شروط تصالح مصر والسعودية .. وأسباب الخلافات السابقة .. وحجم التعاون المنتظر

نجحت وساطات الإمارات والبحرين والأردن فى أحتواء أزمة مصر والسعودية وإنهاء التراشق الاعلامى بين الطرفين وتصفية الأجواء وتجاوز مرارات تراكمت خلال فترة أزمة الجزر وقضايا ومواقف مختلفة ومتباينة حول ملفات إقليمية ساخنة .


وتناول موقع "سياسى"، أسباب الخلاف بين الطرفين والرؤية المستقبيلة فى العلاقات بين مصر والسعودية، خلال الفترة القادمة، ونتائج مباحثات وواسطات بعض الدول العربية لاحتواء الازمة وتقارب وجهات النظر بين القطبين المصرى والسعودى، خلال لقاء القمة العربية بالاردن. 

 ثلاث "تفاهمات" بين القاهرة والرياض، حول الملف السوري، وجزيرتي "تيران وصنافير"، والتراشق الإعلامي، أثمرت عن لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، على هامش القمة العربية، بعد نحو أشهر من "الخلاف المعلن" بين البلدين، وفق خبراء عرب. 
 
ولقاء "السيسي- سلمان " هو الأول بين الجانبين بعد نحو عام من زيارة سلمان للقاهرة في إبريل العام الماضي، والتي تلاها تباينات في وجهات النظر حول عدد من قضايا المنطقة. 
 
وأثمر اللقاء الذي خرجت فيه صور "السيسي" و"سلمان" للرأي العام بابتسامات عديدة على هامش القمة العربية الـ 28 التي اختتمت أعمالها بالأردن أمس الأربعاء، عن ترحيب الرئيس المصري، بدعوة العاهل السعودي، لزيارة المملكة، التي أعلنت أنها ستكون الشهر المقبل، وفق تصريحات لوزير الخارجية السعودي عادل الجبير. 

وجاء اللقاء بعدما شهدت العلاقات المصرية - السعودية تبايناً معلنًا في وجهات النظر خلال الفترة الماضية على خلفية أزمات المنطقة ورؤية البلدين لحلها لا سيما في قضيتي سوريا واليمن. 

أسباب الخلاف
ونقلت صحيفة هافينتجون بوست عن محللين سياسين رؤيتهم بشأن الأسباب التى أدت لإشعال الخلافات بين كل من مصر والسعودية كالتالى :-
1-  خلاف حول سوريا
لكن تصويت مصر على مشروع قرار روسي في مجلس الأمن فى أكتوبر الماضى حول الوضع في سوريا لا توافق السعودية عليه، أعاد الخلاف إلى العلن.
دخل البري في سوريا أمرا سياديا منفردا".

وقد صرح سامح شكري وزير الخارجية المصرى أثناء مؤتمر صحفي مع نظيره الكويتي أن "القرار السعودي لا يأتي في إطار القوة الإسلامية المشتركة لمواجهة الإرهاب".

وأظهرت تصريحات وزير الخارجية المصري حجم التباين بين الموقفين المصري والسعودي فيما يتعلق بالتدخل العسكري في الأزمة السورية. إذ عبرت السعودية أكثر من مرة عن استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا.

بينما قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، فى تصريحات لقناة سي إن إن، الجمعة 12 فبراير/ شباط 2016، استعداد بلاده لإرسال قوات إلى سوريا قائلا "إذا قرر التحالف الدولي ضد "داعش" -والذي نحن جزء منه- إرسال قوات برية إلى سوريا -إلى جانب الحملة الجوية الحالية- فإن المملكة العربية السعودية مستعدة لإرسال قوة خاصة من أجل هذا المسعى".

ويتضح من تصريحات الجبير أن السعودية تربط إرسال قواتها البرية بمشاركة دولية ضمن قوات التحالف.

وقال الدكتور سرحان العتيبي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود، في حديث لة لقناة  بي بي سي عربي، إن "مصر الآن ضمن محور يضم روسيا وإيران وسوريا، ولا يمكن للدور المصري الخروج عن هذا المحور".

وصرح الكاتب الصحفي المصري عبد الله السناوي لوكالة الأنباء الفرنسية: "هناك دوماً حديث عن تحالف استراتيجي بين القاهرة والرياض، وهذا غير صحيح".

