المعلنون يساهمون في نزيف الصحافة المغربية
بدأ الصحافيون المغربيون يستشعرون الخطر الحقيقي الذي يهدد الصحافة الورقية والإلكترونية التي تكافح من أجل البقاء في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها، ويدرك القائمون على تلك المنابر أن الإعلانات لا يمكنها إنقاذ الصحافة لوقت طويل، إذ أن النموذج الاقتصادي للمؤسسات الصحافية هش ومبني على تحكم المعلنين بوسائل الإعلام، وهذا ما بدا واضحا مع إغلاق جريدة “التجديد” الأسبوع الماضي، وسبقتها صحيفة “الناس” وصحيفة “العاصمة” وجريدة “الخبر” وغيرها.
وأكد عبدالله البقالي نقيب الصحافيين المغاربة، أن إغلاق جريدة التجديد، هو عنوان بارز ودليل على أزمة خانقة تتهدّد مختلف الصحف المغربية، وأضاف أن توقفها بمثابة إعلان صريح لبداية نهاية الصحافة المكتوبة في المغرب إذا لم يتم الانتباه إلى هذه الأزمة.
واعتبر البقالي أن الجهات المعلنة تريد التحكم في الخط التحريري للصحف، مضيفا “لا يمكن أن ننكر أن للمعلنين دورا في الخط التحريري لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة".
ويرى البقالي بأن المؤسسات الصحافية بالمغرب تعيش وضعية مالية حرجة بسبب تراجع نسبة القراء، الأمر الذي انعكس على أرقام المبيعات والتي سجلت تراجعا سنويا بنسبة تتراوح بين 15 و25 بالمئة، إضافة إلى تراجع إيرادات الإعلانات. ويرى صحافيون آخرون أن المشكلة لا تقتصر فقط على المعلنين المحليين التقليديين، إذ أن شركات الإنترنت العالمية ساهمت في تفاقم الأزمة، وتشير إحصائيات مجموعة “ويب أفريقيا” إلى أن شركات غوغل ويوتيوب وفيسبوك تسيطر على ما يصل إلى 240 مليون درهم (24 مليون دولار)، من المخصصات المالية التي تخصصها الشركات المغربية للإعلانات الرقمية، فيما لا تتجاوز حصة المواقع الإخبارية المغربية على شبكة الإنترنت سوى 60 مليون درهم، وهذا ما يعني حرمان المؤسسات الإعلامية الوطنية واستعمال سلاح الإعلام الذي انعكس بشكل سلبي على الصحافة الورقية.
وقال البقالي إن هذا السبب ساهم بشكل لافت في تراجع إيرادات الصحف، حيث يتكفل غوغل بالقيام بالإعلان عبر كل المواقع الإلكترونية بتكاليف يسيرة مع استهداف دقيق للفئة التي يعنيها هذا الإعلان.
عبد الله البقالي: غوغل يتكفل بالإعلان عبر كل المواقع الإلكترونية بتكاليف يسيرة
وتابع “سجلنا في السنة الماضية استحواذ هذا الموقع على حوالي 17 بالمائة من مداخيل الصحافة الوطنية المكتوبة الخاصة بالإشهار”.
وكانت وزارة الاتصال بالمغرب، أكدت في بيان لها “أن الصحافة الإلكترونية تنطلق في المغرب وهي تعاني من الهشاشة بسبب اللجوء إلى الإعلان في محرك البحث العالمي غوغل أو موقع التواصل فيسبوك أو غيرهما، وأشارت الوزارة إلى أنها ستبدأ مفاوضات لحماية المؤسسات الإعلامية المغربية من استحواذ المعلنين العالميين على سوق الإعلان بالمغرب.
وذكر نقيب الصحافيين أسبابا مباشرة أخرى تساهم بشكل متواصل في تراجع إيرادات الصحف المغربية من الإعلانات، ومنها ظاهرة اللوحات الإعلانية التي تغزو الشوارع العامة، حيث وجد فيها المعلنون بديلا عن الصحافة المكتوبة.
من جهته، قال محمد العوني رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير- حاتم، إن فاعلين اقتصاديين بالمغرب “يمكن لهم أن ينعشوا أو يُميتوا جرائد بعينها خارج المعيار الاقتصادي الذي من المفروض أن يوجه الإعلان”.
وترى الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، أن “عادة القراءة المجانية للصحف على الإنترنت وفي المقاهي تتسبب في نزيف مادي للصحف المغربية”، وفقا لدراسة أنجزتها الفيدرالية.
وكشفت الدراسة تأثير الصحف المغربية في الشارع، حيث شهدت الصحف الثلاث اليومية الكبرى في البلاد تراجعا كبيرا في مبيعاتها، حيث تراجعت مبيعات صحف “المساء والصباح والأخبار” في 2016 بنحو 30 ألف نسخة كاملة عن العام السابق.
وطالت تلك الأزمة الصحف اليومية الناطقة باللغة الفرنسية، مثل صحيفة “الإيكونوميست” التى فقدت نحو 5 آلاف نسخة من توزيعها في عام 2016.
وذكرت الدراسة أن الأمر يعود إلى عزوف القارئ المغربي عن اقتناء الصحف الورقية في مقابل الحصول على نفس الخدمة مجانا من المواقع الإلكترونية، إضافة إلى زيادة أسعار الصحف؛ بسبب زيادة أسعار أحبار الطباعة والورق وتضاؤل سوق الإعلانات.
وكان قد تم التوصل إلى اتفاق بين وزارة الاتصال، والمكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية لناشري الصحف، على إدخال بند في مشروع قانون الصحافة والنشر، يمنع القراءة المجانية للصحف، إلا أن هناك آراء أخرى رفضت هذه الحلول.
وقال الصحافي المغربي عبدالله أموش، إن كل المقترحات التي طرحتها الحكومة وفيدرالية الناشرين ونقابة الصحافيين المغاربة تظهر أنها مقترحات هشة لا تنفذ إلى مكمن الداء، فالمشكلة هي أن المغاربة لا تستهويهم القراءة، إذ أن القارئ المغربي لا يقرأ إلا دقيقتين في العام، في حين أن القارئ الأوروبي يقرأ 200 ساعة في العام، إضافة إلى ذلك أن الأمية مازالت تتحكم في حوالي 50 بالمائة من المجتمع.
وقدم موقع “أليكسا” العالمي، المختص في ترتيب مواقع الإنترنت، إحصائيات أظهرت أن اهتمام المغاربة ينصب على التفاعل في مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث وأهمها غوغل، إضافة إلى المواقع الرياضية ومواقع التسوق الإلكتروني والبوابات الإخبارية والمواقع الجنسية والإباحية.
ويرى المتابعون للإعلام المغربي، أنه من أجل بناء فضاء إلكتروني ورقمي يجذب اهتمام المستخدم المغربي، يجب على القائمين على المواقع الإلكترونية توفير محتوى مبتكر يتضمن الفيديوهات والنقل المباشر عوض كتابة أخبار مطولة تبعث الملل للمستخدم، إضافة إلى حجز مساحة واسعة للرياضة، وتخصيص مساحات للخدمات الاجتماعية والتسويقية، وعدم الارتهان لسوق الإعلانات.