بالفيديو .. "السادات" وحرب أكتوبر .. وبداية المفاوضات مع "إسرائيل"
رجل عسكري صاحب عقيدة حملها معه مُذ صعد إلى سدة الحكم في مصر، عقيدة تمثّلت في اعتماد الحرب وسيلةً للسلام، فكان له ما صبا إليه حين أصبح أول عربي يزور "تل أبيب"، ويجهر برغبته في السلام مع "إسرائيل". المصريون يسمّونه "رجل الانتصارات"، وفي نظر الإسرائيليين هو "رجل السلام".. إنه محمد أنور السادات.
ترأس السادات مصر في أكتوبر 1970، بحقيبة دسمة مثقلة بالأحداث، بدأت بالانضمام لتنظيم "الضباط الأحرار"، الذي كان سبباً في دخوله السجن وفصله عسكرياً، بإيعاز من الإنجليز الذين حكموا مصر آنذاك، قبل أن يضع خطة للهروب وينجح في تنفيذها، في نوفمبر 1944، ليختفي عن الأنظار ويعمل عتّالاً على سيارة نقل باسم "الحاج محمد".
بعدها بعامين، اقتيد "الحاج محمد" إلى السجن مرّة أخرى؛ إثر اتهامه من قِبل السلطات البريطانية بالانتماء إلى تنظيم سري اغتال وزير المالية في حكومة الوفد، أمين عثمان، لكنه خرج ببراءة، في يوليو 1948، قبل أن تمنحه ثورة يوليو 1952 مناصب عدة، انتهت بتنصيبه رئيساً للجمهورية خلفاً لعبد الناصر.
في السادس من أكتوبر 1973، اندلعت الحرب؛ بين الجمهوريتين المصرية والسورية من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى، حرب قادها رجل يعرّف المواجهة في قاموسه العسكري على أنها وسيلة للسلام، تمكّن خلالها الجيش المصري من "تحطيم أسطورة الجيش (الإسرائيلي) الذي لا يقهر".
خرجت مصر السادات من الحرب باسترداد السيادة الكاملة على قناة السويس، وعودة الملاحة إليها، في يونيو 1975، واستعادة جزء من أراضي شبه جزيرة سيناء، كما أنها مهّدت الطريق لاتفاق "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، الذي عُقد بعد الحرب، في سبتمبر 1978.
- العربي الأول في إسرائيل
ما إن وضعت الحرب أوزارها، وفي غمرة آخر انتصارات العرب ضد "إسرائيل"، أقدم "رجل الانتصارات"، كما يسميه المصريون، و"رجل السلام" برواية الإسرائيليين، على وضع يده في يد مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، معلناً التوصل إلى صفقة "كامب ديفيد".
الرجل العربي الأول الذي يزور إسرائيل "من أجل السلام"، ذهب بعد حرب ضروس يلقي خطاباً أمام الكنيست، عام 1977، ليكون الأول من بين قادة العرب الذين جهروا برغبتهم في السلام مع "إسرائيل"، فكان ما أطلق عليه "اتفاق السلام/كامب ديفيد"، والذي كلّف السادات مقاطعة عربية، نقل على أثرها مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" كان السبب الرئيس في تدهور العلاقات المصرية العربية، وسبباً مباشراً في مخطط اغتيال السادات، حيث تزايدت أعداد كارهي الرجل، مبررين ذلك بأن حرب 6 أكتوبر نتاج خالص لتخطيط عبد الناصر قبل موته، وجاء فقط لقطف الثمرة.
أثارت اتفاقيات "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة داخل مصر وفي معظم الدول العربية؛ بدأت باستقالة وزير الخارجية، محمد إبراهيم كامل، الذي عارض الاتفاقية، وسمّاها "مذبحة التنازلات"، وجاء في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد"، المنشور في بداية الثمانينيات، أن "ما قَبِل به السادات بعيد جداً عن السلام العادل".
10 دول عربية، من بينها فلسطين، شكّلت ما عُرف وقتها بـ "جبهة الرفض"، وعقدوا مؤتمر قمة رفض كل ما صدر عن "كامب ديفيد"، كما اتخذت جامعة الدول العربية قراراً بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس؛ احتجاجاً على الخطوة المصرية المنفردة على الصعيد العربي، كما قرّرت تعليق عضوية مصر ومقاطعتها.
الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، كان له الموقف الأكثر حدّةً من الاتفاقية مع إسرائيل، فاعتبر أنه "لو تمسّك السادات بالقضية الفلسطينية في الكنيست الإسرائيلي لكان الموقف العربي مختلفاً".
