لماذا تبقي أمريكا على قواعدها العسكرية في ألمانيا وكوريا الجنوبية؟
تساءل أحد مستخدمي موقع "Quora كورا"، حول ما كانت تنوي الولايات المتحدة فعله في كل من ألمانيا وكوريا، عندما أسست قواعدها العسكرية هناك في فترات زمنية مختلفة، وفيما يلي نستعرض عددًا من إجابات المستخدمين على هذا السؤال.
قال أيوش أشاريا في إجابته أنه في حالة ألمانيا، كان الأمريكيون واضحين في موقفهم من أنَّ حضور القوات الأمريكية ضروري لردع ومحاربة أي عدوان شيوعي في أوروبا. وكانوا مستعدين للإبقاء على قوات في ألمانيا إلى حين انخفاض حدة هذا التهديد، وهو ما كان يمكن أن يستمر إلى الأبد؛ وهم كانوا يعرفون ذلك.
نشر الأمريكيون عددًا كبيرًا من الوحدات في ألمانيا الغربية، وأعدوا نظامًا للنشر السريع للقوات في أوروبا من أمريكا. وبعد إعادة بناء الجيش الألماني، شكّل هذا الجيش أغلبية قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) في وسط أوروبا، وكان يعتبر "حاجزًا" في مواجهة "الجحافل الحمراء" كما كانوا يطلقون عليه.
أما الحالة الكورية فهي مثيرة للاهتمام، بحسب أشاريا. فالتدخل الأمريكي المبدئي عام 1950 قد حدث فقط لأن الأمريكيين قد وصلوا إلى قناعة مفادها أنَّ بقاء اليابان قوية كان أمرًا ضروريًا لإيقاف أي توسع سوفيتي في هذه المنطقة. فدخل جنود العم سام كوريا فقط لأنهم شعروا أنَّ شبه الجزيرة لو وقعت بكاملها في يد عائلة كيم، فسوف يهدد هذا الأمر اليابان، بنفس منطق "تأثير الدومينو".
وقال أشاريا: لست واثقًا من أنَّ الأمريكيين قد خططوا للبقاء إلى أجل غير مسمى لأنَّ الجنرال ماك آرثر كان على وشك الاستيلاء على شبه الجزيرة بأكملها، لكنَّ التدخل الصيني قلب الأمور.
وبإمكانك أن ترى أن حظ ماك آرثر قد نفد عندما هاجم جيش ماو الضخم قوات الأمم المتحدة، ثم أعاد الأمريكيون الاستقرار للجبهة على خط دفاعي في الجبال الواقعة شمال سيول مباشرة. وبمرور الوقت، اكتسبت الولايات المتحدة مصالح أخرى، وهم الآن هناك، وسوف يبقون هناك، على الأقل إلى حين ذهاب أسرة كيم.
الولايات المتحدة جهزت للبقاء
وقال كارتر مور، المساعد السابق في الكونجرس وأحد الموظفين الفيدراليين، في إجابته عن هذا السؤال: لا أعتقد أنَّ الكلمة الصحيحة لوصف الموقف الأمريكي هو أنهم كانوا "ينتوون" البقاء، وإنما الأصح أنهم كانوا "يجهزون" له.
فقد كان يُنظر إلى الاتحاد السوفيتي وكتلته على أنهم تهديد وجودي للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، وكانت الولايات المتحدة تتجهز للدفاع عن كليهما. وقد تضمن هذا التجهيز الإبقاء على حضور واسع هجومي في أوروبا (ألمانيا مثلًا). وقد انتهت معظم الاعتراضات المعاصرة على الحاجة إلى وجود عسكري أمريكي موسع في ألمانيا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، بحصار برلين وتعلقت بقايا هذه الاعتراضات مع تشييد جدار برلين.
ولم يتعرض الحضور العسكري الأمريكي المستدام في أوروبا إلى تمحيص جاد حتى توحيد ألمانيا وانهيار الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك، ففي حالة ألمانيا بالتحديد، كانت المنشآت العسكرية الأمريكية هناك قد أصبحت مهمة ليس فقط فيما يتعلق بقدرة الولايات المتحدة على إظهار قوتها في أوروبا. إذ أصبحت محورًا حيويًا لكثير من عمليات الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا، وأفريقيا (إلى درجة أنَّ مقر قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا موجود في شتوتجارت).
