بناء الجدار الإسرائيلي حول غزة .. هل يُشعل الحرب الرابعة؟
لا تزال أنفاق المقاومة الفلسطينية تُشكّل حالة من القلق والذعر لدى الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الأمنية المختلفة، بعد إنجاز عسكري كبير تم تحقيقه عبر استخدام الأنفاق بحرب 2014 على قطاع غزة، والعمليات النوعية التي نفذتها المقاومة من خلالها، وقلبت فيها موازين القوى مع المحتل.
دولة الاحتلال، ومنذ انتهاء الحرب الأخيرة، تحاول جاهدةً البحث عن حلول عملية للقضاء على "الموت القادم نحوها من تحت أرض غزة"، كما تطلق عليها بعض الأوساط الإسرائيلية، وتريد في ذات الوقت استغلال الأنفاق لتشديد الحصار "البري والبحري والجوي" الخانق المفروض على غزة وسكانها منذ 11عاماً.
إنشاء جدار طويل يحيط بغزة ويمتد 64 كم من أسفل الأرض حتى أعلاها كان الحل الأمثل للقضاء على الأنفاق من وجهة النظر الإسرائيلية، لكن المقاومة الفلسطينية، التي تعتبر الأنفاق خط دفاع عن غزة، حذّرت من الاستمرار في تنفيذ هذا المشروع، واعتبرته "شرارة لحرب جديدة".
- الحرب الرابعة
وحاولت دولة الاحتلال الإسرائيلي مواجهة أنفاق المقاومة، التي تزعم أنها تسير تحت "كيبوتسات" غلاف غزة، بشتى الوسائل والسبل، إلا أنها وجدت صعوبةً كبيرة في ذلك؛ نظراً لاعتماد المقاومة على آليات وتكتيكات متعددة في طريقة حفرها وتشعباتها.
منذ أيام واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي إقامة سياج فاصل على طول الحدود مع قطاع غزة، بحيث يرتفع بنحو ستة أمتار فوق الأرض، ويترافق مع إقامة جدار أسمنتي على عمق عشرات الأمتار تحت الأرض، مجهزاً بأحدث الأجهزة الإلكترونية ومجسّات ترصد أي تحرّك، وترسل إنذارات بأن هناك من يقترب من الجدار، للتصدي لأنفاق المقاومة ومحاولة السيطرة عليها.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، كشفت أن الاحتلال عازم على استكمال البناء في الجدار الخرساني على طول حدود غزة، ويبلغ طوله 64 كم، وتكلفة الكيلومتر الواحد 41 مليون شيكل، بإجمالي 4 مليارات شيكل.
وذكرت أن قوات الاحتلال جهزت معدات حفر ضخمة استوردتها من ألمانيا خصيصاً، كما عملت على استيراد الباطون السائل من البلقان، موضحةً أن الجدار سيتعمق لعشرات الأمتار تحت الأرض، وستة أمتار فوق الأرض، بمشاركة ألف عامل من مختلف دول العالم.
حركة "حماس"، وعلى لسان القيادي فيها إسماعيل رضوان، أكدت أن إسرائيل تحاول بكل الطرق "جر قطاع غزة لحرب جديدة ومفتوحة، لا أحد يعلم أين ستستقر نتائجها ولا كيف ولا حتى متى".
وقال رضوان : "كافة فصائل المقاومة الفلسطينية ترفض وبشكل قاطع فكرة الاحتلال في بناء جدار أسمنتي حول قطاع غزة، وهذا الأمر بمثابة حصار جديد على سكان القطاع بحجة البحث عن الأنفاق أو السيطرة على مفاجأتها في أي حرب مقبلة".
وأضاف: "الأنفاق باتت ذريعة يمتلكها الاحتلال لتهيئة الجو داخل إسرائيل وأمام الرأي العام العربي والدولي بحرب جديدة قادمة على غزة، وهذا الأمر تتجهز له إسرائيل إعلامياً منذ شهور، وتنتظر ساعة التنفيذ فقط".
وشدد رضوان على أن المقاومة لن تسمح أبداً بالقضاء على الأنفاق التي تستخدمها لمواجهة المحتل؛ لكونها حقاً شرعياً في الدفاع عن شعبها أمام الحروب الإسرائيلية التي انتهكت كل القوانين الإنسانية والدولية، ووجود هذه الأنفاق ضرورة ما دام الاحتلال موجوداً على الأرض الفلسطينية، وما يقوم به الاحتلال من جدار وسياج ستتغلب عليه المقاومة ولن يقف عقبة أمامها.
بدوره، أكد أحمد المدلل، القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أن الأنفاق هي "وسيلة من وسائل القتال والدفاع عن النفس في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، واستخدامها ذريعة لشن حرب جديدة أو تشديد الحصار على قطاع غزة ستكون له نتائج كبيرة وخطيرة".
- الرهان الخاسر
وأضاف المدلل : "المقاومة متمسّكة بكل وسيلة في الدفاع عن هذا الشعب الأعزل، الذي تعرّض لثلاث حروب قاسية خلال سنوات قليلة، ومحاولة الاحتلال للسيطرة أو القضاء على الأنفاق من خلال الجدار الأسمنتي والسياج الحدودي لن تقف المقاومة مكتوفة الأيدي أمامه، وسيكون لها الرد في الوقت المناسب، وقد تشعل حرباً جديدة".
وذكر القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أن الاحتلال يحاول من خلال بناء الجدار أسفل وأعلى الأرض حول غزة "بثّ روح الطمأنينة في جنوده ومستوطنيه؛ بأنه بات يسيطر على الأنفاق، وهذا الرهان خاسر، وستُفشل المقاومة المخطط، ولن يحقق للإسرائيليين الأمن والأمان طالما وجدوا على أرضنا المحتلة".