وكما على الصعيد الرسمي والدبلوماسي بين الدول، فإن الموقف الشعبي أظهر سخطاً ورفضاً للاتفاقية، إذ ساد جوٌّ من الإحباط والغضب في الشارع العربي من فكرة التطبيع مع "إسرائيل"، حيث خرجت المظاهرات المناهضة للمعاهدة في مختلف البلدان العربية، وكان المواطنون ما زالوا متأثرين بخطابات جمال عبد الناصر، وقيم القومية العربية ومبادئها، التي تجسّدت خلال فترة حكمه مصر.
ولم تكن هذه هي الضريبة الوحيدة التي أداها السادات مقابل نهج السلام مع إسرائيل، بل في اليوم الذي كان يحتفل فيه بذكرى نصر جيشه على "إسرائيل"، اغتالته مجموعة مسلّحة وهو يحضر استعراضاً عسكرياً، في 6 أكتوبر عام 1981.
الاتفاقية أقرّت التطبيع على المستوى الرسمي كمحور رئيسي، إلى جانب إقامة علاقات ودية بين مصر و"إسرائيل"، ما ترتّب عليه إقامة سفارة للقاهرة في "تل أبيب" والعكس، وأُقيم حفل افتتاحها في فبراير 1980، وكانت لحظة رفع العلم الإسرائيلي في قلب عاصمة العرب لحظة تاريخية مؤلمة للمصريين، الذين يرفضون التطبيع مع "إسرائيل"، إذ استقبلوا الموقف آنذاك بالصراخ والعويل.
- عرّاب المفاوضات
ويبدو أن مناحيم بيغن انتهز جميع الفرص التي أعقبت الحرب، وبدأ يقتنع أن إجراء مفاوضات مع دولة عربية كبرى واحدة أفضل من المفاوضات مع مجموعة من الدول، وأن أي اتفاق سينجم عنه سيكون في مصلحة "إسرائيل"؛ إما عن طريق السلام مع أكبر قوة عسكرية عربية، أو عن طريق عزل مصر عن بقية العالم العربي.
وخلال زيارته "تل أبيب"، ألقى السادات أمام الكنيست خطاباً عرض فيه وجهة نظره في الصراع العربي الإسرائيلي، وضمّنه بعض الاقتراحات لتسوية هذا النزاع، كما أجرى مباحثات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية وعدد من رؤساء الكتل البرلمانية في الكنيست، فيما يتعلق بمفاوضات تتعلق بالشرق الأوسط.
الظروف التي عاشتها مصر قبل وخلال حرب أكتوبر، مهّدت الطريق أمام السادات للتفكير بمبدأ نابع من عقيدته العسكرية التي يرى فيها أن الحرب وسيلة للسلام، فبدأ يفكر بأن تركز مصر على مصالحها بدلاً من مصالح مجموعة من الدول العربية؛ من خلال اتفاق بين مصر وإسرائيل قد يؤدي إلى اتفاقات ومفاوضات مشابهة مع الدول العربية الأخرى، ومن ثم سوف يؤدي إلى حل للقضية الفلسطينية.
ويبدو أن ما كان يصبو إليه السادات أخذ يتحقّق بعد نحو نصف قرن من الزمن؛ في تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية و"إسرائيل"، في تحقيق صفقة القرن التي يلوّح بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، فبعض العرب الذين قاطعوا الرئيس المصري لتفاوضه مع "إسرائيل" وإبرام "كامب ديفيد"، قد أجروا أو رعوا منذ ذلك التاريخ علاقات ومفاوضات مع "تل أبيب".
فقد شملت مسيرة التفاوض العربي الإسرائيلي "13 وثيقة"، بدءاً بمعاهدات السلام في كامب ديفيد، مروراً بإطار السلام بأوسلو، في سبتمبر 1993، وما تلاها من اتفاقيات تضمّنت اتفاقية واي بلانتشين "واي ريفر"، في أكتوبر، والمبادرة الأمريكية التي طرحها الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، في مارس 1998، ثم جهود اللجنة الرباعية الدولية المشكلة فيما عُرف بـ "خريطة الطريق"، سنة 2003، وهو الاسم الذي أُطلق على مبادرة سلام في الشرق الأوسط، والتي كانت تهدف لبدء محادثات للتوصل إلى حل نهائي لتسوية سلمية من خلال إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005.