هل سيشهد عهد ترمب مزيدًا من المضايقات ضد الإعلاميين؟!
في الأسبوع الماضي، سألت مارغريت سليفان، كاتبة عمود، عن الإعلام في صحيفة «واشنطن بوست» (كانت مراقبة في صحيفة «نيويورك تايمز»)، هل سيشهد عهد الرئيس دونالد ترمب مزيدا من المضايقات على الصحافيين، وربما اعتقالهم ومحاكمتهم. وقالت: «اندهش وقلق كثير من الذين يهتمون بنزاهة الإعلام في الولايات المتحدة بسبب تصريحات الرئيس ترمب الأخيرة. في الماضي، وصف ترمب الصحافيين بأنهم كذابون، ومرات قال إنهم حثالة. لكن، في المرة الأخيرة قال إنهم أعداء الشعب الأميركي».
لكن، حسب صحيفة «ديلي بيست» في الأسبوع الماضي، لا تحتاج سليفان لأن تسأل عما إذا سيعتقل صحافيون في عهد ترمب، وذلك أن 6 صحافيين اعتقلوا يوم تنصيب ترمب، ويتوقع أن يقدموا إلى محاكمات هذا الشهر.
صحيح، لم يعتقلوا بسبب آراء كتبوها أو أذاعوها، ولكن خلال تغطيتهم شغبا في بعض شوارع واشنطن يوم تنصيب ترمب، قالوا كلهم إن اعتقالهم لم يأت من فراغ، وله صلة بأجواء معادية للصحافيين ساهم ترمب فيها خلال الحملة الانتخابية.
وصفت الصحيفة هذه الأجواء بكلمتين: «زايتغايست» (كلمة ألمانية معناها روح العصر)، و«ترمبزم» (عقيدة، شبه دينية).
هؤلاء هم الذين اعتقلوا: إيفان إنجل، منتج فيديو في موقع «فوكاتيف»، وألكسندر روبنشتاين، مراسل تلفزيون «آر تي» الروسي، وآرون كانتو، مراسل صحيفة «تروثاوت» الإلكترونية، وجاك كيلار، منتج أفلام وثائقية، ومات هيوبارت، صحافي متعاون، وشاي هورس، مصور.
اعتقلتهم الشرطة مع آخرين بتهمة إثارة الشغب، لكنها لم تحدد إذا كانوا اشتركوا مع المشاغبين، أو تعاونوا معهم، أو أثاروهم (بالتركيز على تصوير السيارات التي أحرقوها، أو الأبواب والنوافذ الزجاجية التي كسروها)، أو ربما لأنهم كلهم تقريبا يساريون، أو يعملون مع مؤسسات يسارية.
إذا أدينوا عندما يقدمون إلى المحاكمة، يمكن أن تصل عقوبة كل واحد منهم إلى 10 أعوام في السجن، و25.000 دولار غرامة.
وحسب وثائق الشرطة التي ستنظر فيها محكمة محلية في واشنطن، تورط هؤلاء (مع 230 شخصا آخرين) في «أعمال فوضوية تسببت في أضرار تزيد قيمتها على 100.000 دولار، وإصابة 6 من رجال الشرطة إصابات خفيفة».
وبعد اعتقالهم، قدمت «لجنة حماية الصحافيين» (سي بي جي) احتجاجا عنيفا إلى وزارة العدل. وقال كارلوس لوريا، مسؤول في اللجنة: «بالغ الادعاء في هذه القضايا مبالغات مفرطة بصورة واضحة... ونحن قلقون من أن يرسل هذا رسالة تقشعر لها أبدان الصحافيين الذين يغطون المظاهرات. نحن ندعو المسؤولين لإسقاط هذه التهم فورا».
لكن، دافع عن الاعتقالات والاتهامات شانينغ فيليبس ، متحدث باسم وزارة العدل. وقال: «حدث شغب، وهذه اتهامات ضد مشاغبين اشتركوا فيه»، لكنه قال إن عددا ليس قليلا من المعتقلين سيبرأون إذا لم تثبت أدلة واضحة ضدهم (مثل فيديوهات تصورهم).
هذا عن صحافيين غطوا أحداث شغب. لكن، الذي يقلق مارغريت سليفان أكثر، صحافية «واشنطن بوست»، وغيرها، توقع اعتقالات ومحاكمات لها صلة بتغطية نشاطات إدارة ترمب. وبخاصة لأن ترمب كان قال، في واحدة من تغريداته في موقع «تويتر» قبل أسبوعين، إنه سيطلب من وزارة العدل التحقيق في تسريبات من وكالات الاستخبارات الأميركية، خصوصا «سي آي إيه»، منذ أن توترت علاقاته مع هذه الوكالات قبل أن يصير رئيسا. وفعلا، تحدث ترمب عن «تسريبات إجرامية».
هنا ركزت سليفان على نقطتين:
أولا: «تسريبات إجرامية» يمكن أن توجه إلى صحافيين أيضا.
ثانيا: يوجد جانبان لمثل هذه التسريبات، مقدمها (مسؤول حكومي) ومتسلمها (صحافي).
وعن هذا، قال ديفيد بوزين، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا (نيويورك): «أراها، في الوقت الحاضر، ممارسة منحرفة... ليس عاديا تقديم صحافيين إلى محاكمات. لكن، إذا استمر غير العادي يتكرر، سيكون عاديا، وسيغير موازين الحكم».
وسئلت سليفان أسئلة، وأجابت عنها:
الأسئلة: «لماذا يعامل القانون الصحافيين معاملة مختلفة عن المواطنين الآخرين؟ لماذا يجب أن يكشفوا عن مصادرهم؟ لماذا لا يحاكمون عندما ينشرون معلومات حصلوا عليها بطريقة غير قانونية؟».
الإجابة: «حسنا، لأن الديمقراطية مبنية على قدرة الصحافيين على مراقبة الحكومة. ومن هنا جاء تقسيم السلطات. سلطة الصحافيين هي كشف ما تفعل الحكومة ليساعدوا المواطنين في الحكم على الحكومة، وبخاصة ما تفعله سرا. لهذا، لا بد أن يقدر الصحافيون على كتمان مصادرهم السرية».
لكن، عبر تاريخها، لا تريد الحكومات أن يكشف صحافيون عن أسرارها، نهاية بإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، حققت 9 مرات مع صحافيين عن تسريب أسرار حكومية، منها، مرتان لاسمين متشابهين:
أولا: جيمس رايزن، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز»، لأنه رفض كشف مصادره خلال التحقيق عن تسريبات قام بها جيفري إسترليني، ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).
ثانيا: جيمس روزين، مراسل تلفزيون «فوكس»، لأنه رفض كشف مصادر في وزارة الخارجية، مما جعل شرطة مكتب التحقيق الفيدرالي (إف بي آي) تتابع تحركاته، وتليفوناته، واتصالاته الإلكترونية.
لكن، بسبب انتقادات شديدة لهذه التحقيقات، وبخاصة من أعضاء في الكونغرس كانوا يناقشون وضع قانون لحماية الصحافيين، أسقطت وزارة العدل الاتهامات ضد الصحافيين.
في ذلك الوقت، قال وزير العدل السابق، إريك هولدر، إنه، حقيقة، لم يكن يريد أن يذهب أي صحافي إلى السجن.
قبل أسبوعين، خلال استجواب لجنة الشيوخ في الكونغرس لوزير العدل الجديد، جيف سيشان، سئل أكثر من مرة ماذا سيفعل مع صحافي كشف عن أسرار حكومية، وكل مرة سألوه، تحاشى تقديم إجابة مباشرة.