حيدر خضير الروبيعي يكتب: "هناء ادور" و"أسوار العراق"!

حيدر خضير الروبيعي يكتب: "هناء ادور" و"أسوار العراق"!

لأكثر من عقدين تابعت المشهد العراقي وكتبت عنه حتى ملت الكلمات من التكرار، كثرت الكتابات والتحليلات وربما النصائح، ولكن شيئاً أبداً لم يتغير في واقع العراق نحو الأفضل، اللهم إلا خروج أصوات تناضل هنا أو هناك بين الحين والآخر في فضاءات العالم، ربما في محاولة لتعيد الحياة في جسد العراق المثخن بالجراح..


كتبت عناوين كثيرة لمقالات تحكي بعض من آلام العراق وصراعاته، ولكن عنواناً واحداً كتبته عام 2009 أطل على ذاكرتي الآن وأنا أطالع تلك الكلمة التي ألقتها الناشطة العراقية "هناء ادور" منذ أيام أمام مجلس الأمن حول الوضع في العراق، وهو عنوان "أسوار العراق.. وكوارثها"، الذي نشر في سبتمبر 2009 بصحيفة الأسبوع المصرية، ربما تذكرته لأن هناك علاقة ما بين محتواه وتشبيهاته، وذلك الهجوم الذي تعرضت وتتعرض له الناشطة "هناء ادور" لإيصال الحقيقة العراقية للعالم..

ففي مقالي المشار إليه تحدثت عن عملية عسكرية كان يقصد بها فصل العراق عن بعض جيرانه آنذاك، وبالتحديد سوريا، وقد وضع القائمون على العملية اسماً لامعاً لها متمثلاً في "أسوار العراق"، التي ربما كانت محاولة منهم لحجب ما يحدث في داخل العراق من كوارث ونكبات، وتجييش الأصوات في اتجاه آخر للترويج لمعركة وهمية بعيداً عن المعارك الحقيقية التي كان وسيظل يحتاجها العراق بشدة للبناء، وطبعاً في النهاية لم تفلح "أسوار العراق" المصطنعة في حمايتها من محيطها الصاخب، كما لم يخبو دخان حرائق وكوراث الداخل..

وبالعودة لكلمات "ادور"، سنكتشف أنها كلمات صادقة تعبر عن واقع مرير، وهي بلا شك محاولة جديرة بالاحترام للتسلل.. بل والقفز عن تلك الأسوار التي فرضتها سياسات الطائفية والمحاصصة والتشرذم..

لقد جاءت كلمات "هناء" كصرخة قالت فيها: "الآن وبعد ما يقارب العشرون عاماً، تشير المؤشرات -التي تداولتها وكالات الأمم المتحدة والمراكز البحثية الدولية- إلى تراجع مريع في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والصحي والبيئي في العراق، في ظل نظام سياسي، قائم على المحاصصة الطائفية والعرقية بدون سند دستوري أو قانوني، تحكمت في قيادته كتل سياسية بلا رؤية وطنية لإدارة البلد، وتفتقر أيضاً إلى الثقة فيما بين أحزابها، وبين الأحزاب وسلطات الحكم ومؤسساته.. نهبت موارد الدولة وموازناتها لأجل مصالحها الفئوية الضيقة والشخصية، ونشرت الفساد والخراب في مؤسسات الدولة، وحتى حملاتها للإصلاح ومحاربة الفساد هي فساد كبير.. كما استبيحت سيادة البلاد أمام التدخلات الأجنبية العسكرية والأمنية المستمرة"..  