ويضيف: "التحالف الاستراتيجي يعني وجود تفاهمات في الملفات الإقليمية، وهو أمر غير موجود بينهما في الملفين السوري واليمني، الخلاف الآن انفجر وظهر للسطح".

وصرح الكاتب السعودي البارز جمال خاشقجي لوكالة الأنباء الفرنسية: "مصر لا ترى خطرَ الإيرانيين" الذين يدخلون في صراع إقليمي محموم مع السعودية بتأييدهم لبشار الأسد في سوريا

والحوثيين في اليمن، معتبراً أن "السعودية تسامحت مع الموقف المصري مراراً وتكراراً، وأعتقد أن ما حدث في تصويت الأمم المتحدة هو القشة التي قصمت ظهر البعير".

2- النفط يشعل الخلافات
وكان مندوب السعودية في مجلس الأمن عبد الله المعلمي صرح، في مقابلة تلفزيونية بعد عملية التصويت في مجلس الأمن فى أكتوبر الماضى : "كان من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي أقرب إلى التوافق العربي من موقف المندوب العربي (المصري)".

ويعد هذا أول انتقاد سعودي علني وصريح للسياسة المصرية.

وكان مشروع القانون الروسي في مجلس الأمن يطالب بوقف القتال في مدينة حلب السورية، من دون أن يلحظ وقف القصف من روسيا وطيران نظام الأسد على الأحياء الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة في المدينة الواقعة في شمال سوريا، والذي تطالب به الرياض والدول الغربية الداعمة للمعارضة، ورفض مجلس الأمن المشروع الروسي.

وبعد يومين من تصويت مصر إلى جانب مشروع القانون الروسي، أعلن المتحدث باسم وزارة البترول المصرية حمدي عبد العزيز أن "شركة أرامكو السعودية أبلغت الهيئة العامة للبترول شفهياً مطلع الشهر الجاري بوقف إمدادات البترول لشهر أكتوبر دون إبداء أي أسباب".

وتحتاج السوق المصرية شهرياً إلى 6٫5 مليون طن من المنتجات البترولية يستورد منها 1،75 مليون طن، منها 40% من السعودية وحدها. وضخت السعودية ودول الخليج مليارات الدولارات للمساعدة في إنعاش الاقتصاد المصري المتداعي منذ الثورة التي أطاحت حسني مبارك مطلع 2011.

وعلى الرغم من تأكيد عبد العزيز أن "أرامكو أبلغتنا بالأمر قبل جلسة مجلس الأمن، وأن الأمر تجاري وليس سياسياً"، يبرز القرار توتراً واضحاً في العلاقات.

وقال الباحث الاقتصادي إبراهيم الغيطاني، لوكالة الأنباء الفرنسية: "لا أظن أن هناك أي مشكلة فنية في الشركة السعودية. ولم نسمع عن أي وقف مماثل من أرامكو لدول أخرى"، مشيرا ان  "أموراً سياسية" تقف خلف قرار أرامكو.

3- الموقف من الأسد
ويقول السناوي: "في سوريا، الموقف المصري يناقض الموقف السعودي"، موضحاً أن "مصر مع وحدة الأراضي السورية وضد تفكيك الجيش السوري وضد كل الجماعات المعارضة المسلحة، ومنها جبهة النصرة التي تساندها السعودية، ولها دور في تدريبها وتمويلها"، على حد قوله.

ويقول السفير السابق السيد أمين شلبي، المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية، وهو مركز بحثي مستقل في القاهرة: "السعودية موقفها حاسم تجاه رحيل بشار الأسد وترى في ذلك حلاً للأزمة، بينما مصر مع الحل السياسي للأزمة وأحد عناصره بشار الأسد".

وتستضيف القاهرة باستمرار لقاءات لمعارضين سوريين يدعمون الحل السياسي.

4- الملف اليمني
وتأخذ الرياض على القاهرة مشاركتها المحدودة في التحالف العربي الذي يتصدى للمتمردين الحوثيين في اليمن المتهمين بتلقي الدعم من إيران، منذ إعلانه في مارس 2015.

وتشارك مصر بقوات جوية وبحرية في التحالف، وأعلنت أنها ستدعم السعودية بقوات برية إذا كان ذلك ضرورياً، لكن ذلك لم يحدث حتى اللحظة، ربما لخشيتها من التورط أكثر في اليمن الذي يحمل ذكريات سيئة للجيش المصري الذي تدخل في اليمن في الستينات، بحسب مراقبين.

