العلاقات نحو الدفء التدريجي .. لماذا تدعم إيران «القسام» وليس «حماس»؟
رغم تشابك المصالح بينهما، إلا أن العلاقة بين إيران وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تأرجحت بين التقارب والتباعد خلال السنوات الماضية، وغلب عليها الخلاف ومع ذلك يمكننا القول إن الطرفين حافظا على «شعرة معاوية» بينهما خلال تلك الفترة.
تغيرات جديدة عدة لها انعكاساتها على هذه العلاقة، انتخاب القياديين «يحيى السنوار» و«إسماعيل هنية»، وتراجع الموقف العربي الداعم لحماس، وتشديد الحصار الإسرائيلي وحصار الرئيس الفلسطيني والنظام المصري على حماس، أما إيران التي يسوء وضعها الإقليمي فهي لا تزال تريد حماس حليفًا يحقق لها مصالح على الساحة السياسية والعسكرية.
العلاقات الإيرانية مع حماس
يؤرخ للانتفاضة الفلسطينية الأولى كلبنة أساسية في العلاقة بين إيران وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لكن اتفاقية «أوسلو» هي من استكملت طريق التقارب بين الطرفين اللذين عارضا اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وتوطدت العلاقة في الانتفاضة الثانية إذا دعمت إيران عسكريًا الحركة التي جندت كل قواها لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
عام 2006، حين تمخض عن الانتخابات الفلسطينية التي جرت فوز حركة حماس لأول مرة، سار التقارب الإيراني مع حماس نحو متانةٍ أكثر، وقد أصبحت حماس ثاني أكبر فصيل يتلقَّى دعمًا من إيران بعد حزب الله قبل عام 2011، ويمكننا اعتبار محك التراجع في العلاقة بين حماس وإيران، قد وقع في العام 2011 عندما اندلعت الثورة السورية وغادرت الحركة العاصمة دمشق إلى قطر، إذ تراجع الدعم الإيراني المالي والعسكري لحماس بسبب موقفها المؤيد للثورة السورية.
ومع توالي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إثر تولِّي حماس إدارة القطاع، وبينما برز الدعم الإيراني في عدوان عام 2012، واعتبرت إيران صاحبة الفضل في امتلاك حماس للصواريخ التي مكنتها من قصف تل أبيب والقدس وحيفا، لم يظهر هذا الدعم في عدوان 2014، حيث تعمدت الحركة أن تظهر أن الترسانة الصاروخية التي بحوزتها صناعة محلية.
ورغم ذلك، لا يمكن اعتبار السنوات الأخيرة سنوات قطيعة تامة بين الجانبين وإن كانت غير مرضية للطرفين، إذ كانت محاولات مد جسور العلاقة أمرًا قائمًا بين الفينة والأخرى، فعلى سبيل المثال سجل مقتل «سمير القنطار» القيادي بـ«حزب الله»، داخل سوريا في غارة إسرائيلية محطةً هامة في عملية التقارب، إذ فاجأت حماس الجميع بتعزيتها حليف إيران «حزب الله» بمقتل «مناضل عربي كبير، له سجل مشرف ونضالي كبير ضد إسرائيل» كما وصف بيان القسام القنطار.
يقول عضو جماعة الإخوان المسلمين في سوريا المهندس (ملهم الدروبي) إن حماس «تبحث عمن يدعمها في قضيتها، وتعتبر ذلك أولوية لها، وفي خضم المتناقضات في الساحة السياسية المحلية والإقليمية والدولية، تتقاطع المصالح مع بعض الأطراف أحيانًا وتتناقض أحيانًا أخرى، تقاطعت مصالح حماس مع إيران، فالأولى تبحث عن داعم مالي، والثانية تبحث عن متاريس لها تبعد ساحة الصراع عن أراضيها، وهذا سر العلاقة بين حماس وإيران فيما أظن».
