"إنهيار سد النهضة" .. الحل الأسهل والأخطر لمصر والسودان

"إنهيار سد النهضة" .. الحل الأسهل والأخطر لمصر والسودان
"إنهيار سد النهضة" .. الحل الأسهل والأخطر لمصر والسودان

مع احتدام الجدل بشأن خطورة سد النهضة الإثيوبي على حصة مصر والسودان المائية، ووسط تصاعد الخلاف بشأن ما يمكن للدولتين القيام به للحفاظ على حصتيهما من مياه النيل، يبدو انهيار السد حلاً سماوياً للبلدين، وإن كانت تداعياته ستكون كارثية عليهما، كما يقول خبراء.


وكانت الإنشاءات في سد النهضة قد بدأت في ديسمبر 2010، بعد التعاقد بين شركتي ساليني إميرجيولو وميتيك الإثيوبيتين، في موقع يبعد 40 كم عن الحدود السودانية الإثيوبية على مجرى النيل الأزرق.

وفي الحادي عشر من أبريل 2011، وضع رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميلس زيناوي، حجر أساس السد على النيل الأزرق، الذي يمد مصر بـ 90% من حصتها المائية المقدرة بـ 5.5 مليار متر مكعب، والتي من المتوقع أن يحجب السد الإثيوبي نصفها.

ويهدف المشروع لتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه؛ بهدف توليد 6000 ميغاواط من الكهرباء، وقد ظل المشروع محل خلاف كبير بين الدول الثلاث، حتى جاء التغيّر الأكبر في مسار الأزمة؛ عندما وقّع مسؤولو البلدان الثلاثة وثيقة مبادئ، في مارس 2015.

- عيوب فنية
ومؤخراً، تحدثت تقارير فنية عن وجود نشع (تسريب) في جدار السد، محذّرة من وقوع "كارثة"، وأوضحت بالأرقام والإحداثيات والصور الأخطاء الإنشائية في بناء السد، الذي قالت إنه مع مرور الوقت واكتمال بنائه سيكون معرّضاً للانهيار.

وتناولت تقارير صحفية ما قالت إنها صور ملتقطة لسد النهضة عبر تطبيق جوجل ماب (Google Map)، حيث تظهر هذه الصور وجود تسريب في أساسات السد ناتج عن شروخ بسبب الخلطات الخرسانية المستخدمة.

والخميس 17 أغسطس 2017، حذّر الرئيس السوداني، عمر البشير، خلال مؤتمر صحفي مشترك في الخرطوم مع رئيس وزراء إثيوبيا، هايلي ماريام ديسالين، من أن احتمال انهيار سد النهضة الإثيوبي سيمثل كارثة للسودان.

لكن البشير عاد وقال إن تلك المخاوف "انتهت، بعد أن تلقّت الخرطوم تطمينات من أديس أبابا بإجراء تعديلات جوهرية على جسم السد".

الدكتور محمد حافظ، أستاذ هندسة السدود، قال: إن "من السهل جداً لأي باحث أن يزور بنيان سد النهضة مستخدماً جوجل ماب لكي يرى مساحة (النشع) الموجود على الجزء الأوسط الملاصق للجانب الشرقي لسد النهضة"، وهو الجزء الموجود على مجرى النيل نفسه.

وفي تصريحات صحفية، أضاف حافظ: "النشع يعني شروخاً قد تكون ضيقة جداً، وقد تكون باتساع عدة مليمترات، إلا أن عرض الشرخ غير مهم في هذه الحالة؛ فالعرض سوف يتزايد مع تزايد القوى الواقعة على بنيان السد".

وتابع: "حالياً لا يوجد غير جزء بسيط من القوى الرئيسية وجزء صغير جداً من القوى الأفقية، لكن هذه الشروخ ستتزايد تدريجياً مع ارتفاع قيمة هاتين المركبتين لمحصلة القوى الواقعة على بنيان السد".

- استجواب
الحكومة الإثيوبية أجرت بداية العام الجاري استجواباً رسمياً لمدير مشروع سد النهضة؛ لشرح صحة وجودة التصميمات والمواد الإنشائية المستخدمة في البناء.

وأكد مدير مشروع سد النهضة للجنة الفنية سلامة سد النهضة، مشيراً إلى أنه استخدم أفضل المواد للخلطات الخرسانية المتنوّعة والمحددة لكل جزء من أجزاء السد.

الخبير المصري حافظ يرى أن استجواب مدير مشروع سد النهضة أمام اللجنة الفنية الحكومية في إثيوبيا "يعكس صدق بعض الأخبار التي صرّحت بها إحدى قنوات التلفزيون الإثيوبي، أواخر مارس الماضي، عن وجود تشققات بأساسات سد النهضة بسبب سوء اختيار الخلطات الخرسانية لطبقة الأساسات، مع وجود مشاكل انزلاقات للتربة تحت الأساسات".

ورغم النفي الحكومي لحدوث شروخات بقاعدة الأساسات، فإن استجواب مدير مشروع سد النهضة لأول مرة عام 2011، يؤكّد، برأي حافظ، أنه ليس هناك دخان بلا نار، وأن هناك مشكلة حقيقية في أساسات السد.