بدوره رأى الباحث والمحلل السياسي مصطفى الصواف، أن الاحتلال مُصِرّ على بناء الجدار، ظناً منه أن ذلك ربما يحدّ من عمل المقاومة، مشيراً إلى حديث بعض الخبراء الذين أكدوا أن هذا الجهد ضائع وبات بلا جدوى.
وأوضح الصواف أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي عمل يؤدي للإضرار بمشروع الشعب الفلسطيني، وسيكون لها حديث في حال استمر الاحتلال ببناء الجدار.
وأشار في الوقت ذاته إلى أن المقاومة عادةً لا تفتعل أي مواجهة مع الاحتلال، وتبذل كل ما لديها من جهد لتأجيل هذه المعركة التي يسعى إليها الاحتلال في ظل هذه الظروف.
وحول علاقة الجدار بالمأزق السياسي الذي يتعرّض له رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ على خلفية اتهامه بقضايا فساد، قال الصواف: إن "الجدار لا يخرج نتنياهو من المأزق الذي يعيشه، وإذا فشل هذا الجدار فسيزيد من حجم الانتقادات الموجهة ضده".
وأضاف أن قضية الجدار مسألة عسكرية مرتبطة بالواقع الأمني، وليست مرتبطة بالفساد الذي يرتبط بنتنياهو، مستبعداً أن يكون ذلك سبباً في تصدير الأزمة باتجاه عدوان جديد على قطاع غزة.
من جانبه قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، إن بناء الاحتلال لجدار على حدود غزة ستعتبره المقاومة، وعلى رأسها كتائب القسام وسرايا القدس، "إعلان حرب، ولن تسمح بتنفيذه".
وذكر المدهون، وهو كاتب مقرّب من حركة "حماس"، في تدوينة كتبها على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، أنه سيتم استهدافه وتعويق عمله (الجدار) حتى لو أدى ذلك لحرب مفتوحة مع الاحتلال، فهذا الجدار المزمع تنفيذه من الجيش الإسرائيلي كسر لقواعد التهدئة.
وكان قائد المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، أيال زمير، قد أعرب، الأسبوع الماضي، عن خوفه من رد فعل حركة "حماس" وباقي فصائل المقاومة على بناء هذا الجدار، قائلاً: "نأمل ألا يحاولوا أن يتحدونا"، مؤكداً أن "الحاجز سيقام بأي ثمن".
وقال زمير: إن "إسرائيل شرعت أخيراً ببناء أهم عائق تحت الأرض، على طول الحدود مع قطاع غزة، لمواجهة خطر الأنفاق، وإنها ستكمل المشروع حتى بثمن حرب عادلة من جهتنا على حماس، كما سيقيم الجيش سياجاً فاصلاً على الحدود البحرية، وكاسر أمواج على طول كيلومترات عدة".
وحاول زمير، في لقاء بادر إليه مع صحفيين عسكريين إسرائيليين، إقناعهم بأن المشروع الجديد سيشكّل أنجع رد لحرب الأنفاق من القطاع، والتي أحرجت إسرائيل في الحرب الأخيرة على القطاع، قبل ثلاثة أعوام.
وأفادت وسائل الإعلام العبرية بأن السياج الجديد (تحته الجدار الأسمنتي) سيكون على بعد مئات الأمتار شرق السياج القائم اليوم في اتجاه الأراضي الإسرائيلية، على أن يتم ملء المسافة الفاصلة بين السياجين بتلال من التراب، مع شقّ مسالك تتيح لدبابات الجيش ووحداته التجوّل فيها والقيام بدورياتها، وستكون على غرار تلك التي أُقيمت على الحدود بين إسرائيل ومصر، لكن أكثر سمكاً.
يذكر أن الحديث عن فكرة إقامة جدار تحت الأرض يفصل بين أراضي الجانبين بدأ بعدما شن الاحتلال الإسرائيلي في 2014 حرباً على قطاع غزة.
من جانبه أكد الكاتب الإسرائيلي شلومي الدار، بأن تقديرات حركة "حماس" ترى أن نتنياهو يسعى لمواجهة عسكرية في غزة من أجل صرف نظر الإسرائيليين عن التحقيقات معه حول شبهات الفساد.
ووصف الصحفي الإسرائيلي، في تصريحات نقلتها وسائل إعلامية، الأوضاع على حدود قطاع غزة بأنها الأكثر توتراً بين حماس والإسرائيليين منذ التوصل لوقف إطلاق النار بعد حرب العام 2014 على قطاع غزة، موضحاً أن معلومات وصلت له أفادت بأن كتائب عز الدين القسام عززت قواتها على طول الحدود، وهذا لقناعة قيادة الحركة بأن نتنياهو سيبادر لعمل عسكري ضد غزة لصرف نظر الإسرائيليين عن التحقيقات الجنائية ضده.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد بدأ، خلال شهر سبتمبر الماضي، بناء جدارٍ أرضيّ أسمنتي حول قطاع غزة، وذلك بهدف مواجهة أنفاق المقاومة الفلسطينية، بعد أن كشف عدة أنفاقٍ منذ انتهاء العدوان الأخير على غزّة، التي تشير المصادر العبرية إلى أنّها كانت أنفاقاً متصلة بأنفاق سابقة حفرتها المقاومة وحاول الاحتلال تدميرها.
وتعتبر دولة الاحتلال الإسرائيلي الأنفاق التي تربط بين قطاع غزة والأراضي الإسرائيلية لتسلل مجموعات مسلحة من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أو منظمات فلسطينية أخرى، تهديداً أساسياً لأمنها، واكتشفت إسرائيل وهدمت نحو ثلاثين نفقاً في صيف 2014 خلال الحرب الأخيرة التي شنتها ضد قطاع غزة.