وهي كلمات حول أمور لا تبدو خفية في الواقع، ولكن إعادة إحيائها في المحافل الدولية هو تماماً ما تحتاجه العراق لإيجاد ضغوط ولو رمزية للتصويب وإعادة البناء، وهنا أعود لاقتبس من كلمات "هناء ادور" مرة أخرى عندما قالت: "سيادة القانون في بلدي حل محله انتشار السلاح بيد العشائر والجماعات المسلحة.. الإفلات من العقاب هي السمة البارزة في نظام العدالة، لذا يتوجه المواطنون لحل نزاعاتهم وخلافاتهم على أساس الفصول العشائرية بدلاً من المحاكم.. كما نشهد تسييس نظام العدالة حيث تصدر أحكام قضائية قاسية مبنية على دعاوى كيدية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والاعلاميين والمتظاهرين السلميين وصلت إلى اصدار أحكام بالإعدام.. ولم تنشر نتائج التحقيقات بشأن أنماط الاغتيالات والاعتداءات العنيفة ضدهم التي نسبت إلى عناصر مسلحة مجهولة الهوية.. ولايزال مصير عدد من الناشطين والاعلاميين المعتقلين والمختطفين مجهولاً، ناهيك عن الآلاف من المختفين قسرياً، لم يتحرك القضاء لبحث قضاياهم وإنصاف عوائلهم، في حين المتهمين بجرائم المخدرات والفساد الكبيرة تصدر أحكاماً خفيفة بحقهم، بل وببراءتهم أو ينالون عفواً خاصاً"!

وتستمر "ادور":

"اختزلت الديمقراطية في العراق باجراء خمس عمليات انتخابية عامة، أدت إلى اختمار وضعيات غير ديمقراطية بديلة بعنوان التوافق بين الأحزاب السياسية الحاكمة، وصلنا فيها الآن إلى مرحلة الجمود السياسي.. الحكومة هي لتسيير الأعمال اليومية، وأجهزتها متوقفة عن ممارسة وظائفها بسبب عدم وجود الموازنة.. كما ان مجلس النواب معطل، رغم مضي ما يقارب الخمسة أشهر على مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات.. للأسف، حتى المحكمة الاتحادية العليا المعنية بتفسير نصوص الدستور، ساهمت قراراتها الأخيرة في تصلب حالة الجمود السياسي، بدلاً من الاجتهاد في تفكيكه من أجل المصلحة العامة.."..

وتستمر:

"تعمقت أزمة عدم ثقة الشعب بالطبقة الحاكمة والمؤسسات العامة، وحتى في انتخابات اكتوبر 2021، لم تتجاوز نسبة مشاركة الناخبين 35 بالمائة في أحسن الأحوال.. وبشأن دعوات الاصلاح والتغيير التي يطلقها صناع القرار السياسيين، هناك مثل يردده العراقيون: المجرب لا يجرب.."..

وتستمر:

"إزاء الواقع المرير الذي نعيشه، والمحفوف بالمخاطر، بات الاصلاح والتغيير حاجة آنية ماسة، لتحقيق الاستقرار والأمن والتعايش السلمي بين العراقيين، وفق عقد اجتماعي جديد، يضمن المواطنة المتساوية الحاضنة للتنوع والعدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة في إطار دولة مدنية.."..

وتستمر:

"أناشد المجتمع الدولي، قبل فوات الأوان، للقيام بمبادرة مدروسة، ضمن سقف زمني محدد، باتجاه الضغط على السلطات العراقية وصناع القرار من السياسيين، للعمل الجدي لتجاوز حالة الجمود السياسي والانقسامات فيما بينهم، وتغليب مصالح الشعب العراقي على مصالحهم الفئوية الضيقة، واحترام التزاماتهم الدولية لاتفاقيات حقوق الإنسان. ومن الأهمية ادماج منظمات المجتمع المدني ضمن المبادرة لتفعيل دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة وسيادة القانون، والضغط لوضع حد للإفلات من العقاب، والترويج للتعايش السلمي والشفافية والمساءلة والحكم الرشيد والتنمية المستدامة"..

انتهت هنا كلمات الناشطة العراقية "هناء ادور"، فهل يمكن أن يدعي عراقي محب لوطنه أنها لا تمثله أو أنها لا تعبر عن واقع العراق المعاش؟ سؤال يبدو ساذجاً أمام جلاء الحقيقة وفجاجة الأمر الواقع، ولذلك أتمنى أن يتراجع المنتقدون والمرتعشون للخلف، وإن يتركوا "هناء ادور" لتحلق فوق أسوار العراق بكلماتها، ولتخترق جدران وأسوار الصمت والركود، فربما استطاعت أن تغير واقعاً فرض علينا وعلى العراق لعقود..

 

* مصدر نص كلمة "هناء ادور": مجموعة العراق فوق خط أحمر

* مصدر الكاريكاتير: صحيفة الغد الأردنية نوفمبر 2019