كما لعبت علاقة حماس بالسعودية دورًا في التأثير على العلاقة بين حماس وطهران، ففي يناير (كانون الثاني) عام 2016 رفضت الحركة ما سمِّي بعرض تطبيع إيراني، لأنها حرصت على عدم التورط في أي تحالفات مع إيران، حتى لا تخسر الحركة قاعدتها السنية في المنطقة، أما معركة حلب، فقد تلقت فيها الحركة التي استنكرت مجازر النظام وحلفاءه هجومًا إعلاميًا وسياسيًا رسميًا من إيران، وقد أظهر هذا الهجوم تهديدًا مبطنًا من قبل جناح المحافظين الأصوليين الإيرانيين المعادي لحركة حماس، والذي يطالب بقطع كافة أشكال الدعم عن الحركة، بسبب عدم تماشيها مع السياسة والمواقف الإيرانية في سوريا والعراق واليمن.
لكن نائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق، قال في منتصف عام 2016 إن ما قدمته إيران من دعم للمقاومة الفلسطينية سواء على صعيد الإمداد أو التدريب أو المال، لا يوازيه سقف آخر، ولا تستطيعه معظم الدول، وهو ما سجل كنقطة إيجابية في العلاقة بين الطرفين، وبالانتقال إلى قرار حركة حماس اختيار يحيى السنوار قائدًا للحركة في قطاع غزة، أعيد الحديث عن تقارب مع إيران لكون الرجل من معسكر هذا التقارب، وقد قرأ المراقبون في انتخابه إمكانية ترتيب العلاقة مع إيران وفتح آفاق جديدة معها.
يقول أستاذ التاريخ السياسي «عدنان أبو عامر» إن علاقة حماس بإيران تشهد دفئًا تدريجيًا من خلال وجود جهود متبادلة من الطرفين في إعادة المياه إلى مجاريها بعد ما حدث بسبب القضية السورية، ويضيف: «هناك تقدير بأن يكون لانتخاب هنية من جهة، والجهود التي يبذلها قادة كبار في الحركة، دور في دفء العلاقات الحالية القائمة، ومحاولة استعادة حماس علاقتها وترميمها مع دول»، ويؤكد أبو عامر خلال حديثه لـ«ساسة بوست» أن ذلك لن يكون بصورة تلقائية سهلة لكون الجانبين لديهما بعض المطالب أو الاعتبارات، مضيفًا: «علينا الانتظار الفترة القليلة القادمة لحين استلام قيادة حماس الجديدة لمقاليد الأمور، ومعرفة كيف سيكون دليل العلاقات الخارجية في المنطقة».
لماذا تدعم إيران «القسام» وليس «حماس»؟
«جمهورية إيران الإسلامية أمدتنا بالصواريخ التي دكت المحتل في صولات وجولات مضت، ودعمتنا بالصواريخ النوعية المضادة للدبابات التي حطمت أسطورة الميركافا»، واحدة من أهم التصريحات التي أطلقها المتحدث باسم «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس» المكنى بـ«أبي عبيدة»، كان ذلك في ديسمبر (كانون الأول) عام 2014، عندما خرج الجناح العسكري لـ«حماس» ليقول للمرة الأولى «شكرًا إيران».
فبينما كانت علاقة سياسيي حماس تقترب من قطر وتتراجع عن إيران، كانت كتائب القسام تتمسك بعلاقتها مع إيران كداعم رئيس بالمال والسلاح والخبرات، وترى أنها في أمسّ الحاجة للدعم العسكري الذي لا توفره لها إلا إيران.
وقد اعتبرت تصريحات مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية حسين شيخ الإسلام، التي انتقدت مؤخرًا بشدة إجراءات الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» تجاه غزة استرضاءً لكتائب القسام لا للحركة ككل.
