من خلال إلزام الدول الأعضاء باعتماد سياسات اقتصادية سليمة.

في المقابل، يقرض الصندوق الدول الأعضاء المتعثرة مالياً في حال التزامها بسياسات وأهداف المنظمة، كذلك يقدم البنك الخدمات الاستشارية المتعلقة بتحسين سياسات الدول في مجال إدارة أسعار الصرف، والتضخم، وغيرها من المتغيرات.

وفي وقتنا الحالي، أصبح صندوق النقد الدولي يضم 185 دولة، ويتحكم بصورة مركزية في نظام المدفوعات الدولية من خلال ما يقدمه من قروض تقلل من عجز الحساب الجاري للدول، وتعزيز استقرار أسعار الصرف بما ينعكس إيجاباً على معاملات حركة التجارة الدولية.

- ضياع حقوق الإنسان
وفي ضوء المتطلبات الأساسية التي تحكم سياستها، تستند المنظمة إلى ثلاثة مبادئ أساسية وهي، أولاً: تحرير الاقتصاد بما يضمن تقليص سيطرة الدولة عليه، وإعطاء مساحة أكبر للمواطنين وللحريات الفردية، الأمر الذي من شأنه أن يعزز حقوق الإنسان ويخفض وصاية واستبداد الدولة على المواطنين.

ثانياً: تعزيز عمل القطاع الخاص والانفتاح التجاري بين الدول، وأخيراً خفض النفقات الحكومية وإلغاء سياسات الدعم الحكومي.

وفيما يتعلق بقرارات المنظمة، تتحكم الدول الأعضاء كل حسب حصته في الصندوق، ويتطلب صدور أي قرار موافقة 85% من حصص الأعضاء، ولأمريكا حق الفيتو لامتلاكها 16% من حصة الصندوق.

وهذا الأمر يعكس الهيمنة السياسية للولايات المتحدة وحلفائها على قرارات المنظمة، وهناك نماذج كثيرة أثبتت أن مبادئ صندوق النقد الدولي تنحصر فقط في التحرر الاقتصادي الذي يعزز الهيمنة السياسية للدول العظمى، وتعظيم مصالح المستثمرين، دون النظر إلى تأثير تلك السياسات على المواطنين العاديين والفقراء.

ولعل ضغط أمريكا على صندوق النقد الدولي لتوفير الدعم المالي لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (الذي كان يمثل أحد أهم الحلفاء الاستراتيجيين للرأسمالية الأمريكية) حتى نهايته في أوائل تسعينيات القرن الماضي، رغم المقاطعة الدولية- كان أحد أشكال السيطرة الأمريكية على قرارات هذه المنظمة وعدم استقلالها وانحيازها إلى تنمية الإنسان.

هذا فضلاً عن اعتماده معايير خاصة حسب مصالح الولايات المتحدة السياسية، وتقديم القروض حسب أهداف وأهمية البلد المقترض للولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال، لم توافق أمريكا على منح صندوق النقد الدولي قرضاً لفيتنام في عام 1982 على الرغم من استيفائها شروط المنظمة، في حين أجبرت المنظمة على منح قرض في الفترة نفسها بمقدار 83 مليون دولار للسلفادور على الرغم من عدم تلبيتها شروط المنظمة الدولية.

ومن أشكال تطبيق صندوق النقد الدولي سياسات الهيمنة الأمريكية، إلزام الصندوق دولاً مثل تايلاند وإندونيسيا، في بداية التسعينيات، بتحرير اقتصادها وأسواقها المالية كشرط أساسي للحصول على التمويل، الأمر الذي زاد تفاقم الأزمة الاقتصادية لتلك الدول، ودفعها للاقتراض من البنك الدولي وفق شروط الولايات المتحدة.

وبمثال آخر، القرض الذي منحه صندوق النقد الدولي لمصر في أواخر 2016، على الرغم من سيطرة الدولة وتقليص مساحة الحريات، وغياب العدالة الاجتماعية، وعدم تبنّي الحكومة الإصلاحات الديمقراطية (كل هذه المعطيات تتنافى مع مبادئ المنظمة)- يشير إلى أن قضايا حقوق الإنسان يجري تجاهلها من قِبل الصندوق.

- البنك الدولي ودعم الاستبداد
وفي السياق ذاته وخلال القرن الماضي، ومنذ نشأة البنك الدولي، هناك العديد من النماذج والأمثلة التي تؤكد ازدواجية معايير البنك الدولي، واستغلاله حاجة الدول النامية للقروض في إحكام سيطرة الدول العظمى على قراراتها وسياساتها.

بداية من دعم البنك الدولي الحكومة الانقلابية في تشيلي عام 1972 على الرغم من الاستبداد والديكتاتورية التي كانت مصاحبة لتلك الحكومة في ذلك الوقت، مروراً بتوفير الدعم المتكرر لحكومة الدكتاتور محمد سوهارتو في إندونيسيا (1967-1998)، وصولاً إلى توفير الدعم المتواصل للرئيس التونسي زين العابدين بن علي حتى الإطاحه به في 2011.

وفي هذا الإطار، أشارت العديد من التقارير، الصادرة من دائرة الأبحاث في الكونغرس الأمريكي، إلى أن الولايات المتحدة في عهد إدارة ريغان (1981-1989) كانت تربط حصول الدول النامية على قروض البنك الدولي بدرجة رضوخ تلك الدول لسياسات الولايات المتحدة.