وقال السناوي: "في الملف اليمني، تجنبت مصر التورط بسبب التجربة القاسية في ستينات القرن الماضي".

على الرغم من كل ذلك، لا يرى محللون أن الرياض ستتخلى نهائياً عن مصر.

ويقول خاشقجي: "السعودية تشعر بالقلق حول مستقبل مصر .. لأمور لا تسير بشكل جيد اقتصادياً. ومع الركود السياسي، فهناك قابلية لأزمة جديدة في مصر، ولا أحد يتمنى أزمة أخرى في المنطقة" 

وخلال تلك الشهور حتى مقابلة السيسي- سلمان، بالقمة العربية فى الاردن ظهر تراشق إعلامي غير رسمي في وسائل الإعلام والصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي في البلدين، وصفت من جانب مراقبين بأنها "وترت" العلاقات الثنائية بين البلدين. 

 التراشق الاعلامى
وأثناء ذلك التراشق الإعلامي، كانت للبحرين والإمارات تصريحات متتالية حول أهمية وحدة الصف العربي، وسط أحاديث أعلامية لم تتأكد رسميا عن وساطة لهما لتقريب وجهات النظر المصرية السعودية. 
 
وكان أبرز التصريحات المصرية خلال الشهر الجاري، من أمين مجلس الأمن القومي المصري، خالد البقلي، بتأكيده أن العلاقات مع السعودية "لم تنقطع أبدا"، مضيفا وقتها : "ما حدث سوء فهم لبعض المواقف والأطراف التقت وسنرى في القريب العاجل عودة علاقات أقوى بين الجانبين". 

فيما اتفق لقاء السيسي- سلمان بالقمة العربية، بخلاف الزيارات المتبادلة على "دعم التنسيق المشترك في ظل وحدة المصير والتحديات التي تواجه البلدين، وأهمية دفع وتطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات، بما يعكس قوة العلاقات الراسخة والقوية"، وفق بيان رئاسي مصري. 

وعقب اللقاء قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السعودية، أن الرياض والقاهرة "متطابقتان في الرؤى في جميع المجالات سواء في الأزمات التي تواجهها المنطقة أو الحذر من الخطر الذي تشكله إيران "، وهناك "مبالغة" في تفسير أي تباين في مواقف البلدين بشأن سوريا واليمن. 

وعن مصير الاتفاقيات التي وقعت خلال زيارة الملك سلمان لمصر إبريل  الماضي، وأسباب عدم تنفيذها، أوضح الجبير أن "التشاور والتنسيق مستمر حيال تلك الاتفاقيات، وأن العمل عليها قائم، والتواصل بين المسؤولين والمختصين في البلدين فيما يتعلق بكل الاتفاقيات مستمر، والعمل قائم على تطبيقها". 

وساطات مهدت لقمة 
الأكاديمي المصري، طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ،  يري أن " المقابلة كانت لابد أن تجري لجملة من الاعتبارات أهمها أن وساطات عربية سابقة عليها بذلت في هذا الإطار، من الإمارات والبحرين والأردن، وبناء عليه تم اللقاء الودي بين الملك والرئيس المصري"، واصفا إياه بأنه "مهم وناجح" ، بحسب وكالة "الأناضول". 
 
واتفق معه، عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بالإمارات، قائلا : "المقابلة كانت تتويجا لمرحلة سابقة من تصفية الأجواء وتجاوز مرارات تراكمت خلال فترة أزمة الجزر وقضايا ومواقف مختلفة ومتباينة حول ملفات إقليمية ساخنة وسط حملات إعلامية متشنجة وصعبة". 

وأضاف "حتما كانت هناك أطراف عملت بجدية كبيرة لتحقيق هذا التواصل وتخفيف حدة التوترات ولا أستبعد أن يكون هناك دور لدولة الإمارات في هذا الصدد"، في إشارة أيضا للوساطة العربية. 
 
فيما اعتبر أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي مقره جدة) في حديث للأناضول، الاجتماع بأنه "لقاء الوفاق (..) الذي كشف أنه لا خلاف بين البلدين ولكن اختلاف يسوى دوما بالحوار" 

شروط التصالح
اللقاء الذي جمع "السيسي وسلمان"، وفق الأكاديمي المصري، طارق فهمي، "تتويج لتفاهمات تمت طيلة الفترة الماضية". 