إنَّ الحالة الكورية أيضًا لم تكن تنطوي على "نية" في الإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي، والسبب في ذلك أنَّه لم يكن من المتخيل أن تظل كوريا الشمالية كيانًا معاديًا حتى القرن الـ21.
ومع توسع الناتو في العقود التي تلت الحرب الباردة، فما زال من المنطقي، من وجهة نظر استراتيجية، أن تحافظ الولايات المتحدة على التزامها الواضح بالدفاع عن القارة، وتخدم القواعد والقوات الأمريكية في ألمانيا هذا الغرض. والأمر ذاته يقال عن الحضور العسكري الأمريكي في اليابان، الذي يُلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن الأراضي اليابانية.
لكن هل كانت الولايات المتحدة تنتوي حدوث ذلك؟ ينفي مور تلك الاحتمالية، لكنه يقول إنَّ ثمة منطقًا استراتيجيًا في الإبقاء على الوضع الراهن، إذ يؤشر هذا الوضع على التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها، ويحمي مجالات حيوية من النشاط الاقتصادي العالمي (والأمريكي) ويُبقي على خيار عرض الولايات المتحدة لقوتها عالميًا حالة الضرورة.
وقال مور إنَّ الحالة الكورية أيضًا لم تكن تنطوي على "نية" في الإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي، والسبب في ذلك أنَّه لم يكن من المتخيل أن تظل كوريا الشمالية كيانًا معاديًا حتى القرن الـ21. فالولايات المتحدة حليفة لكوريا الجنوبية، وكلا البلدين ما يزال في حالة حرب مع كوريا الشمالية، وما دام ثمة احتمال لنشوب صراع في شبه الجزيرة الكورية، فإنَّ الولايات المتحدة سوف تبقى هناك ما لم تأمرها كوريا الجنوبية بحزم حقائبها والمغادرة.
أهداف اقتصادية
وقال جيم مور، السكرتير الصحافي السابق، والمساعد التشريعي العسكري في مجلس الشيوخ الأمريكي بين عامي 1984ـ-1986، في إجابته عن السؤال: إنَّ الغرض الأوليّ في كلتا المنطقتين كان إعادة الاستقرار للهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في أعقاب صدمة الحرب المدمرة. وكان من صميم المصلحة الأمريكية، اقتصاديًا، وسياسيًا، واستراتيجيًا، طمأنة السكان غير الشيوعيين في أوروبا الغربية والمحيط الهادئ من أنه سوف يكون ثمة درع صلب جدير بالثقة ضد أي عدوان جديد من الأعداء القدامى أو الحاليين، وذلك لأجل غير مسمى.
هذا الوجود الأمريكي (العسكري والاقتصادي) الجدير بالثقة سمح بإعادة بناء البنى التحتية مع بناء أنظمة سياسية واقتصادية تتلاءم مع واقع ما بعد الحرب دون الاضطرار إلى التكفل بأعباء لا لزوم لها تستنزف الموارد البشرية ورأس المال.
ويرى مور أنًّ الإبقاء على قوات أمريكية في أو بالقرب من مناطق النزاع لم يكن قط مقصودًا به أن يكون حلًا دائمًا من أجل التعافي القومي أو الإقليمي، وإنما كان، وما زال، أفضل حل استراتيجي لبناء شراكات والحفاظ على حالة الاقتصاد القوية التي تعتمد عليها الأمم، والأقاليم، والأسواق العالمية الآن. بمرور الوقت، ومع استرداد أوروبا الغربية لعافيتها، وضعف السيطرة الشيوعية، أصبحت الولايات المتحدة قادرة على البدء في سحب قواتها وإعادة القواعد التي بنتها الولايات المتحدة إلى الدول المضيفة.
وقال مور إنَّ عدد القوات الأمريكية في أوروبا في الثمانينيات كان 200 ألف جندي، ثم أصبح أقل من 70 ألفًا بحلول الألفية. أما في الحالة الكورية فما تزال الحرب قائمة، بشكل ما، بين الشمال والجنوب إذ لم توقع اتفاقية سلام قط، وإنما وقع وقف لإطلاق النار فحسب. وما زالت القواعد العسكرية الأمريكية حيوية لزيادة كوريا الجنوبية من قدراتها العسكرية. ومن غير المحتمل أن تغادر الولايات المتحدة، على المدى المنظور على الأقل، وذلك للأهمية الحاسمة للجنود والمعدات والاستخبارات والموارد التدريبية الأمريكية للموقف الدفاعي الدائم لكوريا الجنوبية.