لذلك لم يمنع فتور العلاقة بين الطرفين، إيران مع حزب الله من التركيز على أنهما معنيان بالتعاون مع الجناح العسكري في حماس رغم الخلاف السياسي، وتباهت إيران في خضم مواجهات القسام مع إسرائيل بأنها صاحبة الفضل في التسليح والاستعداد والجهوزية العالية، كما أن القسام أظهر أن الدعم الإيراني بالسلاح والتدريب لم ينقطع، ولم يكن القسام حتى الأيام الأخيرة صامتًا عن الحديث عن هذا الفضل، فبينما حيا القائد العسكري للحركة «محمد الضيف» في أكثر من مناسبة جهود إيران في دعم كتائب القسام، أعادت قضية مهندس طيران المخترع التونسي «محمد الزواري»، الحديث عن ذلك، إذ انتقل المهندس التونسي إلى سوريا عام 2006، والتحق بكتائب القسام، وقالت حماس إن إيران دعمت مشروع الطائرات المسيرة الذي قام عليه الزواري، فخضع فيها لدورة تدريبية على مراحل شملت الطيران والاتصال والتحكم والتصنيع.
وقد تحدثت عدة مصادر عن وجود خلاف بين قيادة القسام التي تريد البقاء مع الحلف الإيراني، وبين القيادة السياسية التي تريد التقارب مع الدول العربية وخاصة الخليجية، وقد أرجع قيام إيران في أبريل (نيسان) عام 2015 بتخصيص ميزانية سنوية لدعم كتائب القسام – وفق وول ستريت جورنال الأمريكية – لهدف تعميق الشرخ الحاصل بين القيادة السياسية والقسام في ظل الدعم الإيراني.
وقبل أيام، كشف موقع «المدن» اللبناني عن تلقي كتائب القسام قبل نحو شهرين، مبلغًا ماليًا قدره 27 مليون دولار أمريكي، على هامش «المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة الفلسطينية»، الذي عقد في طهران، ورغم أن المصدر الذي تحدث له الموقع اللبناني أشار أنه لا صحة لزيادة طهران المساعدات المالية لحماس في ضوء ما يُقال عن تحسن في العلاقة بينهما، أكد هذا المصدر أن «هناك التزامًا إيرانيًا بمساعدات مالية محدودة للقسام بين الفينة والأخرى، تقدمها إيران عبر «حزب الله»، الذي يتولى دور الوساطة بينهما».
لذلك، يرى المختص في الشأن الإيراني أحمد لاشين، أن كتائب القسام قد انفصلت بشكل ملحوظ عن حماس، وأصبحت لها مصالحها الخاصة بعيدًا عن توجهات الحركة منذ حوالي عام 2015، ومنذ بدأت حماس تعلن تمردها على إيران، وتحاول أن تخلق نفسها كلاعب منفصل في المنطقة وليس تابعًا لإيران.
ويقول «لاشين» لـ«ساسة بوست»: «يبدو أن تحركات حماس السياسية خلال الفترة السابقة، والتي تتم بعيدًا عن الأجندة الإيرانية، قد دعمت القسام أمام إيران، بالإضافة أن إيران قررت خلال الفترة السابقة أن تقدم دعمها للحركات الفاعلة على الأرض بشكل عسكري، مثل حزب الله والقسام، بعيدًا عن الصفقات السياسية التي تحاول حماس صنعها مع إسرائيل أو مع حركة فتح».
وفيما يمكن إرجاع هذا الاهتمام لمحاولات إيران وحزب الله في أكثر من مناسبة الترويج أن حماس من شقين (سياسي وعسكري)، يؤكد أستاذ التاريخ السياسي «عدنان أبو عامر» أن الإيرانيين معنيون بعودة العلاقات مع حماس، فإيران تعتقد أن العلاقة مع حماس مكسب لها يأتي ضمن تسويق سياساتها الإقليمية في المنطقة بعد ما لحق بها من ضرر وإساءة في ظل التورط في الدم العربي في العراق وسوريا واليمن، مضيفًا: «لكنها تحاول قدر الإمكان أن تبدي أنها ليست متلهفة على حماس، وتحاول أن تفرق بين القيادة العسكرية والسياسية، وهذا أمر قد لا يكون مفيدًا في ظل وجود انسجام بين القيادتين العسكرية والسياسية داخل الحركة».