فهمي، رجّح أن التفاهمات تمت على أرضية "وقف التراشق الإعلامي والهجوم بين البلدين وهذا تم الفترة الأخيرة، والاتفاق على الحد الأدني من الخلاف بشأن سوريا (دون توضيح)، واستيعاب الأشقاء السعوديين في ملف الجزر أن مصر دولة مؤسسات، وأنه يجب تأجيل القضايا الخلافية". 

وقريبا من هذا الطرح، يتحدث الأكاديمي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، موضحا أن اللقاء جاء بعد "تخفيف حدة الحملات الإعلامية، والتوافق في الملف السوري في ظل تضخم الدور الإيراني، وتدخل من الإدارة الأمريكية في هذا الصدد". 

وأشار أن ملف الجزر أيضا كان "ضمن تهدئة الخواطر ربما لجولة قادمة قد تتغير فيه الأمور"، في إشارة لما يتردد عن حسم الملف عن طريق التحكيم الدولي، أو إمكانية حسمه برلمانيا أو قضائيا في مصر 

فيما يتفق الأكاديمي السعودي، أنور عشقي الذي شغل سابقا أكثر من موقع رسمي، معهما في أن "التفاهمات في تباين وجهات النظر كان أولها في سوريا بالقبول بالحل السلمي الذي تسير في جميع الأطراف الآن وليس مصر والسعودية فقط، بجانب وقف السلبيات من جانب وسائل الإعلام والمنع للبعض الآخر". 

وفي  يناير الماضي، أوقف برنامج الإعلامي، إبراهيم عيسى، الذي عادة ما ينتقد الجانب السعودي، مؤكدا في بيان وقتها أن تأثير حلقات برنامجه "ألقت عليه أعباء وتعرض معها لأنواء وأحيط بالضغوط، وتسبب فى ضيق صدور". 
 
فيما اختلف الأكاديمي السعودي أن يكون هناك تفاهمات تمت حول ملف الجزر، مؤكدا أن"الحكومة والبرلمان في مصر متفقان على أحقية السعودية في الجزيرتين"، مستبعدا أن تكون حولها تفاهمات جديدة. 

العلاقات المستقبلية بين البلدين
راسما صيغة للعلاقات المستقبلية بين القاهرة والرياض بعد هذا اللقاء، قال الأكاديمي طارق فهمي : "هناك مناخ جديد يتشكل بين القاهرة والرياض"، مؤكدا "ضرورة إجراء حوار استراتيجي بينهما في ظل حرص على تجاوز التباين والتجاذب في العلاقات"، معتقدا أن "هذا سيترجم الفترة المقبلة". 

وأضاف "هناك جزء ليس متعلقا بخلافات وتباينات إقليمية، كسوريا ولكن متعلق بإزالة حالة احتقان الطرفين في قضايا ثنائية مثل قضايا الجزر، لأنه في النهاية مصر دولة مؤسسات ويجب أن يناقش هذا الموضوع بصورة أو أخرى وشكل التسوية مهم في هذا الإطار ويجب أن يقنع الأشقاء في السعودية". 

وطالب أيضا "الأشقاء في السعودية بتفهم طبيعة الخلافات والقبول بالحد الأدني في الملفات الأخرى سواء في الملف اليمني والسوري وتطوراتهما دون أن يصطدما ويصلا للخيار صفر"، مؤكدا أن "هناك رشادة في هذا الإطار يجب أن تستمر في إطار العلاقات الثنائية". 

كما توقع الأكاديمي الإماراتي، عبدالله، "مع إتمام زيارة السيسي للسعودية أن تكون هناك اتفاقيات اقتصادية جديدة ومجالات للتعاون أكثر وعودة العلاقات أفضل مما كانت عليه". 
فيما توقع عشقي، أن تصير القاهرة والسعودية في نظرتهما لقضايا المنطقة في إطار "التكامل". 

وعادة ما توصف العلاقات المصرية السعودية بأنها جيدة، وظهر دعم المملكة بشكل كبير للقاهرة منذ نهاية صيف عام 2013، عقب الاطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في البلاد.

وقدمت لها مساعدات مالية وتسهيلات اقتصادية بملايين الدولارات، غير أنها شهدت توترات في فترات بين إعلاميي البلدين، وسط موقف رسمي من كلا الجانبين "دبلوماسي النزعة"، يثني على دور المملكة والقيادة المصرية.