ويؤكد الخبير المصري "احتمالية حدوث تشققات نتيجة الأحمال الرئيسية والأفقية الكبيرة جداً، وإذا حدثت فإن علاجها سيكون غاية في الصعوبة، خاصة إذا كان ارتفاع السد عالياً".

وحتى لو تمت معالجة المشكلة، فسيكون العلاج مؤقتاً، ويحتاج للمزيد كل عام، تماماً مثلما هو حادث اليوم مع سد الموصل بالعراق، بحسب حافظ.

ومنذ يوليو 2016، تبيّن أن عرض أساسات سد النهضة لا يتناسب تماماً مع الارتفاع المنتظر للسد (175 متراً)، يقول حافظ.

وما يزيد من صحة هذا الافتراض أن المقاول الإيطالي قد أكمل بناء نصف المقطع الأوسط، منذ شهر فبراير 2016، وهناك صور على موقع شركة "ساليني" الإيطالية تؤكد صحة هذا الأمر. كما أن قناة "الجزيرة" نشرت مقطع فيديو، مطلع مارس 2017، يؤكد أن الوضع ما زال كما هو لم يتغيّر، منذ فبراير 2016.

لكن القناة عرضت، في 28 فبراير 2017، صوراً تظهر زيادة معدل البناء بشكل كبير جداً خلال فترة قصيرة جداً، ما يعني وجود تعبئة عامة وعمل ليل نهار لاستكمال بناء السد والتخزين خلال العام الحالي.

أحد الخبراء الألمان قال، في 2014، إن التصميم الإنشائي لسد النهضة "لا يرقى لأن يكون تصميماً لبناء عمارة"، مؤكداً "أنه سينهار ويدمّر مصر والسودان"، وفق ما نقله موقع "مصر برس".

- منطقة زلازل
المهندس أحمد أبو السعود، عضو اللجنة الفنية لتقييم آثار السد، قال في تصريح سابق إن سد النهضة مبنيّ على "تربة بركانية" تتكون في معظمها من البازلت سهل التفتيت، وهو ما يمثل خطورة كبيرة على إثيوبيا في حالة انهيار السد، كما يمثل تهديداً مباشراً للسودان وكارثة بالنسبة إلى مصر، حسب قوله.

خبير المياه، الدكتور ضياء الدين القوصي، يقول أيضاً إن مناطق التخزين الإثيوبية هي مناطق "أنشطة زلزالية"، ما قد يتسبّب في تدمير السد، واندفاع المياه المحمّلة بالرواسب ومخلّفات الانهيار الأرضي والصخور، وهو أمر كارثي لمصر والسودان، حسب قوله.

ويحذّر كثير من الخبراء من عدم تطبيق شروط الأمان الدولية؛ لأن ذلك يعد من المخاطر الكارثية لاحتمالات انهيار السد بسبب ضعف عامل الأمان الإنشائي، الذي لا يزيد على 1.5 درجة، في مقابل 8 درجات للسد العالي في مصر.

تقرير اللجنة الدولية، الذي صدر في 30 يونيو 2013، يؤكد أن السد "سيكون كارثة، وسيلحق الضرر الكبير بمصر".

كما يحذر خبراء من المخاوف المتزايدة لتعرّض سد النهضة للانهيار بسبب العوامل الجيولوجية وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق، والتي تصل في بعض فترات العام إلى ما يزيد على نصف مليار متر مكعب يومياً، وكذا من ارتفاع يزيد على ألفي متر، ما يهدد بوقوع كارثة مدمّرة على دولتي المصبّ تشبه كارثة "تسونامي"، بحسب خبراء.

- أرض غير صالحة
الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الأفريقية، لا يسمع لمن يقولون إن نظرية انهيار السد "خزعبلات"، مستنداً في ذلك إلى دراسته الجيولوجية ورسائل أعدها خصيصاً عن إثيوبيا قبل بناء السد.

وفي حوار مع صحيفة "فيتو" المصرية، يؤكد شراقي: "لدينا نماذج حقيقية على عدم صلاحية الأراضي الإثيوبية لهذه السدود، ففي عام 2009 انهار أحد السدود الإثيوبية الصغيرة على نهر النيل، وفي عام 2010 انهار سد آخر بعد 10 أيام من افتتاحه بسبب الانشقاقات".

وأضاف: "إثيوبيا بها أكبر فالق في العالم، واسمه الأخدود العظيم، أضف إلى ذلك أن سد النهضة بسعته التخزينية يزن أكثر من 150 طناً، وهو رقم ضخم لن تتحمّله أي أرض إثيوبية". وأكد شراقي: "اللجنة الدولية أكدت أن السد في وقته الحالي معرّض للانهيار".

وفي أبريل الماضي، احتفلت إثيوبيا بمرور 6 سنوات على بدء العمل ببناء سد النهضة، وسط حضور رسمي وشعبي حاشد بموقع السد، المتاخم للحدود السودانية، مؤكدة إنجاز 75% من أعمال البناء.