مستقبل العلاقة .. نحو الدفء التدريجي
في فبراير (شباط) الماضي، وصف المساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الإيراني للعلاقات الدولية «حسين أمير عبد اللهيان» العلاقة بين طهران وحماس بـ«المتينة والقوية».
لكن رغم شعور إيران بأن العلاقة مع حماس في طريقها للتحسن خاصة بعد وصول السنوار إلى المكتب السياسي كما أسلفنا، تبدد في خضم علاقة المد والجزر بعد إصدار حماس الوثيقة السياسية الجديدة، إذ تفيد معلومات أن إيران غير مرتاحة للوثيقة خاصة لبند القبول بدولة فلسطينية على حدود عام 1967.
ويلعب الوضع العربي دورًا هامًا في مسيرة هذا التقارب، فحماس المحاصرة من النظام المصري، والتي تتلقى ضربة وراء الأخرى من رئيس السلطة الفلسطينية، تجد نفسها في مناخ إقليمي لا يجدي معه الدعم التركي والقطري الفاتر في الفترة الأخيرة، وهي رغم وقوف مجموع من الدول العربية وخاصة الخليجية أمام أي تيار يحاول أن يُطور العلاقة مع إيران، قد تجد نفسها مضطرة للبحث عن طوق نجاة.
إذ تبقى حاجة الطرفين لبعضهما البعض، تفرض نفسها على المستقبل القريب والمشهد الإقليمي الحالي، وبين خيارات عودة العلاقات أو قطعها أو التذبذب بين الخيارين السابقين، يقول المحلل السياسي، هاني البسوس: «إيران كانت وما زالت معنيّة بالدعم العسكري لفصائل المقاومة الفلسطينية وخاصةً حماس والجهاد الإسلامي، بالتالي، هناك مصلحة مشتركة بين حماس وإيران وهي العدو المشترك المتمثل في إسرائيل»، مضيفًا لـ«ساسة بوست»: «يبدو أن هناك جهودًا مؤخرًا بينهما لإعادة العلاقة ولإمداد حماس بالدعم العسكري، خاصة مع احتمال اندلاع مواجهة جديدة مع إسرائيل، فالأزمة الحالية التي تعاني منها حماس بجناحيها العسكري والسياسي تدفع بها لطرق كل الأبواب»، وتابع القول: «أعتقد أن الحاجة الملحة للحصول على السلاح والمال ستدفع حركة حماس وبالأخص كتائب القسام لفتح قنوات اتصال مع إيران، ورغم ما قد يحصل من تفاهمات أو تنسيق أو دعم، إلا أن التحفظ بينهما يبقى سيد الموقف خاصة فيما يتعلق بالمواقف السياسية بالنسبة للملفات الإقليمية»، ويستبعد «البسوس» إعلان كتائب القسام عن أي مساعدات أو منح إيرانية في الوقت الحالي.
من جانبه، يقول أستاذ التاريخ السياسي «عدنان أبو عامر»: «على كل الأحوال، إيران لديها حرص على العلاقات مع حماس، ربما لن تعود العلاقات إلى سابق عهدها من الالتزام الكامل والتحالف الاستراتيجي، لكن على الأقل ستنتقل من البرود الكامل إلى الدفء التدريجي بانتظار موافقة الجانبين».
ويؤكد «أبو عامر» أن حماس ليس لديها أي مشكلة في استعادة أو ترميم أي علاقة مع الدول المجاورة بما فيها مصر والأردن والسعودية وإيران والدول الأوروبية، مستدركًا: «لكن حماس كما تؤكد ليس بالضرورة أن تكون جيبًا في محور أحد، لا مع إيران ولا مع غيرها، فإيران منذ سنوات تحاول أن تكون حماس منسجمة مع مواقفها الإقليمية وهذا يضر بحماس، لذلك حماس امتنعت عن الذهاب بعيدًا في علاقتها مع إيران، وارتباط علاقتها بها بقدر ما تدعم القضية الفلسطينية دون تساوق كامل معها».